خاصّ- "إيست نيوز"
لم يكن المشهد الذي ارتسم على صخرة الروشة قبل أيام حدثاً عادياً في سياق التحركات الشعبية أو النشاطات الثقافية. فقد تحوّل النشاط إلى ساحة اختبار صعبة لمدى التزام القوى السياسية والأمنية بالتعميم الصادر عن رئيس الحكومة، وما إذا كانت مؤسسات الدولة قادرة فعلاً على فرض قراراتها أمام الضغوط السياسية والتجاذبات الحزبية.
المشهد، كما فُسِّر في أروقة القرار، لم يكن سوى مرآة لأزمة أعمق: أزمة دولة تصدر تعاميم، لكن تنفيذها يبقى رهينة التوازنات والتسويات.
اجتماع السراي: عرض لوقائع والمسؤوليات
بحسب مصادر مُطّلعة، فقد عُرضت في اجتماع موسّع في السراي الحكومي كل الوقائع التي رافقت التجمع، مع تحديد واضح للمسؤوليات والجهات المتورطة. وجرى التشديد على أنّ القوى الأمنية والقضائية مطالبة بتحمّل مسؤوليتها في ملاحقة وتوقيف الأشخاص والمنظمين الذين خالفوا التعميم. ومع ذلك، لم يغب السؤال المركزي عن طاولة النقاش: هل سيتحوّل هذا الملفّ إلى إجراء قضائي حازم، أم أنّ التفاهمات السياسية المعتادة ستُفرغ القرارات من مضمونها؟
تسوية نواب حزب الله والفيتو الحكومي
المعلومات التي سُرّبت للإعلام أشارت إلى أن نائبي حزب الله، أمين شري وإبراهيم الموسوي، تقدّما خلال لقائهما وزير الداخلية باقتراح يقضي بإقامة التجمع مُقابل الصخرة من دون إدراج فقرة الإضاءة. غير أنّ الوزير احمد الحجار كان واضحاً في موقفه، فأبلغ النائبين أنّ أي تعديل أو إعادة صياغة للموافقة تحتاج بالضرورة إلى موافقة رئيس الحكومة نواف سلام، خصوصاً بعدما أصدر تعميماً صريحاً يمنع إضاءة الصخرة أو استخدام صور ضوئية عليها من البر أو البحر أو الجو. هذا الموقف شكّل فيتو حكومياً على أي محاولة للتسوية خارج إطار رئاسة الحكومة.
الجمعية المُنظّمة تحت مجهر التحقيق
أما الجمعية التي استحصلت على إذن رسمي لإقامة النشاط، وهي الجمعية اللبنانية للفنون أو "رسالات"، فقد باتت في قلب العاصفة. فالمعلومات المتداولة تشير إلى أن التحقيقات ستطالها على خلفية تحويل النشاط إلى ما لم يكن متفقاً عليه في طلب العلم والخبر. هذا المسار يفتح الباب أمام مساءلة أوسع حول كيفية منح التراخيص للجمعيات، ومدى التزامها بالقوانين المرعية الإجراء، وأيضاً حول ما إذا كانت الدولة تملك آليات ردع حقيقية عند حصول تجاوزات مُماثلة.
حزب الله ينفي أي التزام والصفا يمنح الغطاء
من جهتها، نفت مصادر مُقرّبة من حزب الله أن يكون الحزب قد تعهّد بإضاءة الصخرة أو عدمها، مؤكدة أنّ دوره اقتصر على استكمال الإجراءات الإدارية للتجمع. لكن في المقابل، كشفت مصادر دبلوماسية أن حضور وفيق صفا أعطى غطاءً سياسياً وعملياً للنشاط، خصوصاً بعدما تخلّله خطاب خرج عن الإطار السياسي التقليدي إلى مُستوى شخصي ونابي بحق رئيس الحكومة. هذا الأمر زاد من تعقيد المشهد، إذ بدا أنّ الحزب يوازن بين الالتزام بالإجراءات الرسمية من جهة، ومنح الغطاء السياسي للمنظمين من جهة ثانية.
شائعات ومقاطع مثيرة للجدل
في موازاة ذلك، تداولت أوساط إعلامية معلومة لم يُتحقق من دقّتها بعد، تتحدث عن إصدار مذكرة توقيف بحقّ رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا. وعلى خطٍ موازٍ، انتشر على منصات التواصل الاجتماعي فيديو للمدعو علي برو، وبحضور صفا، يتحدّى فيه رئيس الحكومة نواف سلام بشكل مباشر، كما يتحدّى السلطة والدولة والقانون. هذا المقطع أثار جدلاً واسعاً حول حدود الخطاب السياسي وخطورة تجاوز الأطر الرسمية، خصوصاً في لحظة سياسية دقيقة تتطلّب تهدئة أكثر ممّا تتطلّب استعراضات إعلامية.
الأمن أولاً… والسياسة بعده
في الميدان، أكّدت مصادر عسكرية أنّ مهمة الأجهزة الأمنية واضحة: الحفاظ على استقرار البلد وأمن المتظاهرين وغير المتظاهرين، ومنع أيّ تعديات على الأملاك العامة والخاصة، إضافة إلى الحرص على عدم حصول أي احتكاك بين شارع وآخر. غير أنّ هذه المقاربة الأمنية البحتة لم تمنع التساؤلات حول حدود تدخل الأجهزة، وهل يُمكنها أن تبقى في موقع "المُراقب" حين تُخترق التعاميم الحكومية وتُفرض وقائع جديدة على الأرض.
سوابق تُعيد النقاش إلى الواجهة
ليست هذه المرة الأولى التي تتحوّل فيها صخرة الروشة إلى مساحة خلافية. فقد شهدت المنطقة في السنوات الماضية محاولات مشابهة لإضاءة الصخرة في مُناسبات سياسية أو حزبية، ما أثار دوماً اعتراضات رسمية وشعبية. وتاريخياً، لطالما شكّلت "الروشة" رمزاً وطنياً جامعاً، وهو ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى وضع قيود على أي استغلال سياسي أو طائفي لها. إلا أنّ التكرار المُستمرّ لهذه التجاوزات يوحي بأنّ القرارات الرسمية تفتقر إلى آليات تنفيذية رادعة، وأنّ الدولة تجد نفسها كل مرة في مواجهة اختبار جديد لهيبتها.
معضلة الدولة والشارع
في المُحصّلة، ما جرى على صخرة الروشة يتجاوز كونه نشاطاً ثقافياً أو سياسياً. إنه يعكس معضلة أعمق: دولة تصدر التعميمات، لكنها تصطدم بالواقع السياسي والأمني عند محاولة تطبيقها. فبين مقترحات التسوية، والضغوط الحزبية، والاعتبارات الأمنية، تبدو المؤسّسات الدستورية عاجزة عن فرض قراراتها بشكل حازم.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل تتحوّل التعاميم إلى حبر على ورق، أم أن الدولة قادرة على إثبات هيبتها وفرض القانون على الجميع بلا استثناء؟