خاص – "إيست نيوز"
لم يمرّ قرار الحكومة اللبنانية بالسماح لشركة "ستارلينك" بالدخول إلى سوق الاتصالات مرور الكرام. فقد تحوّل الملف إلى محور نقاش واسع داخل لجنة الإعلام والاتصالات النيابية قبل أيام قليلة، حيث التأم ممثلو السلطات التشريعية والتنفيذية والأمنية والتقنية إلى طاولة واحدة، في جلسة وُصفت بأنها من الأهم منذ سنوات، نظرًا لما تحمله الخدمة من وعود وفرص، وما تثيره في الوقت نفسه من مخاطر وتساؤلات.
وزير الاتصالات: الانفتاح مع التحفّظ
وزير الاتصالات شارل الحاج دافع عن فتح النقاش حول ستارلينك باعتباره «ضرورة لمواكبة التطورات العالمية». وأكد أن الخدمة قادرة على «تأمين إنترنت سريع للمناطق النائية والمحرومة»، معتبرًا أنها قد تشكل متنفسًا في ظل الأعطال المتكررة للشبكات الأرضية. لكنه شدّد على أن «أي ترخيص لن يكون نهائيًا قبل وضع الضوابط القانونية والفنية التي تحمي السوق اللبناني وسيادة الدولة».
هيئة أوجيرو: المنافسة قد تكون قاتلة
من جانبه، لفت المدير العام لـ«أوجيرو» أحمد عويدات إلى أن دخول ستارلينك «قد يضرب البنية القائمة إذا لم يتم تنظيمه». وقال إن الهيئة «استثمرت لسنوات في توسيع الشبكات»، محذرًا من أن «مزوّدًا عالميًا قد يسحب البساط من تحت الشركات الوطنية إذا لم تفرض عليه رسوم أو التزامات مشابهة لتلك التي تُفرض على القطاع المحلي».
الهيئة الناظمة: بين القانون والداتا
رئيسة الهيئة الناظمة للاتصالات جنى الجميل قدّمت عرضًا تقنيًا حول طريقة عمل ستارلينك استنادًا إلى قانون 431، مشيرةً إلى أن «المعضلة لا تكمن فقط في التردّدات وإنما في مسألة الداتا وتخزينها». وسألت: «أين تُخزن البيانات؟ وهل يمكن للسلطات اللبنانية مراقبتها عند الحاجة، كما يجري مع الشركات المحلية؟»
الأجهزة الأمنية: الخطر السيبراني حاضر
الشق الأمني استحوذ على مساحة واسعة من النقاش. العميد جمال قشمر ممثل الأمن العام، شدّد على أن «الاتصالات لم تعد قطاعًا اقتصاديًا فحسب، بل صارت جزءًا من الأمن القومي»، محذرًا من أن «تدفق البيانات عبر أقمار صناعية خارجية يفتح الباب أمام ثغرات يصعب ضبطها». بدوره، أشار العقيد مطانس نصرالله من الجيش إلى أن «الاعتماد على خدمة خارجية قد يعيق عمل التحقيقات الجنائية والعسكرية إذا لم يكن هناك بروتوكول واضح لتبادل المعلومات».
شركات الخليوي: مخاوف من خسائر فادحة
أما ممثلو القطاع الخاص، فقد عبّروا عن مخاوفهم بلا مواربة. المدير العام لشركة «تاتش» كريم سلام رأى أن «السماح لستارلينك بالعمل دون شروط مالية صارمة سيؤدي إلى خسائر مباشرة لشركتي الخليوي»، فيما قال نظيره في «ألفا» رفيق حداد إن «الخدمة قد تحوّل عائدات الإنترنت إلى الخارج وتُضعف مداخيل الخزينة اللبنانية».
خبراء وتقنيون: الفرصة لا تُفوَّت لكن بشروط
في المقابل، أشار الخبير في الاتصالات وسيم منصور إلى أن «ستارلينك ليست خطرًا مطلقًا، بل قد تكون فرصة تاريخية لتوسيع تغطية الإنترنت»، مشددًا على أن «المفتاح هو في صياغة عقد ذكي يضمن حقوق الدولة، ويفرض على الشركة واجبات ضريبية وأمنية».
نقاش بلا حسم
بعد ساعات من المداخلات، لم يخرج المجتمعون بقرار نهائي، لكن رئيس اللجنة النائب إبراهيم الموسوي أعلن الاتفاق مع الوزير الحاج على «مواصلة البحث بشكل معمّق في جلسات لاحقة»، مؤكّدًا أن «الملف يتجاوز حدود التكنولوجيا ليصل إلى السيادة والأمن القومي».
خلاصة التحقيق
• إيجابيات واضحة: خدمة سريعة، تغطية المناطق المحرومة، بديل في حالات الطوارئ.
• سلبيات مقلقة: تهديد لموارد الشركات المحلية، فقدان السيطرة على البيانات، مخاطر سيبرانية وأمنية.
• مواقف متباينة: الحكومة منفتحة بحذر، «أوجيرو» والهيئة الناظمة متخوفون من المنافسة والداتا، الأجهزة الأمنية ترفع الصوت حول السيادة الرقمية، بينما القطاع الخاص يحذر من خسائر مالية، والخبراء يدعون إلى مقاربة وسطية عبر تنظيم صارم.