عاجل:

بعد ربطها السلاح بـ "الحقوق"... "فصائل الممانعة" تتحرّك على حبل دقيق! (خاص)

  • ١٣٧

خاص – "إيست نيوز"

بينما تتصاعد ألسنة النار من غزة، وتحتدم التوترات على الحدود الجنوبية اللبنانية، عاد ملف السلاح الفلسطيني في لبنان إلى الواجهة، مثيرًا زوبعة من التساؤلات السياسية والأمنية، في وقت حساس إقليميًا وداخليًا.

لم يكن حدثًا عابرًا إعلان رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد، العماد جوزاف عون، في خطاب قسمه، ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، مشيرًا بوضوح إلى كل سلاح غير شرعي، بما في ذلك سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني. ومع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في أيار/مايو 2025، ولقائه الرؤساء الثلاثة، خرجت إلى العلن إشارات توافق سياسي مفاجئ حول هذا الملف، الذي لطالما ظلّ طيّ الكتمان أو مدار تسويات خلف الأبواب المغلقة.

لكن السؤال البديهي ظلّ يتردّد على ألسنة كثيرين:

لماذا اليوم؟ ولماذا لم يُسحب السلاح الفلسطيني عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، رغم إلغاء اتفاق القاهرة عام 1987، والذي كان ينظّم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان؟

قرار سعودي أم قرار سيادي؟

مصدر فلسطيني معارض لتسليم السلاح قال لـ"إيست نيوز" إن الخطوة جاءت بضغوط سعودية على الرئيس محمود عباس، ضمن محاولة لإحراج حزب الله في ملف السلاح غير الشرعي. وأضاف أن الرياض ترى في تسليم السلاح الفلسطيني خطوة رمزية نحو إعادة هيكلة الوضع الأمني اللبناني، في سياق التوازنات الإقليمية المتغيرة.

ومع ذلك، تصرّ القيادة الفلسطينية الرسمية على أن قرارها يأتي من منطلق سيادي فلسطيني واحترامًا لسيادة الدولة اللبنانية، وليس إملاءً خارجيًا.

الجهاد الإسلامي: لا نناقش السلاح في الإعلام

قال إحسان عطايا، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي وممثلها في لبنان، إن مناقشة موضوع السلاح عبر وسائل الإعلام غير مجدية، ولا تخدم المصلحة اللبنانية - الفلسطينية، خاصة في ظل محاولات البعض تعكير الأجواء والاصطياد في المياه العكرة. وأضاف أن قنوات التواصل بين الجهات اللبنانية المعنية وقيادات الفصائل الفلسطينية مفتوحة، والحوار بين الجانبين بناء ومثمر.

وأوضح عطايا في حديث لـ"إيست نيوز" أن كل من يروج الشائعات والمغالطات، وعلى رأسها الادعاء بأن المخيمات الفلسطينية في لبنان خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية، مخطئ، مؤكدًا أن السيادة اللبنانية محترمة، والتعاون بين القيادة الفلسطينية والجهات اللبنانية المعنية قائم إلى أبعد الحدود. وأضاف أنه وإن كان هناك بعض المطلوبين في مخيم ما، فهناك مطلوبون خارج المخيمات أيضًا، وإن حصلت بعض التجاوزات داخل المخيمات، فهناك تجاوزات خارجها أيضًا، وهذا لا يلغي السيادة أو يطعن بها.

وأكد عطايا أن الفلسطينيين، كما اللبنانيين، حريصون كل الحرص على إفشال مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يسعى العدو إلى فرضه وجعله أمرًا واقعًا".

حماس: لا نريد سحب الملف من سياقه السياسي

من جهته، عبّر مصدر قيادي في حركة حماس لـ "إيست نيوز" عن رفضه اختزال الحوار اللبناني – الفلسطيني في ملف السلاح فقط، معتبرًا أن قضية اللاجئين قضية سياسية نشأت عن النكبة والاحتلال، ويجب تناولها من جوانبها الحققية والسياسية والاجتماعية، وليس فقط الأمنية.

وشدّد المصدر على أن أي محاولة لنزع سلاح المقاومة تصب في صالح العدو الصهيوني، معتبرًا أن "المقاومة حق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال"، ولن ينتهي هذا الحق إلا بزوال الاحتلال.

الجبهة الديمقراطية: الحوار هو الحل

أركان بدر، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، أكد: "لقد اتخذنا قرارًا بعدم التحدث علنًا في هذا الملف في الوقت الراهن، مع التأكيد على أن الجهة المختصة الوحيدة في هذه المسألة هي الأخوة في حركة فتح، كونهم المسؤولين الرسميين عن موضوع السلاح."

