عاجل:

حُريّة التعبير ليست امتيازاً مُطلقاً: متى تتحوّل الكلمة إلى جرم يطال المقدسات في لبنان؟ (خاص)

  • ١٣٩

خاصّ – "إيست نيوز"

لا يختلف اثنان على أنّ حرية التعبير تُشكّل إحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، غير أنّ هذه الحرية تبقى مقيّدة بإطار قانوني يحفظ السلم الأهلي ويصون القيم الدينية والرموز المُقدّسة.

وفي لبنان، حيث تتعايش طوائف متعددة، يصبح التوازن بين الحرية الفردية واحترام المقدسات مسألة شديدة الحساسية تمسّ حياة كل مواطن.

حُريّة مقيّدة في دائرة القانون

ينصّ الدستور اللبناني على أنّ حرية الرأي والتعبير مصونة، لكنّها ليست حُريّة مطلقة. إذ يضيف المشرّع قيداً أساسياً يتمثل في وجوب احترام القانون. هذا التوازن يعكس إدراكاً عَميقاً بأنّ الكلمة قادرة على البناء كما هي قادرة على إثارة الفتن وتفكيك المُجتمع.

ما يقوله قانون العقوبات

قانون العقوبات اللبناني يتضمّن عدداً من المواد التي تجرّم الإساءة إلى الشعور الديني أو ازدراء الشعائر والمُعتقدات. المادة 473 مثلاً، تعاقب بالحبس كل من جدّف على اسم الله علانية، فيما تنصّ المادّة 474 على عقوبات بحق من يحقّر الشعائر الدينية. هذه النصوص تؤكد أنّ المشرّع لا يكتفي بحماية حرية المعتقد، بل يذهب أبعد ليمنع أي فعل أو قول قد يمسّ بكرامة الطوائف ومشاعرها.

من سلمان رشدي إلى بشارة الأسمر

القضية ليست نظرية فقط. ففي العالم، شكّلت رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” نموذجاً لتصادم عنيف بين حرية التعبير والمُقدّسات الدينية، انعكس بفتاوى وتهديدات طالت حياة الكاتب. أما في لبنان، فحادثة تصريح رئيس الإتحاد العمّالي العام السابق بشارة الأسمر عن البطريرك الراحل صفير أثارت موجة غضب عارمة انتهت بتوقيفه ومحاكمته. هذان المثالان يبرزان أنّ الخط الفاصل بين الحرية والإساءة هشّ ودقيق.

القضاء اللبناني بين الردع والتوعية

القضاء اللبناني يجد نفسه باستمرار أمام معضلة دقيقة: كيف يردع من يسيء إلى المعتقدات من دون أن يتحوّل إلى رقيب خانق لحرية الرأي؟ التجارب القضائية السابقة أظهرت أنّ الهدف لم يكن العقاب وحده، بل أيضاً توجيه رسالة توعوية بأنّ السخرية من المقدسات لا تندرج في خانة حُريّة التعبير بل في خانة الجرم الجزائي.

بين حقّ المواطن في التعبير واحترام الرموز الدينية؟

في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أي تعليق أو منشور قابلاً لأن يُعتبر تحقيراً لمعتقد أو إساءة لشعور ديني. هنا تكمن خطورة الاستخدام العشوائي للكلمة، خصوصاً في بيئة كلبنان حيث الهشاشة الطائفية عالية. فالمطلوب من المواطن إدراك أنّ التعبير عن الرأي لا يُلغي واجب احترام الآخر وعقيدته.

تزايد حوادث الإساءة للمقدسات في لبنان

في السنوات الأخيرة، شهد لبنان تكراراً ملحوظاً لحوادث التعرض للمقدسات والرموز الدينية، خُصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي أو في تصريحات عامة غير مسؤولة. هذه الممارسات لم تعد مجرد حوادث معزولة، بل أصبحت ظاهرة تؤثر على شعور الطوائف المختلفة، ما يعكس هشاشة خطاب الاحترام المُتبادل في المُجتمع ويزيد الحاجة إلى التوازن بين حُريّة التعبير وحماية المشاعر الدينية.

طعمه لـ "إيست نيوز"

يقول المحامي الياس سليم طعمه: "حُريّة التعبير في لبنان مكفولة دستورياً، لكنّها ليست مطلقة. فالقانون يرسم حدوداً واضحة حين تتحوّل الكلمة إلى إساءة مباشرة للشعور الديني أو استفزاز للرموز المُقدّسة. المطلوب من كل مواطن أن يُدرك أنّ الحرية تقف عند حرية الآخر، وأنّ التهكّم على المعتقدات لا يدخل في باب الرأي بل في باب الجرم، وهو ما قد يعرّض صاحبه للمُلاحقة الجزائية."

ويُضيف طعمه: "المحاكم اللبنانية سبق أن تعاملت مع قضايا مماثلة، وفي معظم الأحيان كان الحكم يتراوح بين الغرامة المالية والحبس البسيط، لكن الرسالة الأهم تبقى أنّ القانون حاضر للردع وأنّ احترام الرموز الدينية هو جزء من حماية الاستقرار العام. على المواطن أن يعرف أنّ الكلمة المكتوبة على وسائل التواصل الاجتماعي تُعامل قضائياً كما لو قيلت علناً أمام الناس، وبالتالي لا يمكن التذرّع بكونها مُجرّد رأي شخصي."

مسؤولية الكلمة في لبنان: بين حُريّة التعبير وحدود حماية المجتمع

حُريّة التعبير ليست امتيازاً مُطلقاً، بل مسؤولية مُضاعفة في بلد كلبنان. فالكلمة قد تكون جسراً نحو التلاقي، أو شرارة فتنة لا تُطفأ بسهولة. وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل نملك الوعي الكافي لاستخدام حريتنا بما يخدم المُجتمع، أم أننا ما زلنا نتعاطى مع الكلمة كأداة طائشة قد تُصيب في العمق ما لا يمكن إصلاحه؟

المنشورات ذات الصلة