رأى وزير المال ياسين جابر أن لبنان، رغم الأزمات المتلاحقة التي مرّ بها في السنوات الأخيرة، "لا يزال صامدًا"، مؤكدًا أن "ما أصاب لبنان من فوضى وانهيار للعملة، وأزمة المصارف، وجائحة كورونا، وانفجار المرفأ، والفراغ الرئاسي، والشلل النيابي، وحكومة تصريف أعمال، والحرب الأخيرة كفيلٌ بأن يُسقط أي دولة في العالم، لكن اللبنانيين أثبتوا صلابتهم وقدرتهم على التحمل".
كلام جابر جاء خلال استقباله وفدًا من نقابة الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب عوني الكعكي، حيث عُرضت أبرز التحديات والخطط الحكومية على مدى ساعة ونصف من الحوار.
وقال جابر إن الوزارات تبذل جهودًا جدية لإدخال التقنيات الحديثة وتحديث البنى التحتية رغم كل العوائق، مشيرًا إلى أن البلاد "عادت خطوات إلى الوراء، لكن إذا توافر الاستقرار الأمني، فستظهر نتائج هذه الجهود تباعًا".
وأضاف: "لبنان لا يزال يتمتع بجاذبية عالية، ويفضله الكثير من العرب والأجانب، ونمتلك خبرات وكفاءات على مستوى كل الوزراء الحاليين الذين يعملون بشكل علمي وفعّال".
وفي ما خصّ وزارة المال، لفت إلى أنها تعمل على تحديث البنى الإدارية والتقنية لتسهيل معاملات المواطنين، مشيرًا إلى إنجازات ملموسة على مستوى الجمارك، الدوائر العقارية، الإدارة الضريبية، والريجي.
وأوضح أن الوزارة حصلت على تمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 12 مليون دولار لتحسين المديرية العامة للشؤون العقارية، ما أتاح للمواطنين إنجاز المعاملات إلكترونيًا، وهو تطور يتفاعل بشكل إيجابي.
وبشأن أزمة الطوابع المالية، أشار إلى أن المشكلة ناجمة عن احتكار البعض، وأنه أصبح ممكنًا شراؤها اليوم عبر شركات مثل OMT، ما يخفف من السوق السوداء.
وفي ملف الجمارك، أعلن جابر عن شراكة مع شركة CMA-CGM لتأمين ثلاثة أجهزة سكانر حديثة مزوّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، منها اثنان في مرفأ بيروت وواحد في مرفأ طرابلس، لرفع قدرة الكشف إلى 60 حاوية في الساعة بدلاً من 40 حاوية يوميًا سابقًا، مع صيانة دائمة على مدار الساعة.
وعن القطاع المصرفي، كشف عن دفتر شروط تم تحضيره مع وزير العدل لإجراء مناقصة عالمية تختار من خلالها شركة تدقيق دولية تراجع حسابات المصارف وشركات تحويل الأموال، في إطار العمل على استعادة الثقة بالقطاع.
وقال جابر: "الإجراءات التي نحضّرها لاستعادة ودائع المودعين قادرة على إفادة 85% ممن لا تتجاوز ودائعهم سقف 100 ألف دولار، وهناك آليات يجري إعدادها لمن تفوق ودائعهم هذا السقف"، موضحًا أن اجتماعات أسبوعية تعقد في السرايا برئاسة رئيس الحكومة لمتابعة هذا الملف.
وأشار إلى أن الخطة تتضمن ضخ 4 مليارات دولار كدفعة أولى في السوق اللبنانية، مما من شأنه أن يُعيد تحريك العجلة الاقتصادية، لافتًا إلى أن "الاقتصاد قادر على تغذية نفسه إذا توافرت الأرضية الملائمة".
وفي ما خصّ احتياطي الذهب، قال جابر إن لبنان يمتلك مخزونًا يقدّر بـ39 مليار دولار، وقد تضاعفت قيمته مع ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، مثنيًا على القرار الذي اتخذه الرئيس الراحل إلياس سركيس في السبعينات بشراء كميات كبيرة من الذهب.
وحذّر جابر من أن الاستثمارات الخارجية تحتاج إلى استقرار وأمن، مستشهدًا بما قامت به شركة طيران الشرق الأوسط خلال عيد الأضحى بصرف نحو 40 مليون دولار على تحسين طريق المطار، قبل أن تُنفذ إسرائيل 20 غارة على محيطه.
كما شدد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وضرورة تفعيل الهيئات الناظمة في الكهرباء والاتصالات، معتبرًا أن هذا النموذج هو "الحل الأمثل" في ظل غياب المساعدات الدولية المباشرة.
في ختام اللقاء، دعا جابر إلى تعزيز دور القطاع الأهلي، مؤكدًا خلال لقائه وفدًا من الجمعية الإسلامية العاملية برئاسة يوسف بيضون، أن "الدولة القوية تنطلق من مجتمع قوي، والقطاع التربوي يلعب دورًا جوهريًا في ذلك".