عاجل:

"الذهب الأخضر" في أرض الإهمال: "القنّب الهندي" على جدول اعمال اول لقاء رسمي وبلدي في بعلبك ينقل التجربة القانونية على ارض الواقع (خاص)

  • ١٧٥

خاص - "إيست نيوز"

في سهول البقاع اللبناني، تنمو نبتة القنّب الهندي كأنها جزء من هوية الأرض وقد عادت اليها بعد طول انتظار لمجموعة من الخطط لتعزيز "الزراعات البديلة" في البقاع ومناطق أخرى حيث انتشرت زراعة الممنوعات.

لم تعد بالنسبة إلى آلاف الفلاحين مجرّد محصول زراعي، بل "زراعة البقاء" التي وفّرت لهم مورد رزقٍ في ظلّ عقود من الحرمان وغياب السياسات الزراعية البديلة. ورغم ارتباطها باللاشرعية والمُلاحقات الأمنية، ظلّت هذه النبتة تُعرف في الخيال الشعبي بأنها "ذهب الفقراء".

عام 2020، وتحت ضغط الانهيار المالي من جهة، والانفتاح العالمي على الاستخدامات الطبية والصناعية للقنّب من جهة أخرى، وبدفع قوي من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان قد واكب الخطط الموضوعة لتعزيز التوجه الى "الزراعات البديلة" بعد سنوات من المحاولات الفاشلة أقرّ مجلس النواب القانون رقم 178 الذي شرّع زراعته ضمن ضوابط مُحدّدة.

وهي خُطوة وُصفت حينها بأنها "إصلاح نوعي" يفتح باباً أمام الاقتصاد اللبناني للانخراط في سوق عالمي بمليارات الدولارات. وقد جاءت بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، بقي القانون خلالها مُعلّقاً بلا مراسيم تطبيقية، فيما يترقّب المزارعون مَصيراً غامضاً بين المنع والتجاهل، لتتحول "الفرصة الذهبية" إلى عنوان إضافي في سجل الفرص الضائعة.

اول لقاء رسمي وشعبي

ولئلا تضيع الفرصة مرة أخرى علمت "إيست نيوز" ان أولى الخطوات العملية لترجمة ما قال به القانون وتطبيق مراسيمه التطبيقية بعد تشكيل "الهيئة الناظمة" وترجمة ما اريد منه من اهداف اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، ستشهد بعلبك اول لقاء من نوعه وجه وزير الزراعة نزار هاني الدعوة اليه بالتنسيق مع الرئيس بري في 24 تشرين الأول الجاري في حضور رؤساء اتحادات البلديات والبلديات وأعضاء الهيئة الناظمة وكبار مسؤولي المحافظة. من اجل شرح القانون وآلية العمل الواجب اعتمادها لتعميم التجربة وتحويلها امرا واقعا على الأرض إيذانا بإطلاق ورشة عمل كبرى فد تغير من واقع أهالي المنطقة على اكثر من مستوى اجتماعي وانساني ومادي.

بين إنجاز البرلمان والحكومة

على هذه الخلفيات التقت "إيست نيوز" رئيس الهيئة الناظمة لزراعة القنّب، السيد داني فاضل لتسأله عما تحقق حتى اليوم على المستويات النيابية والحكومية والخطوات المزمع القيام بها فقال: "أن مجلس النواب أقرّ القانون رقم 178/2020 الذي شرّع زراعة القنّب للاستخدام الطبيّ والصناعي شكل خطوة تشريعية أساسية. أما الحكومة الحالية، فهي السلطة التنفيذية الوحيدة منذ ذلك التاريخ التي عيّنت الهيئة الناظمة، لتصبح المرجع الرسمي المكلّف بتنفيذ القانون، وإصدار المراسيم التطبيقية ووضع النظام الداخلي، والإشراف على وضع الخطط وتنظيم القطاع".

وبهذا المعنى قال فاضل: "تتكامل أدوار المؤسّستين: البرلمان شرّع، والحكومة عيّنت الجهة التنفيذية، ليبقى التحدي الأكبر في سرعة الترجمة العملية".

