خاصّ - "إيست نيوز"
في الوقت الذي تبذل فيه وزارة الداخلية والبلديات ومصلحة تسجيل السيارات والآليات جهوداً حثيثة لتحديث الأنظمة وتعزيز الشفافية، تكشف حادثة جديدة أنّ الفساد لا ينام، بل يغيّر أساليبه باستمرار. فقد سقطت إحدى المواطنات ضحية عملية احتيال مُحكمة، بعد حصولها على رخصة سوق بيومترية مزوّرة، من دون أن تخضع لأي امتحان رسمي، في ما يوضح كيف يمكن لبعض الأفراد استغلال الثغرات لتحقيق مكاسب مالية غير قانونية.
التحقيق الإداري الذي أجري داخل مصلحة تسجيل السيارات أظهر أن المدعو “م. د.” لعب دور الوسيط والمزوّر في آنٍ واحد، إذ أوهم المواطنة بقدرته على “تأمين” الرخصة عبر علاقاته داخل الإدارة، مقابل مبلغ مالي. وبعد حصولها على الرخصة المزوّرة، تبيّن لاحقاً – خلال عملية تدقيق روتينية – أنّها غير صادرة عن أي مركز رسمي، بل هي وثيقة مزيفة بالكامل تحمل شكلاً بيومترياً متقناً يصعب على المواطن العادي تمييزه، ما يسلّط الضوء على خطورة انتشار مثل هذه الوثائق المزورة في السوق.
تمّ إحالة الملف إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي عبر فصيلة الدكوانة، لتُظهر التحقيقات لاحقاً أن “م. د.” لم يكن يتحرّك بمفرده، بل ضمن شبكة صغيرة كانت تزوّد عدداً من الأشخاص برخص سوق بيومترية مزوّرة، لقاء مبالغ مالية تراوحت بين 500 و700 دولار للرخصة الواحدة. وقد جرى توقيفه بناءً على إشارة القضاء المختص، فيما تستمرّ الجهود لتحديد هُويّة باقي المتورّطين وتوقيفهم، وسط مُراقبة دقيقة لكل الخطوات لضمان عدم تسرّب أي عملية مُماثلة مستقبلاً.
وزارة الداخلية والبلديات، وفي بيانها التحذيري، شدّدت على أنّ منح رخص السوق لا يمكن أن يتمّ إلا عبر القنوات القانونية المعتمدة، بعد اجتياز الامتحانين النظري والعملي في المراكز الرسمية، مؤكدة أن أي تجاوز لهذه الأصول يعرض صاحبه للمُساءلة القانونية. كما دعت المواطنين إلى عدم الانجرار خلف أي شخص يدّعي القدرة على تجاوز القوانين أو تسهيل المعاملات مقابل مبالغ مالية، مشددة على أن كل من يثبت تورّطه - سواء من داخل الإدارة أو خارجها - سيُحال إلى القضاء دون تهاون.
وفي هذا السياق، يرى مصدر إداري رفيع لـ "إيست نيوز" أن هذه العملية “تكشف عن محاولة يائسة لإعادة تدوير الفساد بأساليب جديدة”، مُشيراً إلى أن الرقابة الداخلية في المصلحة باتت أكثر تشدّداً من أي وقت مضى، وأن التعاون القائم بين وزارة الداخلية وشعبة المعلومات “يسير في الاتجاه الصحيح لتجفيف منابع التلاعب”، ما يعكس جدية السلطات في مواجهة هذه الشبكات.
من جهة أخرى، يحمّل بعض المُراقبين جزءاً من المسؤولية إلى ثقافة الاستسهال المنتشرة لدى بعض المواطنين، الذين يفضّلون دفع المال بدلاً من الالتزام بالقوانين، معتبرين أن “الرخصة السريعة” تختصر الوقت والجهد، لكنّها تعرضهم لعواقب قانونية وخيمة. ويشير التحقيق إلى أن بعض الرخص المزورة وصلت إلى مراحل مُتقدّمة، ما كان سيؤدي إلى وقوع مُخالفات مرورية كبيرة أو استخدام هذه الوثائق المزورة في مُعاملات رسمية، لولا تدخّل الأجهزة الأمنية في الوقت المناسب.
كما تؤكّد المصادر أن المصلحة قامت بتشديد إجراءات التحقّق من الرخص الصادرة حديثاً، ووضعت آليات صارمة لمتابعة أي مُعاملات مشبوهة، بما يشمل المراجعة البيومترية لجميع الرخص الجديدة ومُطابقة بياناتها مع سجلات القيادة الرسمية. هذه الإجراءات الجديدة تعكس إدراك الإدارة لأهمية حماية النظام القانوني ومنع تكرار مثل هذه التجاوزات مُستقبلاً.
في النهاية، تبقى القضية أكثر من مُجرّد عملية تزوير، فهي تحذير للمواطنين بأن أي تجاوز للأصول القانونية يعرضهم للمساءلة، وتذكير بأن مُكافحة الفساد تبدأ من الالتزام بالقوانين وعدم الانجرار خلف الوساطات غير القانونية.
كما أنّها تسلّط الضوء على أهمية التعاون بين الأجهزة الرسمية والمواطنين لضمان حماية سلامة النظام الإداري والحدّ من شبكات التزوير، بما يسهم في تعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين ويحقّق الشفافية في إصدار الرخص البيومترية.
إذا استمرّ الفساد بابتكار طرق جديدة واستغلال الثغرات، فهل سيظلّ الالتزام بالقوانين تحدياً شخصياً للمواطن العادي، بينما تبقى جهود الدولة وحدها غير كافية لحمايته؟