لم تقتصر فعالية "إنارة صخرة الروشة" على بعدها الرمزي والمدني، بل تحوّلت سريعًا إلى نقطة اشتباك سياسي عميق، كشفت مجددًا هشاشة التوازن الداخلي وتعقيدات المشهد اللبناني المرتبط عضوياً بالسياق الإقليمي المتوتر، ولا سيما بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى".
وفي قراءة أوساط سياسية مطلعة، فإن ما جرى لم يكن حدثًا معزولًا، بل يُدرج ضمن سياق أوسع لإعادة رسم خطوط النفوذ الإقليمي، وسط ارتفاع مستوى التنسيق بين "حزب الله" والمحور الإيراني في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية، ومنها إعادة تفعيل آلية العقوبات الأممية على طهران.
تلك الأوساط رأت أن "حزب الله" أطلق، منذ يوم الخميس، ما وصفته بـ"هجوم مضاد" تجاوز فيه تعميم رئيس الحكومة نواف سلام وكلمته، عبر فرض واقع ميداني في فعالية الروشة، هدفه توجيه رسالة مزدوجة: داخلية، بتظهير محدودية قدرة الحكومة على فرض قراراتها، وخارجية، مفادها أن مسار نزع سلاح الحزب، الذي أطلقته الحكومة في 5 آب، ما زال بعيدًا عن التحقق.
وأكثر ما أثار الجدل، بحسب المصادر، هو ما اعتبرته "استخدامًا للحرص على تجنّب الفتنة كغطاء سياسي لتقدّم تكتيكي"، تمثل في:
إظهار عجز الدولة عن تطبيق قراراتها، بعد تراجع القوى الأمنية والعسكرية عن منع التجمع قبالة الصخرة، رغم صدور تعليمات رسمية بذلك.
إحداث شرخ بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وهو ما تجلّى في تصدّر وزير الدفاع لموقف بدا أقرب إلى دعم الفعالية منه إلى تنفيذ قرار السلطة التنفيذية.
محاولة فصل المؤسسة العسكرية عن الحكومة، من خلال ما وُصف بـ"رسالة شكر لافتة" من قبل رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، وجهها من أمام الصخرة مباشرة إلى قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ما اعتُبر تجاوزًا سياسيًا واضحًا.
وترى الأوساط نفسها أن هذا المشهد لم يكن ليأخذ هذا المنحى التصعيدي لولا الغطاء الإقليمي الذي وفّرته زيارة علي لاريجاني إلى بيروت، والمواقف الصادرة عن الحرس الثوري، ما يعكس اتجاهًا لضمّ لبنان إلى خريطة المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية المتجددة، سواء في ما يخص الملف النووي أو ترتيبات "اليوم التالي" في غزة وسوريا، والتي يُخشى أن تطال تداعياتها لبنان أيضًا.
في هذا السياق، تعتبر مصادر "الراي" الكويتية أن "ما جرى في الروشة ليس مجرد فعالية بل كمين سياسي مُحكم"، استُخدم فيه البُعد الإنساني لتوجيه ضربة رمزية لرئيس الحكومة، وإرباك مسار نزع السلاح، وتسجيل نقطة لصالح الحزب في مواجهة داخلية يبدو أنها مقبلة على مزيد من التوتر.
ولا يُستبعد، بحسب المعلومات، أن تنعكس هذه التطورات سلبًا على جهود دعم المؤسسة العسكرية، خصوصًا في ظل التحضيرات الجارية لعقد مؤتمرات دولية مخصصة لتعزيز قدراتها وتحصينها.