مع اقتراب أكتوبرمتشرين الأول، تتأهب وول ستريت كعادتها لما يعتبره كثيرون الشهر الأكثر تقلباً في الأسواق المالية، حيث يعود إلى الأذهان مشهد الانهيارات التاريخية الكبرى، من الكساد العظيم في 1929 إلى الاثنين الأسود في 1987، في ما أصبح يُعرف اصطلاحًا بـ**"رهاب أكتوبر" (Octoberphobia)**.
لكن، هل هذا الرعب الموسمي مبرر فعلاً؟ أم أنه نتاج ذاكرة جماعية مضخّمة تبالغ في رد فعلها كلما اقتربت تقويمات المستثمرين من هذا الشهر المشحون نفسيًا؟
الزخم يكسر القاعدة.. وأكتوبر ليس كما نظن
يقول جيفري هيرش، محرر Stock Trader’s Almanac، في تصريحات لشبكة CNBC:
“رغم هشاشة السوق الظاهرة، فإن الزخم القوي الذي حمل الأسواق في سبتمبر قد يستمر إلى أكتوبر، وربما يُسقط الأسطورة المتكررة كل عام عن انهيار وشيك”.
بالفعل، تجاوز مؤشر S&P 500 مستويات قياسية هذا الشهر، محققًا مكاسب فاقت 2% — وهو أداء يتناقض مع متوسط التراجع البالغ 4.2% في نفس الفترة من السنوات الخمس الماضية. ومع أن الأسواق تعرضت لثلاث جلسات متتالية من التراجع مؤخرًا، إلا أن الصورة العامة لا تشير إلى انهيار وشيك.
أكتوبر: شهر المفاجآت لا الكوارث
عند النظر في البيانات التاريخية:
داو جونز سجّل 44 ارتفاعًا شهريًا في أكتوبر مقابل 31 تراجعًا (من 1950 إلى 2024).
ناسداك ارتفع 29 مرة مقابل 25 تراجعًا (من 1971 إلى 2024).
راسل 2000 حقق 26 ارتفاعًا مقابل 20 تراجعًا (من 1979 إلى 2024).
هذه الإحصائيات تكشف أن تشرين الأول/أكتوبر ليس شهرًا مشؤومًا كما يُشاع، بل هو في كثير من الأحيان فرصة للاستفادة من التقلبات بدل الخوف منها. لكن ما يميّزه فعلًا هو حدة التقلّب، لا اتجاهه، إذ تتحرك الأسواق بسرعة بفعل التوترات، ما يجعل أي حدث اقتصادي أو جيوسياسي قادرًا على إطلاق شرارة الذعر أو الازدهار.
العامل النفسي.. المحرك الخفي للأسواق
في عالم المال، الخوف مثل الفائدة المركبة: يتراكم.
والخوف من تشرين الأول/أكتوبر، تحديدًا، لا يرتكز على واقع ثابت بقدر ما يعتمد على ذاكرة الأسواق الجماعية، التي تحتفظ بلقطات الانهيارات الكبرى دون النظر إلى التفاصيل والسياق.
يُعدّ هذا الخوف أحد أبرز العوامل النفسية التي تتحكم بسلوك المستثمرين، وتجعلهم أكثر حساسية لأي تغير طفيف في السياسات أو الأرقام. من هنا، فإن مجرد حلول تشرين الأول/أكتوبر كفيل بجعل الأسواق أكثر عرضة للتأثر بردود الفعل المبالغ فيها.
سحبٌ اقتصادية وسياسية تتلبّد في الأفق
ولا تخلو أجواء أكتوبر هذا العام من الضبابية؛ إذ تأتي التداولات في ظل:
تأثير سياسات الحماية التجارية الأميركية ورسوم ترامب على واردات الأدوية.
القلق من مستويات الأسعار المرتفعة.
تصاعد التوترات الجيوسياسية عالميًا.
الجدل حول استدامة فقاعة الذكاء الاصطناعي التي دعمت موجات الصعود الأخيرة.
الختام: لا تكره أكتوبر.. افهمه
ليس من الحكمة تجاهل دروس التاريخ، لكن الخوف غير المبني على تحليل عقلاني قد يحرم المستثمر من فرص ثمينة.
وفي النهاية، قد لا يكون تشرين الأول/أكتوبر شهر الانهيارات بقدر ما هو شهر التحولات الحادة، التي تُفرز الخائفين من المغامرين، وتُكافئ من يستثمر بتأنٍ لا بهلع.