عاجل:

"من الشاشة إلى المدرسة"... ما الذي "خسره" طلاب لبنان بسبب الذكاء الاصطناعي؟ ( خاص )

  • ١٢٠

خاص "إيست نيوز"

في ظل التسارع التكنولوجي العالمي، دخل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد إلى المؤسسات التعليمية، محدثًا تغييرات جذرية في طرق التدريس والتعلم. رغم فوائده، يؤثر هذا التطور أيضًا نفسيًا واجتماعيًا على الطلاب، خصوصًا في لبنان، ما يستدعي التوقف وطرح الأسئلة حول كيفية موازنة التكنولوجيا مع الحفاظ على الجانب الإنساني في التعليم. من منظور علم النفس التربوي، لا يقتصر التعليم على المعلومات الرقمية أو الشاشات، فالطالب يتعلم بجسده وعاطفته وتفاعله مع الآخرين، وهو ما يمثل تحديًا حقيقيًا في ظل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا.

التكنولوجيا... هل تكفي وحدها؟

 يقدم الذكاء الاصطناعي أدوات فعالة لتخصيص المحتوى وتنظيم المعلومات، ويسهم في تقليل الضغط على الطلاب عبر التعلم الذاتي. لكن الاعتماد المفرط قد يؤدي إلى فقدان التواصل الحسي والتفاعل الاجتماعي، وهما أساس نمو الطفل معرفيًا ونفسيًا. النظريات التربوية توضح ذلك: بياجيه شدد على أهمية التفاعل الحسي، وفيغوتسكي على العلاقات الاجتماعية، وسكينر على التعزيز بشرط ألا يتحول الطالب إلى متلقٍ آلي. أما النظرية البنائية، فتؤمن بأن المعرفة تبنى عبر التجربة المباشرة.

فجوة نفسية قبل أن تكون رقمية

 جائحة كورونا كانت اختبارًا صعبًا للمنظومة التعليمية في لبنان، حيث اضطر آلاف الطلاب للتعلم عن بُعد. لكن الواقع الاقتصادي الهش كشف فجوة رقمية حقيقية: ليس كل طفل يملك جهازًا أو اتصال إنترنت مستقرًا، مما خلق شعورًا بالحرمان والتمييز وأثر على تقدير الذات والدافعية. وعند العودة إلى الصفوف، واجهت المدارس صعوبات في إعادة دمج الطلاب اجتماعيًا، وأكدت أن التواصل الرقمي لا يعوّض العلاقة الإنسانية داخل الصف.

الذكاء الاصطناعي يتطلب جاهزية حقيقية

 قال روبير أبي رعد خبير التحول الرقمي، ومدير خدمة البرامج المعلوماتية السابق في وزارة التربية، في حديث خاص لـ "إيست نيوز": "أصبح الوصول إلى المعلومات متاحًا للجميع، مما يستلزم تطوير مهارات الأساتذة وتدريبهم بشكل دوري، خاصة مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسهل وصول المعلومات وتنظيمها". وشدد على "ضرورة تنظيم دورات تدريبية للأساتذة حول كيفية التعامل الذكي مع هذه التقنيات لضمان استخدامها الأمثل مع الطلاب".

وأضاف: "العملية التعليمية في لبنان تواجه تحديات كبيرة، منها الوضع الاقتصادي والعجز المالي، إضافة إلى نقص التشريعات المتعلقة بالتحول الرقمي، مثل غياب الرقم الوطني الموحد أو التوقيع الإلكتروني، فضلاً عن وجود جهل وخوف لدى المعنيين، خاصة من لا يمتلكون خلفية تقنية، مما يعيق التقدم".

وأكد أن "جهود الحوكمة الرقمية يجب أن تنطلق من رئاسة الحكومة لتنسيق العمل بين الوزارات وتفعيل تبادل البيانات بشكل متكامل، مع إشراك الجهات المعنية من لجان وزارية ومجالس نيابية لوضع التشريعات المناسبة وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي وترشيد تطبيقاته".

وختم قائلاً: "النجاح يتطلب قرارًا سياسيًا واضحًا ودعمًا شاملاً، ويمكن للبنان أن يحقق ذلك إذا توفرت الإرادة مع وضع السياسة جانبًا".

التوازن مطلوب

 تقول راشيل مهنا، أخصائية نفسية تربوية، في حديث لـ"إيست نيوز": "تأثير الذكاء الاصطناعي على الطلاب ليس موحدًا، بل يعتمد على طريقة استخدامه. قد يساعد البعض في تسهيل التعلم وتنظيم المعلومات، كما تشير نظرية معالجة المعلومات، لكنه لا يغني عن التجربة الواقعية التي شدد عليها بياجيه. فالطفل بحاجة إلى أن يلمس، يجرّب، ويتفاعل ليطوّر مهاراته".

وتلفت مهنا إلى أن "الواقع الاقتصادي في لبنان يزيد الفجوة الرقمية، إذ لا يمتلك جميع الطلاب أجهزة أو إنترنت، مما يخلق شعورًا بالحرمان ويؤثر نفسيًا".

وتتابع: "رأيت طلابًا اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي وشعروا بالراحة في البداية، لكن لاحقًا واجهوا صعوبة في العمل الجماعي وحل المشكلات. لذا، أراه أداة مساعدة لا بديلاً عن التفاعل والخبرة الحسية".

التحدي كبير والتكيّف ضرورة

 تؤكد مهنا أن التحدي اليوم ليس في وجود التكنولوجيا، بل في كيفية استخدامها: "المفتاح هو التوازن. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم التعلم، لكن لا يجب أن يُغني عن التجربة الواقعية والتفاعل الحي".

وتنصح مهنا بعدة خطوات لمساعدة الطلاب على التكيّف مع بيئة تعليمية هجينة:

تنظيم الوقت وتحديد أوقات للراحة والتواصل الاجتماعي.

تقديم دعم عاطفي مستمر والاستماع لمشاعر الطلاب.

دمج أنشطة عملية وتفاعلية إلى جانب التعليم الرقمي.

تشجيع التفاعل الجماعي داخل الصف أو عبر الأنشطة المشتركة.

استخدام التحفيز الإيجابي لبناء الدافعية.

الموازنة بين التعلم الحضوري والرقمي لتقليل الضغط النفسي وتعزيز النمو الاجتماعي.

الذكاء الاصطناعي: أداة لا بديل

 الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين جودة التعليم إذا استُخدم بذكاء. يمكنه دعم المعلّم وتنظيم المحتوى وتحفيز الطلاب، لكنه لا يجب أن يحل مكان التفاعل الإنساني أو يحوّل التعلم إلى تجربة فردية جافة.

فالمدرسة ليست مكانًا لتلقّي المعرفة فقط، بل بيئة للنمو النفسي والاجتماعي. وكلما فهمنا هذا التوازن، كلما استطعنا بناء تعليم يناسب واقعنا ويحافظ على إنسانية طلابنا في وجه التقنية.


المنشورات ذات الصلة