عاجل:

المودعون... بين فخ المصارف وصمت الدولة: أموال محتجزة وغضب على الحافة! (خاص)

  • ٣٣

خاص ـ "إيست نيوز"

لبنان يعيش منذ 2019 أزمة مصرفية ومالية خانقة جعلت المودعين يفقدون الثقة بعمق في القطاع المصرفي، ويجدون صعوبة في استرجاع ودائعهم، خاصة بالعملات الأجنبية، أو حتى بالليرة اللبنانية التي فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها الشرائية. هذا الواقع دفع الاتحاد والجامعات الحقوقية والجمعيات المطالبة لاستعادة الحقوق إلى المطالبة بحلول عاجلة، وإلى تحركات ميدانية وقضائية وسياسية.

في هذا السياق سلّط الضوء رئيس اتحاد المودعين حنا بيطار على المشكلة وحلوها:

المشكلة: مكامن الخلل الأساسية

وقال حنا بيطار إنه يمكن تلخيص جذور المشكلة على النحو الآتي:

• انهيار الليرة اللبنانية والتضخم الشديد: الدولار صار مطلبًا للمودعين بالدولار، والليرة فقدت الكثير من قيمتها، مما يعني أن استرجاع مبلغ الودائع بالليرة لا يعوّض على الإطلاق خسائرهم الحقيقية.

• عدم قدرة المصارف على الدفع أو التهرب من الالتزامات: بالرغم من أن بعض التصريحات تؤكد أن المصارف "ليست مفلسة"، هناك شكوك حول السيولة والالتزامات الفعلية تجاه المودعين.

• غياب تطبيق للقوانين والنصوص القائمة: القوانين موجودة، مثل نصوص الرقابة والملاحقة، ولكن عدم التنفيذ، أو تنفيذ متأخر، أو عرقلة من المنظومة من الطرف السياسي والمصرفي والعلاقة بينهم.

• التشتّت في المطالب والممثّلين: هناك جمعيات ومودعون يتفاوضون ومنظمات لا مركزية، مما قد يُضعف القدرة على الضغط الموحد ومساءلة الجهات المسؤولة.

• الخوف من التشريعات التي قد تُشرّع فقدان جزء من الحقوق: مثل مشاريع قوانين تناقش في البرلمان وردت أنها تضم موادًا تُتيح “فك ارتباط” المودعين بالمصارف، أو سحب بعض من حقوقهم مقابل تسويات غير عادلة.

الحلول المقترحة

وأشار بيطار إلى أن الحلول التي تبدو الأكثر واقعية:

1. تنفيذ ما هو موجود من قانون

استخدام النصوص القائمة، مثل القوانين المتعلقة بهيئة التحقيق، الرقابة على المصارف، السلطات القضائية، دون انتظار تشريعات جديدة فقط. التأكيد على استقلال القضاء وجعل المحاكم والقضاة يتصرفون دون تدخل سياسي وبشكل شفاف.

2. خطط مرحلية واضحة لاسترجاع الأموال

يمكن أن تبدأ بخطوة إسعافية، مثلاً توزيع جزء من الودائع، أو تحديد جدول زمني للاسترجاع، مع تعويضات للمودعين المتضررين من تدهور قيمة الليرة.

3. مؤسسات رسمية متخصصة

مثلما اقترح بيطار استحداث وزارة شؤون المودعين، أو جهة مركزية مستقلة تشرف على تنفيذ الحلول وتتابع تنفيذ العقوبات عند الضرورة.

4. مشاركة المودعين في صياغة الحلول

لأنهم الفئة المتضررة بشكل مباشر، يجب أن تُستمع أصواتهم وأن يكون لديهم ممثلون موحّدون قادرون على التفاوض السياسي، وتنظيم الضغط الشعبي والميداني.

5. شفافية ومساءلة

مراجعة الحسابات، الكشف عن بيانات المصارف، عن الموجودات، عن التزامات مصرف لبنان، عن السيولة، والكشف عن أي تحويلات غير قانونية أو إهمال إداري، والتأكد من أن المستندات القضائية تُنفّذ.

6. الضمان القانوني لعدم إعادة سيناريو شبيه

تشريع يضمن عدم إمكانية شطب الأموال، أو تسويات تجري دون موافقة المودعين، وضمان الحقوق أمام القضاء أو هيئة مستقلة يكون لديها القدرة على فرض العقوبات.

7. "المعضلة لا تحتاج لقوانين جديدة وسنُنفّذ مُخطّطنا بشكل مدروس".

8. أعلن أن لجوء المودعين إلى استخدام القوة مبرر بالمادة 184 من قانون العقوبات، مطالباً القضاة الشجعان بتطبيق القانون ووجود خطة واضحة لاسترداد الأموال.

