عاجل:

انتخابات على وقع "الرصاص الصامت" بين شرعية المقاومة وشرعية الدولة... من يحكم فعلا!؟ (خاص)

  • ٣٦

خاص _ "إيست نيوز"


السلاح باقٍ حتى إشعار آخر: بين أوراق القوة ومعارك الشرعية

منذ سنوات طويلة، يشكّل ملف سلاح حزب الله العقدة الأصعب في الحياة السياسية اللبنانية. فبين مؤيّد يراه "درع الحماية" في وجه التهديدات الإسرائيلية، ومعارض يعتبره العقبة الأكبر أمام قيام دولة مكتملة السيادة، ظلّ هذا الملف حاضراً في كل النقاشات، لكن من دون أي حلول عملية. اليوم، وفي ظلّ التوترات الإقليمية المتصاعدة والانهيار الداخلي المتفاقم، يبدو أنّ النقاش حول السلاح لن يُحسم قريبًا، بل إن الحزب يعتمد سياسة "تقطيع الوقت" والمُماطلة، بانتظار الانتخابات المُقبلة ليعيد ترتيب أوراقه ويستجمع ما تبقّى له من حلفاء، قبل الدخول في أي مفاوضات بشروط أفضل.

لعبة الوقت: سلاح في جيب الانتخابات

بحسب مراقبين سياسيين، يسعى حزب الله إلى إبقاء ملف السلاح مفتوحاً من دون التوصّل إلى نتيجة، بحيث يبقى عنواناً دائمًا في السجالات من دون أن يترجم إلى قرارات تنفيذية. الهدف هو الوصول إلى موعد الانتخابات النيابية المُقبلة، وهو ما زال يمسك بهذه الورقة التفاوضية الكبرى، ما يتيح له لاحقًا فرض شروطه ضمن أي معادلة سياسية جديدة. هذه الإستراتيجية ليست جديدة، إذ اعتاد الحزب منذ نهاية الحرب الأهلية استخدام السلاح كورقة قوة داخلية وإقليمية، مُستفيداً من المتغيّرات على أكثر من صعيد.

الاقتصاد رهينة السلاح

الخطاب الرافض لاستمرار السلاح يستند إلى جملة من الحجج الأساسية، أبرزها:

- أنّ وجود سلاح خارج سلطة الدولة يقوّض مبدأ السيادة ويُضعف مؤسّساتها الأمنية والعسكرية.

-أنّ السلاح بات يشكّل عائقاً أمام أي نهوض اقتصادي أو استثماري، إذ يعزّز عزلة لبنان الدولية ويضعه في خانة الدول غير المُستقرّة.

-أنّ استمراره يفرض ازدواجية في القرار السيادي، ويحوّل الدولة إلى سلطة شكلية فيما القرار الحقيقي في يد حزب مسلّح.

-أنّه يعمّق الانقسام الداخلي ويجعل أي حكومة أو برلمان خاضعاً لمعادلة "توازن قوى" غير طبيعية، تعيق الإصلاح وتشلّ العمل المؤسّساتي.

هؤلاء المُعارضون يطرحون بديلاً واضحاً: تقوية الجيش اللبناني ليكون وحده صاحب القرار العسكري، وضبط الحدود عبر المؤسّسات الرسمية، والرهان على الشرعية الدولية بدلاً من المُعادلات الإقليمية.

جيش تحت السقف السياسي

في المُقابل، يرفع المؤيّدون لبقاء السلاح حججاً مُختلفة:

- أنّ إسرائيل ما زالت تحتلّ أراضٍ لبنانية وتواصل تهديدها المُستمرّ للبنان، ما يجعل السلاح ضمانة ردع لا يمكن التخلّي عنها.

- أنّ الجيش اللبناني، رغم كفاءته، يعاني من نقص في التمويل والعتاد، ولا يمكن تحميله وحده مسؤولية مواجهة جيش متطوّر كإسرائيل.

-أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ المقاومة نجحت في فرض مُعادلات ردع منعت الحروب الشاملة، وآخرها مُعادلة "الردع الصاروخي" التي يعتبرها الحزب جزءاً من حماية لبنان.

-أنّ السلاح لم يعد ملفّاً داخلياً صرفًا، بل تحوّل إلى عنصر في شبكة التوازنات الإقليمية والدولية، وأي نقاش حوله يجب أن يتمّ في إطار تفاهمات أوسع.

بالنسبة لهؤلاء، لا يمكن النظر إلى السلاح بمعزل عن الصراع العربي- الإسرائيلي وعن موازين القوى في المنطقة، حيث يشكّل "حزب الله" بالنسبة لمحوره ورقة لا يمكن التفريط بها.

المُعادلة الإقليمية: ورقة تتجاوز لبنان

المُجتمع الدولي ينظر إلى السلاح كعائق أساسي أمام استقرار لبنان. الدول الغربية، وفي مقدّمها الولايات المتّحدة الأميركية وفرنسا، تدعو باستمرار إلى تعزيز الجيش وتسليمه وحده مسؤولية الدفاع، فيما تبدي إيران تمسّكها بدور الحزب وسلاحه كجزء من توازنات المنطقة. روسيا والصين، من جهتهما، تتعاملان مع الملف ببراغماتية أكبر، فهما لا تعارضان وجود السلاح لكنّهما لا تمنحانه شرعية مطلقة. أمّا الأمم المتحدة، فتبقى بياناتها محصورة في الدعوة إلى تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 1701، من دون أن تملك القدرة على فرض تنفيذها.

الوقت الضائع بين الدولة والحزب

بين هذين الخطّين المتوازيين، يضيع النقاش العام في لبنان. فبدل أن يتركّز على الإصلاح والإقتصاد والشفافية، يتحوّل دائمًا إلى جدل حول "من يملك القرار" و"من يحمي السيادة". وفيما يواصل اللبنانيون مُعاناتهم اليومية مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يبقى السلاح عنوانًا دائمًا للانقسام. الحزب يستخدمه كأداة نفوذ، والمعارضون يرفعونه كرمز للعجز عن بناء دولة حديثة. وهكذا، يُعاد فتح الملفّ مع كل استحقاق سياسي من دون أن تُرسم خارطة طريق واضحة للخروج من هذا المأزق.

صناديق الاقتراع ام فوّهات البنادق؟

فهل سيبقى السلاح قدراً محتوماً على اللبنانيين إلى أجل غير مسمّى، أم أنّ لحظة الحقيقة ستأتي عندما يقرّرون أنّ الدولة وحدها، لا غيرها، هي الضمانة الحقيقية للأمن والسيادة؟.


المنشورات ذات الصلة