شهدت العاصمة الروسية موسكو أعمال مؤتمر دولي بعنوان "الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى عام 2026"، بحضور شخصيات سياسية وفكرية من دول عربية وأجنبية، ناقشوا مستقبل المنطقة وسط التحولات الجيوسياسية المتسارعة.
وكانت كلمة السياسي العراقي البارز عزّت الشابندر من أبرز محطات المؤتمر، حيث قدّم رؤية صريحة لإعادة بناء توازنات المنطقة بعيدًا عن سياسة المحاور، داعيًا إلى "تأسيس حوار إقليمي جامع ينطلق من المصالح المشتركة لا من خطوط الصراع الموروثة".
وفيما يلي كلمة السياسي العراقي البارز عزّت الشابندر
صاحب الدعوة
انه لمن دواعي سروري ان أكون مشاركا في مثل هذا اللقاء في حضور مجموعة من رجال الفكر والسياسة والاقتصاد والديبلوماسية المجتمعين بدعوة كريمة في هذا المركز الذي يحتل موقعا متقدما بين مجموعة المراكز الفكرية الروسية.
أيها المؤتمرون
قصدتكم من العراق من بلاد ما بين النهرين بلد الحضارات القديمة، لنقرأ التطورات العراقية، في العقود الأخيرة التي تلت استقلال العراق والتي تحتسب بأقل من قرن كامل بقليل.
أيها السادة
نحن اليوم على مسافة سبعة أعوام من الذكرى المئوية الأولى للاستقلال وعلى مسافة أربعة أيام من ذكراه الثانية والتسعين له، وقد تم ذلك في 3 تشرين الأول / أكتوبر عام 1932 بعد انتهاء الانتداب البريطاني لأكثر من عقدين من الزمن.
ومنذ ذلك اليوم بالذات عاش العراقيون محطات سياسية ودستورية مفصلية بنى فيها سلسلة من العلاقات وأهمها تلك العلاقات التي بنيت مع الاتحاد السوفياتي.
أيها المؤتمرون
عاش العراق تحولات كبرى انتقل فيها من النظام الملكي إلى الرئاسي الجمهوري، في 14 تموز 1958 بقيادة مجموعة "الضباط الاحرار" ضد حكم الملك فيصل الثاني وأعلن عن قيام الجمهورية العراقية التي وصل معظم حكامها على مدى 45 عاما عن طريق الانقلابات العسكرية.
منذ ذلك التاريخ وفي مقابل الاستقرار الذي أرساه نظام الرئيس صدام حسين وهو كان آخر لائحة الانقلابيين حتى اندلعت أطول واقسى الحروب فكانت الحرب العراقية – الإيرانية التي امتدت من العام 1980 وحتى العام 1988.
وان توقفنا امام مجموعة الاستحقاقات ، لا ننسى المغامرات الكبرى التي عاشها العراق في اجتياح الكويت 2 آب / أغسطس 1990 الذي استجر "عاصفة الصحراء"، وبعدها بسنوات كانت حرب الخليج الثانية التي انتهت في 9 نيسان 2003 بالقضاء على النظام العراقي وبدء البحث عن الرئيس المختفي إلى أن تم توقيفه ومحاكمته وإعدامه في أول أيام عيد الأضحى في 30 كانون الأول / ديسمبر 2006.
والى هذه المناسبة لا يسعني ان اتجاهل القرار الخطير غير المسبوق الذي اتخذه الحاكم الأميركي للعراق الجنرال بول برايمر الذي حل الجيش العراقي ووضع مليون ضابط وجندي في عزلة عن لقمة عيشهم فبرزت ظاهرة الانتحاريين الذين فقدوا أبواب رزقهم بدلا من إخضاع الجيش لبرامج إعادة التأهيل وفق القواعد العسكرية الجديدة للنظام العراقي الجديد. وهو ما أنعكس لاحقا ببروز "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" المعروفة بـ "داعش" التي اجتاحت الموصل أولا في حزيران 2014 وانتشرت لاحقا في سوريا في منتصف حزيران من ذلك العام وهو ما قاد الى معارك قاسية عامي 2015 و2016-2017، استعادت القوات المسلحة العراقية، بمساعدة قوات البيشمركة وقوات قوة المهام المشتركة – "عملية العزم الصلب" 2017.
