عاجل:

"اليوم العالمي للمعلم": بين عالميّ منسيّ ومحليّ احتفاليّ...وما هي علاقته بـ "القديس يوحنا المعمداني" (خاص)

  • ٥١

خاص-إيست نيوز

عبير درويش

في الخامس من تشرين الأول من كل عام، تحتفل دول العالم بـ اليوم العالمي للمعلم، الذي أقرّته منظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية منذ عام 1994 تكريمًا لمن يحملون رسالة التربية والتعليم، وتقديرًا لدورهم في بناء المجتمعات وتنمية الفكر الإنساني. ويُعد هذا اليوم مناسبة سنوية لمراجعة السياسات التعليمية وتقدير جهود المربين في أكثر من مئة دولة حول العالم، حيث تتحول المناسبة إلى منصة حوار دولية تناقش تحديات التعليم وحقوق المعلمين.

غير أنّ لبنان يعيش خصوصيته في هذا السياق، إذ يختار أن يحتفي بمعلّمه في التاسع من آذار من كل عام، فيما يُعرف بـ “عيد المعلم”، وهو تقليد تربوي محلي يحمل طابعًا وجدانيًا ونقابيًا عريقًا. وبين الخامس من تشرين والأوّل والتاسع من آذار، يتأرجح المعلّم اللبناني بين عالميٍّ منسيّ ومحليٍّ احتفاليّ، فيما تبقى قضاياه المعيشية والمهنية تبحث عن حلول تتجاوز الرمزية إلى الفعل.

عيد لبنانيّ بنكهة تربوية وإنسانية

يقول الكاتب والباحث اللبناني فاروق غانم خداج إنّ يوم المعلّم في لبنان ليس مجرّد موعدٍ على التقويم، بل مرآة تعكس مكانة المربي في الوجدان الشعبي. ففي زمنٍ تتسارع فيه الأيام وتضيع فيه القيم بين الشعارات، يبقى هذا اليوم لحظة صادقة للاعتراف بفضل من يحمل رسالة التعليم في ظروف قاسية.

ويشرح خداج أنّ التاسع من آذار اكتسب رمزيته من البيئة التربوية اللبنانية نفسها، إذ نشأ بجهود النقابات التعليمية والمدارس الرسمية والخاصة في منتصف القرن العشرين. ويُروى أنّ اختيار هذا التاريخ يرتبط بعدة معانٍ:

- تربوية، لأن المعلمين أرادوا يومًا خاصًا بهم يكرّمون فيه بمعزل عن المناسبات العالمية.

- دينية رمزية، لأنه يتقاطع تقريبًا مع ذكرى القديس يوحنا المعمداني، رمز التعليم والتبشير في الثقافة المسيحية.

- ثقافية إنسانية، لأنّ آذار، شهر الربيع، يرمز إلى العطاء والتجدد الذي يجسده المعلم في رسالته.

ويضيف خداج بأسلوبه المرهف: “المعلم لا يحتاج إلى وردة أو تصفيق في قاعة، بل إلى اعتراف حقيقي بجهده، إلى ضمان صحيّ ومعاش كريم، وإلى دولة تؤمن أن نهضتها تبدأ من الصفّ لا من القصر.”

بهذا المعنى، يحتفظ عيد المعلم في لبنان بروحه الوجدانية، لكنه في المقابل يبقى معزولًا عن الأفق الدولي الذي يجعل من اليوم العالمي للمعلم مساحة لتطوير السياسات والبرامج التعليمية، وليس فقط مناسبة للتكريم الرمزي.

5 تشرين الأول: يوم عالمي غائب عن الوعي اللبناني

في المقابل، يحتفل العالم في الخامس من تشرين الأول بـ اليوم العالمي للمعلم، في ذكرى توقيع “توصية 1966” التي أرست حقوق المربين ومعايير عملهم.

وفي هذا اليوم، تُقام مؤتمرات وندوات دولية تناقش أوضاع التعليم والعدالة التربوية، باعتبار المعلم ركيزة التنمية المستدامة ومفتاح تحقيق أهداف الأمم المتحدة في مجال التعليم.

لكن في لبنان، يمر هذا التاريخ بصمتٍ شبه كامل، من دون أي نشاط رسمي أو نقاش وطني، وكأنّ الدولة تقف خارج الإيقاع التربوي العالمي. هذا الغياب لا يعكس فقط ضعف المشاركة، بل فجوة أعمق بين الممارسات التعليمية المحلية والمعايير الدولية التي تربط التعليم بحقوق الإنسان والنهضة المجتمعية.

د. بيار خوري: المعلّم حجر الأساس في بناء الوعي

أما الخبير التربوي والاقتصادي الدكتور بيار خوري وعميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا، فيرى أن المعلّم هو حجر الزاوية في أي نهضة وطنية، وأنّ الاحتفال به لا يكتمل ما لم يتحوّل إلى مشروع إصلاح تربوي شامل.

ويقول خوري: “المعلم هو حجر الأساس في بناء الإنسان قبل أن يكون ناقلًا للمعرفة. لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ما لم يضع المعلّم في موقعه الطبيعي كقائد للتنوير ومسؤول عن تكوين الوعي. اليوم العالمي للمعلم ليس ترفًا احتفاليًا، بل هو لحظة تأمل في موقع هذه المهنة ودورها في التنمية. في لبنان، ما لم يُترجم التكريم إلى سياسات عادلة ورواتب كريمة وتدريب مستمر، سنبقى نحتفل شكلاً وننسى الجوهر. فالمعلم الذي يُكرَّم بلا كرامة مادية، هو معلم يُحب وطنه بصمت، لكنه يُكافَأ بالنسيان.”

كلام خوري يلخّص جوهر المفارقة اللبنانية: فالمعلم يُكرَّم في الخطاب ويُهمَّش في السياسات، ويُشاد بدوره في المناسبات بينما يعيش واقعه في ظل أزماتٍ خانقة.

من الاحتفال إلى الفعل

يبقى المعلّم في لبنان رمزًا ثابتًا وسط التناقضات، يزرع الأمل في عقول طلابه رغم العتمة من حوله. بين الخامس من تشرين والتاسع من آذار، لا تناقض في الجوهر بل تكامل في المعنى: الأول يربط لبنان بالعالم، والثاني يذكّره بجذوره التربوية والإنسانية.

لكنّ العيد الحقيقي للمعلّم لا يُقاس بالتواريخ، بل بقدرة المجتمع على ردّ كرامته، وبإيمان الدولة بأنّ مستقبلها يبدأ من مقعد الدراسة. فكل يوم يقف فيه معلّم أمام طلابه، يزرع معرفةً في وجه الجهل، هو يوم عيدٍ للإنسانية بأسرها.


المنشورات ذات الصلة