عاجل:

تحصينات أميركية جديدة شرقاً: أنقرة تراوغ دمشق

  • ١٣

كنب علاء حلبي في جريدة الأخبار:

بالتزامن مع استمرار عمليات المقاومة ضد المواقع الأميركية في سوريا، على خلفية الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة، بدأت واشنطن استقدام معدات عسكرية تضم بعض أنظمة الدفاع الجوي، القريبة والمتوسطة المدى، إلى قواعدها غير الشرعية في الشمال الشرقي من سوريا.

ويأتي ذلك بعد نحو شهر على تنفيذ تدريبات مشتركة مع مقاتلين أكراد من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على بعض أنظمة الدفاع الجوي القصيرة المدى، بحسب ما أكّدته مصادر كردية، في حديثها إلى «الأخبار». وتتزامن التعزيزات الأميركية الجديدة، والتي ربطتها المصادر بالهجمات التي تتعرض لها القواعد الأميركية سواء عبر القذائف الصاروخية أو الطائرات المُسيّرة، مع التضييق المستمر على «قسد»، سواء عبر تكثيف تركيا هجماتها الجوية (وآخرها استهداف سيارة في القامشلي، أعلنت مصادر تركية أنها كانت تقلّ مقاتلين أكراداً، فيما ذكرت وسائل إعلام كردية أنه كان فيها سيدة وابنها قضيا نتيجة الغارة)، أو عبر مسار التقارب بين أنقرة ودمشق، والذي يمثّل تهديداً وجودياً لـ«الإدارة الذاتية» الكردية، في ظل التوافق بين البلدين على رفض هذا المشروع المدعوم أميركياً.

وفي وقت لا يُعتبر فيه استقدام منظومات دفاع جوية إلى القواعد الأميركية أمراً مستحدثاً، يمثل الدفع بالتعزيزات في هذا الوقت مؤشراً إلى السياسة الأميركية في سوريا، التي لا تزال واشنطن تتمسك بالبقاء فيها، توازياً مع استمرارها في دعم الأكراد ومشروعهم الانفصالي، في محاولة لعرقلة التقارب السوري - التركي، إذ من شأن هذا التقارب، في حال تحقّقه، أن يفتح الباب على مصراعيه أمام حلحلة ملفات معقّدة تعمل الولايات المتحدة على استثمارها في سوريا، سواء ملف الشمال السوري الخارج عن سيطرة الحكومة والذي تنتشر فيه فصائل «جهادية» عديدة تقدّم للأميركيين معلومات استخباراتية بشكل مستمر، أو في الشرق حيث تسيطر واشنطن على منابع النفط والقمح السوري.

وتستهدف الولايات المتحدة من وجودها شرقاً، إلى جانب إحكام الحصار المشدد الذي تفرضه على دمشق، إبقاء «شوكة» في خاصرة تركيا الجنوبية، وفق تعبير المصادر، إلى جانب الدور الكبير الذي تلعبه القواعد الأميركية في دعم إسرائيل، عبر محاولة قطع الطريق بين طهران وبيروت، وتأمين غطاء عسكري واستخباراتي للأنشطة الإسرائيلية في المنطقة.

وفي غضون ذلك، تتابع أنقرة مراوغتها في ملف التقارب مع دمشق، في محاولة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من هذا الملف، عبر التخلص من عبء اللاجئين السوريين، وإنهاء «الإدارة الذاتية» من دون الانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري، وهو أمر أعلنت دمشق مراراً رفضها حدوثه.

وآخر التصريحات في هذا السياق، أدلى به الرئيس السوري، بشار الأسد، أمام مجلس الشعب السوري، الأحد الماضي، حيث أكّد التمسك بالسيادة السورية، والتي تعني خروج القوات التركية، لافتاً إلى أن سوريا «تعاملت مع المبادرات التي طُرحت بشأن العلاقة مع تركيا بإيجابية ومن دون تفريط، لكنها لم تحقق أي نتيجة تُذكر على أرض الواقع، على الرغم من جدية أصحاب المبادرات وحرصهم الصادق على إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي»، في إشارة إلى الوساطة الروسية – العراقية – الإيرانية.

كما شدّد الأسد على ضرورة وجود مرجعية تستند إليها المباحثات، قائلاً إنه «غير صحيح ما يصرّح به بعض المسؤولين الأتراك من وقت إلى آخر، من أن سوريا قالت إنه ما لم يحصل الانسحاب فلن نلتقي مع الأتراك، هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع، نحن نعمل في هذا الموضوع بشكل منهجي وبشكل واقعي»، مضيفاً أن «المهم أن يكون لدينا أهداف واضحة ونعرف كيفية السير في اتجاه هذه الأهداف، وأياً تكن الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة، وحدودها السيادة، ومعيارها السيادة أيضاً».

وفي وقت تتمسك فيه دمشق بوجود مبادئ واضحة للحوار، يطلق مسؤولون أتراك، بين وقت وآخر، تصريحات تتحدّث عن وجود «اشتراطات» بينها «الحل السياسي للأزمة»، و«عودة اللاجئين»، الأمر الذي يتناقض مع تصريحات سابقة عديدة أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عبّر خلالها عن «لهفته لإجراء لقاء مع الرئيس السوري، بشار الأسد، لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها». وآخر التصريحات التركية في هذا الإطار، نشره موقع «TRT» الإخباري، نقلاً عن مصادر في الخارجية التركية لم يسمّها، أكّدت أن مسار تطبيع العلاقات سوريا يتضمن «تطهير الأراضي السورية من العناصر الإرهابيين لضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتحقيق توافق وطني حقيقي في سوريا يستند إلى مطالب الشعب السوري الشرعية، وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254»، مضيفة أن «توفير الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، واستمرار تقديم المساعدات الإنسانية من دون انقطاع يعدان جزءاً من هذا المسار».

وبرغم استمرار المراوغة التركية، تشير مصادر سورية معارضة، تحدّثت إلى «الأخبار»، إلى أن أنقرة لا تزال مستمرة في السياسة نفسها التي اعتمدتها أخيراً حول سوريا، والتي تقضي بضرورة عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين الجارين، موضحةً أن اللقاءات الأخيرة بين مسؤولين أتراك وبعض وجوه المعارضة السورية تضمّنت «تأكيد أنقرة استمرارها في هذا المسار».

ويعني ذلك، وفقاً للمصادر، أن التصريحات المتشدّدة الأخيرة تأتي في سياق محاولة تحقيق أكبر مكاسب ممكنة من هذا المسار، حتى قبل انطلاقه، خصوصاً أن أنقرة واجهت تعثّراً ميدانياً كبيراً في أولى خطوات التفاهمات مع روسيا، بعد أن عجزت - حتى الآن - عن فتح وتأمين معبر صغير يصل مناطق سيطرة الفصائل بمناطق سيطرة الحكومة السورية (معبر أبو الزندين بريف حلب)، وتوقّعت مصادر ميدانية أن يتم افتتاحه خلال الأيام القليلة المقبلة.

المنشورات ذات الصلة