مما لا شك فيه ان الوضع في العراق تغير بعد سقوط نظام صدام حسين تلك المحطة، وتعرف العراقيون الى نظام الانتخابات واللوائح الانتخابية الا ان ذيولها بقيت نتيجة ما فرضته الإدارة الأميركية من قواعد الديمقراطية التي يمكن القول بصراحة انها افرغت من محتواها بعد أن فقدت غالبية الطبقة السياسية الحاكمة او المتصدية ثقة الشارع بها، واختصرت الديمقراطية بعملية انتخابية تدار بين الطبقة السياسية وأحزابهم الذين لا يشكلون أكثر من 15 % من الشارع العراقي .
ومنذ ان تسلم رئيس الحكومة العراقية الحالي مهامه السيد محمد شياع السوداني اعتقد اننا نعيش بوادر زمن جديد فهو آثر الابتعاد عن الانغماس في الصراع السياسي الداخلي. وقد نجح في استعادة بعض من الثقة المفقودة بين الطبقة السياسية والشارع العراقي، الأمر الذي سيكون سببا في ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وأستطيع القول بصراحة ان العراق استطاع بقدرة الرئيس السوداني ومعاونيه أن يبعد وينأى بنفسه وبالعراق عما يجري من صراع مرير في المنطقة، ولكن هذا لا يعني انه سينجو تماما من تداعيات ما هو منتظر في ظل التحولات الكبرى في سوريا ولبنان وغزة في إطار العدوان الاسرائيلي المستجد والمجازر التي يرتكبها يوميا في غزة ولبنان وما انتهت اليه الحرب في سوريا وتدمير الجيش السوري واحتلال أراض جديدة والسعي الى نفخ روح الفتنة بين مكوناتها الدينية والعرقية وفي ظني أن العراق هو المطلوب رقم واحد للعدوان الصهيوني من بعد فلسطين وغزة وسوريا ولبنان.
وان كان ذلك قائما قبل ان يتوسع العدوان على إيران وقبلها وبعدها على اليمن وصولا الى قطر، فان ذلك لا ينفي عدم وجود آثار مباشرة على العراق جراء التمادي بهذا العدوان الاسرائيلي على منطقتنا.
غير ان العراق كما تعلمون يستعد لولوج مرحلة جديدة ليتحمل العراقيون فيها بقواهم الذاتية أمن بلادهم، ولذلك نستعد لاستكمال تنفيذ الاتفاقيات المعقودة مع الاميركيين لإنهاء مهامهم، وها هي طلائع انسحاب هذه القوات من مواقع محددة بدأت من دون أن تنعكس على امن العراق، فداعش اليوم محاصرة ولن تتوفر لها البيئة الشعبية الحاضنة كما توفرت لها في الماضي. وهو امر لم يأتي من فراغ. فالتقدم في بناء الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى قطعت أشواطا كبيرة لمواجهة أي عمل يؤدي الى زعزعة امن العراق.
وختاما، أخشى ما أخشاه أننا نواجه استحقاقات صعبة وسلبية للغاية. ومرد ذلك الى شكوك تراودني بفقدان العراق للخطط المستقبلية لمواجهة ما هو منتظر من مفاجآت مهما كانت مؤجلة فإنها آتية لا محالة في ظل فقدان المؤشرات التي تسمح باستيعابها وتخفيف آثارها قدر الإمكان.

_20250930070629.jpeg)
_20250930070630.jpeg)
_20250930070630.jpeg)
_20250930070631.jpeg)
_20250930070632.jpeg)