من الورق إلى الأرض

يفصّل فاضل خطة عمل الهيئة الناظمة، مشيرًا إلى مراحل مترابطة تبدأ بـ:

- إعداد النظام الداخلي للهيئة وفقاً للقانون.

- إعداد المراسيم التطبيقية التي تنظّم آلية الترخيص، المراقبة وضمان الجودة.

- إطلاق منصة رقمية مخصّصة للتراخيص تشمل المزارعين والشركات والمختبرات والقطاعات الدوائية والغذائية والتجميلية والصناعية.

- بناء شراكات مع القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والدوليين.

- اعتماد أنظمة تتبّع (Traceability) من الحقل حتى المنتج النهائي لضمان الشفافية والجودة والتصدير.

ويُضيف فاضل: "الشفافية الدولية ليست خياراً، بل شرط أساسي لكي يتمكّن المزارع اللبناني من تصدير إنتاجه إلى الخارج".

خطوات تنفيذية عاجلة

لكن الخطة لا تبقى في الإطار النظري. فاضل يؤكد أن الهيئة بدأت الإعداد لخطوات تنفيذية مباشرة، منها:

1. وضع دفاتر الشروط الفنية للمزارعين والمصانع والتصدير.

2. تحديد المناطق الزراعية المؤهّلة وفق خرائط علمية دقيقة.

3. استصدار رخص استثنائية للموسم الحالي لتفادي خسارة سنة إنتاجية كاملة.

4. تجهيز مُختبرات رقابية لتحليل المواد الفعالة وجودة التربة والمياه.

5. بدء التعاقد مع شركات تصنيع محلية ودولية لتسويق الإنتاج.

6. تحديد النسب الفعّالة للمركبات النباتية بما ينسجم مع المعايير العالمية.

هذه الخطوات، إذا ما نُفّذت، قد تُحوّل الزراعة من قطاع رمادي إلى منظومة منظّمة قابلة للاستدامة.

القانون بين السطور

يوضح فاضل أن القانون 178/2020 واضح في نصّه:

لا يمكن تفعيل زراعة القنّب الطبي والصناعي إلا عبر الهيئة الناظمة بعد إقرار المراسيم التطبيقية والنظام الداخلي.

الهيئة هي المرجع الوحيد المخوّل بالإشراف على الزراعة والإنتاج والتسويق.

الحكومة مدعوة لإصدار قرار استثنائي يجيز للهيئة التحرّك فوراً، "لتفادي خسارة موسم كامل، خاصة في الحقول المكشوفة".

من السوق السوداء إلى الاقتصاد الرسمي

لا يرى فاضل القنّب مُجرّد زراعة بديلة، بل "زراعة تاريخية منقوشة على حجارة قلعة بعلبك"، تحمل بعداً ثقافياً واقتصاديًا في آن. ويشدّد على أن تطوير هذا القطاع:

- يُعيد إنعاش الاقتصاد الزراعي في الأطراف وسائر المناطق اللبنانية.

- يخلق فرص عمل عبر سلاسل القيمة من الزراعة حتى الصناعات.

- يوجّه الإنتاج نحو الصناعات الدوائية والغذائية بدل السوق السوداء.

- يحسّن صورة لبنان دولياً عبر حلول قانونية مُستدامة.

العائدات المتوقعة

أما عن المردود المالي، فيستند فاضل إلى تقديرات القانون والدراسات المقارنة:

- رسوم على التراخيص.

- نسبة مئوية من أرباح الشركات المستثمرة تتراوح عادة بين 10 و17%.

- ضرائب على الصادرات والمُنتجات المُصنّعة.

ويقول: "يمكن للخزينة اللبنانية أن تجني مئات ملايين الدولارات سنوياً عند الوصول إلى مرحلة تصدير مستقرّ ومنظم، إضافة إلى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لعشرات الآلاف من المزارعين والمهندسين والعاملين في المصانع".

اختبار للدولة

بين الوعود والتحديات، يبقى السؤال: هل سينجح لبنان هذه المرّة في تحويل "ذهبه الأخضر" إلى مصدر تنمية عادلة ومُستدامة، أم سيبقى القنّب شاهداً جديدا ًعلى دولة تُهدر فرصها كما أهملت مواردها من قبل؟.

المنشورات ذات الصلة