خاص _ "إيست نيوز"
يأتي السادس من تشرين الأول هذا العام بلا احتفالات رسمية في سوريا، بعدما ارتبط لعقود يـ "ذكرى حرب تشرين"، التي كانت إحدى أبرز المناسبات التي يحييها النظام السوري السابق. في المقابل، يشهد الخامس من تشرين حدثًا سياسيًا مفصليًا، مع استعداد البلاد لتنظيم أول انتخابات لمجلس الشعب منذ سقوط النظام، وسط انقسام حول مدى نزاهة العملية وشرعية تمثيلها لتطلعات السوريين.
العملية الانتخابية
أكد مصدر رسمي في اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا لموقع "إيست نيوز"، اكتمال الاستعدادات اللوجستية والتنظيمية لإجراء الانتخابات التشريعية، وبأنها ستجري وفق تعليمات تنفيذية واضحة تضمن الشفافية، والمشاركة الواسعة، والرقابة المحلية والدولية.
وأوضح المصدر أن عملية الاقتراع ستبدأ عند الساعة التاسعة صباحاً في كافة المراكز المعتمدة، حيث يطلب من الناخبين إبراز أوراقهم الثبوتية للحصول على بطاقاتهم الانتخابية، في حين ستجرى عملية التصويت بسرية تامة، تليها عملية فرز الأصوات بشكل علني بحضور ممثلي المرشحين ووسائل الإعلام.
وأشار إلى أن جميع مراكز الاقتراع جهزت بكافة الوسائل التقنية اللازمة لضمان سير العملية بسلاسة، كما تم انتداب محامين كمراقبين في كل مركز انتخابي، وذلك ضمن خطة شاملة لتعزيز الشفافية، إلى جانب إجراءات أمنية مشددة لتأمين العملية في مختلف المناطق.
استبعاد رموز النظام السابق
وفيما يخص شروط الترشح، شدد المصدر على أن اللجنة اتخذت قراراً واضحاً باستبعاد أي شخص يثبت دعمه للنظام السابق خلال فترة الثورة، سواء بالدعم المالي أو العسكري أو حتى الرمزي، وذلك استناداً إلى مراجعة دقيقة للبيانات والطعون المقدمة، بالتعاون مع لجان الطعون المحلية.
وأكد أن اللجنة لم تعتمد فقط على المنشورات القديمة أو التعبير عن الرأي في مراحل مبكرة من الثورة كأدلة كافية للاستبعاد، بل تم الأخذ بعين الاعتبار الظروف والملابسات المحيطة بكل حالة، مع الحفاظ على حقوق الطعن وتقديم الوثائق من قبل المتضررين أو الجهات المعنية.
وبحسب المصدر، فإن الانتخابات تجرى بموجب المرسوم الرئاسي رقم 66 الصادر في 13 حزيران 2025، الذي نص على تشكيل اللجنة العليا استناداً إلى المادة 24 من الإعلان الدستوري، والذي يمنح مجلس الشعب ولاية مؤقتة مدتها 30 شهراً قابلة للتجديد، إلى حين إقرار دستور دائم.
وأوضح أن المجلس سيضم 210 أعضاء، منهم 140 ينتخبون عبر هيئات ناخبة محلية، تم تشكيلها بنسبة 70% من الكفاءات و30% من الوجهاء والأعيان، فيما يستكمل العدد من خلال انتخابات تجري داخل كل دائرة انتخابية بشكل مباشر وسري، مع مراقبة دقيقة من اللجان الفرعية ونقابة المحامين.
ويبلغ عدد الدوائر 52 دائرة إنتخابية من أصل 60 دائرة، وذلك بعد تعليق الانتخاب في 8 دوائر في كل دائرة عين عرب في حلب، وثلاث دوائر في الحسكة ودائرة في الرقة بسبب عدم وجود تفاهمات مع "قسد"، وثلاث دوائر في السويداء نتيجة الاحداث الأخيرة والتوتر الأمني في الجنوب.