ووجّه كتاباً مفتوحاً إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، حيث قال إن الحل العادل يبدأ باستحداث "وزارة شؤون المودعين" لمتابعة طرح الحل وتنفيذه. كما أكّد على أن الودائع يجب أن تعود إلى أصحابها "بعملة الإيداع ومع التعويض عن خسائر الليرة".

الصحافي الاقتصادي عماد شدياق عن المودعين والأزمة المصرفية

بدأت الأزمة فعلياً بين عامي 2016 و2017، حين بدأ مصرف لبنان بتنفيذ ما سُمّي بـ “الهندسات المالية". في الواقع، هذا المؤشر كان يُظهر نوعاً من طلب الاستدانة من المصارف لصالح مصرف لبنان، مقابل فوائد مرتفعة. بمعنى آخر، كان يُطلب من المصارف أن تجلب دولارات من السوق، أي من المودعين خارج لبنان، وتسلّمها للمصرف المركزي مقابل فوائد عالية.

كان مصرف لبنان يأخذ هذه الأموال، ويعطي المصارف فوائد بنسبة 12 أو 13 أو 15 بالمئة. بعض الجهات كانت تقول إن هذه الفوائد تُدفع لأن الدولة كانت مديونة، وكان من المفترض أن تُسدّد ديونها بحسب ما تقرر منذ عقود في الدين الدولي. أي إن القصة لم تبدأ فجأة، بل كان هناك قرار سابق بتحميل الدولة الديون.

في عام 2015، عندما خرج رئيس جمعية المصارف آنذاك وأعلن أن الدولة في وضع لا يمكنها فيه الاستمرار، كان ذلك مؤشراً على انهيار وشيك. أصبح الأمر يشبه حالة من "الخطر" أو حتى السجن المحتّم، حيث باتت الدولة عاجزة عن السداد، والمصارف كانت في وضع حرج جداً.

حادثة 2015 كانت دليلاً واضحاً على أن النظام المالي في لبنان يواجه خطراً كبيراً. بعدها، بدأت تظهر مؤشرات أن صندوق النقد الدولي لن يفتح الباب للبنان مجدداً إلا بعد بدء إصلاحات جدية تشمل مصرف لبنان والمصارف والمودعين، ليتصرف كل طرف على مسؤوليته.

أما اليوم، فالحل ما زال معلقاً منذ أكثر من ست سنوات، لأن المصارف والدائنين الدوليين ومصرف لبنان يرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم. كل طرف يُلقي باللوم على الآخر، رغم أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة اللبنانية، كونها المسؤولة عن السياسات المالية. ثم تأتي مسؤولية مصرف لبنان، لأنه وافق على استمرار سياسة الاستدانة، رغم معرفته بعدم قدرة الدولة على السداد، ولعدم وجود أي إصلاحات تُذكر.

كان من المفترض أن تبدأ الدولة بإصلاحات حقيقية حتى يمكنها طلب قروض أو دعم من المجتمع الدولي، لكن هذا لم يحدث. وقد فشلت الدولة حتى الآن في تقديم خطة واضحة لاسترداد أموال المودعين، ما يجعل المسؤولية تتوزع بين الدولة، مصرف لبنان، والمصارف اللبنانية.

في ظل كل ذلك، أصبح من المستحيل اليوم إعادة الودائع كما كانت، دفعة واحدة. لا يمكن إعادة الأموال دفعة واحدة أبداً، وإنما قد يتم ذلك بالتقسيط وعلى فترات زمنية طويلة، وبعد إعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد.

فالقطاع المصرفي لا يستطيع اليوم وحده رد الأموال، بل يجب أن يعود الاقتصاد إلى النمو، ويتم استخدام جزء من الودائع لإقراض الناس وتحريك السوق تدريجياً. الديون القديمة تُسدد عبر ديون جديدة، مع دعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكل ذلك يُطرح الآن في الإعلام كحلول محتملة.

لكن حتى هذه الحلول هي مجرد أفكار، وإذا لم تُترجم إلى خطوات عملية لإعادة إحياء الاقتصاد، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه، بل قد يسوء أكثر، لأن الاقتصاد لا يمكن إنعاشه من دون خطة واضحة وتطبيق فعلي.

في الخلاصة

المودعون في لبنان يعيشون أزمة مركبة من انهيار اقتصادي، إلى ضعف تنفيذ للقوانين، إلى مطالب اجتماعية وقضائية مُلحّة. ويجب الدفاع عن المال، فالمطلوب وحدّة المطالب، المسارات القضائية والميدانية، والمراقبة من المجتمع المدني والسياسي.

أما الحلول، فهي موجودة: شفافية، مؤسسات متخصِّصة، جدول زمني، تنفيذ قانوني، وضغط شعبي ومدني.

المنشورات ذات الصلة