وأضاف في حديثه مع "إيست نيوز": "نحن ننشد الحوار مع الدولة، حوارًا طويلًا ومفتوحًا، بعيدًا عن أي تصعيد إعلامي حول هذا الموضوع. ونؤمن بأن الحوار اللبناني–الفلسطيني الشفاف هو السبيل الأمثل للوصول إلى اتفاق شامل يعزز الحقوق ويوضح الواجبات."

وأيد بدر إطلاق حوار وطني لبناني–فلسطيني يُعنى بمعالجة ملف العلاقات الفلسطينية–اللبنانية بشكل شامل، يضم جميع الأطراف ويضمن مشاركة كاملة، بعيدًا عن المعالجات الجزئية التي تركز على ملف واحد على حساب آخر. وشدد على أن هذا الحوار يجب أن يتناول القضايا الإنسانية والحقوقية، خصوصًا في ظل الحرمان التاريخي الذي عانته القضية الفلسطينية، لا سيما الحقوق الإنسانية منها.

فتح: السلاح في عهدة الدولة اللبنانية

الموقف الأكثر وضوحًا جاء من منظمة التحرير الفلسطينية، التي عبّر عنها القيادي سمير أبو عفش. ففي حديثه لـ"إيست نيوز"، أعلن أن المنظمة تؤيد حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وأن تعليمات رئاسية صدرت بتسليم السلاح داخل مخيمات الشتات، بالتنسيق مع اللواء عبد إبراهيم، قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان.

وأشار إلى أن الأسلحة الثقيلة تم تسليمها فعليًا، وأن ما تبقّى يخضع لخطط تفصيلية قيد التنفيذ. وفي ردّ على الاتهامات بأن عمليات التسليم "مسرحية"، قال أبو عفش: "من رأى شاحنات السلاح الخارجة من عين الحلوة، لن يكرّر هذا الكلام".

كما نفى وجود أي علاقة بين قرار التسليم وأي جهة إقليمية، مؤكدًا أن هذه الخطوة "قرار فلسطيني خالص، يصبّ في صالح الأمن والاستقرار في لبنان".

فتح الانتفاضة: سلاح المقاومة ليس للمساومة

في المقابل، حمل رفيق رميض، نائب الأمين العام لحركة فتح الانتفاضة، لهجة مختلفة. إذ شدّد على أن السلاح الفلسطيني هو سلاح قضية وطنية عادلة، وأنه لا يمكن اختزاله في مقاربة أمنية، متجاهلة للبعد السياسي والحقوقي للوجود الفلسطيني في لبنان.

وقال رميض إن الفصائل تدعم تنظيم السلاح وضبطه، لكنها ترفض "الاستغلال الإجرامي" له داخل المخيمات، مشيرًا إلى أن اللجان الشعبية وهيئة العمل الفلسطيني المشترك تتولّى الإشراف على الأمن داخل المخيمات، بتنسيق دائم مع السلطات اللبنانية.

وأشار لـ"إيست نيوز" إلى أن الفلسطينيين في لبنان يواجهون نقصًا في الحقوق الأساسية، ويجب معالجة ذلك عبر حوار بناء، يتناول القضايا من جذورها، لا الاكتفاء بإجراءات أمنية سطحية.

المخاوف والرهانات

تجربة اللبنانيين والفلسطينيين مع ملف السلاح ليست جديدة، لكنها تبقى محفوفة بالمخاوف والهواجس، لا سيما في ظل الذاكرة الدامية لمجازر صبرا وشاتيلا، واجتياح 1982، الذي حصل رغم وجود قوات دولية.

واليوم، وسط الانقسامات الفلسطينية الداخلية، والخلافات اللبنانية حول سلاح حزب الله، يبدو أن السلاح الفلسطيني دخل دائرة إعادة التموضع، بين من يعتبره رمزًا لمقاومة مشروعة، ومن يراه أداة خارجة عن الشرعية ومصدر قلق أمني.

 بين الواقعية والرمزية

ما يجري اليوم ليس فقط قرارًا أمنيًا بل علامة سياسية فارقة في العلاقة اللبنانية – الفلسطينية. فهل يكون تسليم السلاح بداية مرحلة جديدة من الاندماج القانوني والحقوقي للفلسطينيين في لبنان؟ أم أنه خطوة رمزية في معركة إقليمية أكبر، تقيس السلاح بالولاءات والمحاور؟

الوقت وحده كفيل بالإجابة. أما الآن، فالمخيمات تراقب، والدولة تتريّث، والفصائل تتحرّك على حبل دقيق بين الشرعية والسيادة... والمقاومة.


المنشورات ذات الصلة