وأضاف المصدر أن النظام الانتخابي الحالي، القائم على الانتخاب غير المباشر، جاء استجابة للواقع الديمغرافي واللوجستي في البلاد، خاصة مع وجود أكثر من 8 ملايين لاجئ ونازح، وغياب قاعدة بيانات انتخابية شاملة، ومشاكل في الوثائق الرسمية والسجل المدني، ما يجعل هذا النموذج الأفضل للمرحلة الانتقالية.
وفي ما يتعلق بالجدول الزمني، أشار المصدر إلى أن يوم السبت 4 تشرين الأول سيكون يوم الصمت الانتخابي، حيث تنتهي الحملات مساء أمس الجمعة 3 تشرين الاول، على أن تبدأ عملية الاقتراع صباح الغد الأحد، وتعلن النتائج الأولية مساء اليوم نفسه، بينما يُنتظر إعلان النتائج الرسمية خلال الأسبوع التالي.
وختم المصدر بالتأكيد على أن هذه الانتخابات تمثل استحقاقاً محورياً في بناء مؤسسات الحكم الجديدة، داعياً المواطنين إلى المشاركة الفاعلة، باعتبار أن المجلس المقبل سيكون مسؤولاً عن قيادة الإصلاحات التشريعية، وإنهاء مرحلة الفراغ التشريعي، وتمثيل تطلعات السوريين في الداخل والخارج.
اعتراضات على العملية الانتخابية
بالمقابل، انتقد ياسر عودة، المنسحب من عضوية الهيئة الناخبة في حلب، سير العملية الانتخابية، حيث وصف تشكيل الهيئات الناخبة أنه جرى في عدد من المحافظات "بطريقة إقصائية ".
وأوضح عودة، في تصريح لـ "إيست نيوز"، أن الانسحابات التي تمت في عدد من المحافظات جاءت نتيجة ما اعتبره "تهميشًا متعمدًا لأبناء الثورة"، في ظل غياب آليات موضوعية لاختيار الأعضاء.
وقال أن "لجان الطعون القضائية ارتكبت مخالفات جوهرية"، مؤكدًا أن بعض قرارات الاستبعاد استندت فقط إلى شهادات شخصية دون أدلة موثقة، ودون إعطاء المستهدفين فرصة الدفاع عن أنفسهم وفق الأصول القانونية، ما يشكل "خرقًا فاضحًا لمبدأ المساواة أمام القانون وانتهاكًا لحق الترشح والمشاركة السياسية".
وأضاف أن بعض تلك الشهادات جاءت من أشخاص تجمعهم خصومات أو مصالح مع المستبعدين، وهو ما فتح الباب أمام "إقصاء تعسفي" لعدد من الشخصيات ذات الحضور المجتمعي والتاريخ النضالي المعروف، مؤكدًا أن هذه السياسة تنذر بتكرار النهج القديم نفسه، الذي يُقصي الكفاءات لصالح الولاءات.
من جهته، وصف المحامي مروان الدبس، في تصريح لـ "إيست نيوز"، إلى أن اختيار أعضاء الهيئات الناخبة لم يبنَ على الكفاءة أو العمل العام، بل تأثر بعلاقات محلية ضيقة، وهو ما أدى إلى استبعاد شخصيات وطنية مستقلة لصالح أفراد تم ترشيحهم بناءً على اعتبارات عائلية وشخصية.
وأشار الدبس أن "ما جرى يقوّض مسار المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن تؤسس لدولة قانون ومؤسسات".
وحول اختيار الرئيس الشرع 70 عضوا في المجلس، قال "تبرير القرار قد يكون صحيحا لمحاولة تمثيل جميع الفئات، ولكن هذا المسار قد يحوّل هؤلاء الاعضاء إلى ما يشبه الثلث المعطل، من حيث الضغط على اقرار أو استبعاد قوانين في مجلس الشعب يكون (الرئيس) الشرع لديه التأثير غير المباشر على إصدارها".
وانتقد الدبس غياب الشخصيات السياسية في الخارج عن المشهد، "كان عليها أن تكون حاضرة على الأرض، مثل الحقوقي هيثم مناع والشيخ معاذ الخطيب وغيرهم.. وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو كانت هذه الانتخابات لا تمثل الحالة المثالية، ولكن وجودهم كان سيشكل ضغطا ضروريا وغيابهم أضر بالحدث".