استضافت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، بالشراكة مع اتحاد بلديّات قضاء صور والمنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية (INITIATE)، وبدعمٍ سخيّ من حكومة جمهورية كوريا، عرض الفيلم الوثائقي "أرض الحرب والورد"، في إطار إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لاعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1325 في عام 2000، بشأن المرأة والسلام والأمن، وتحت الشعار العالمي: "عندما يقود النساء، يتحقق السلام".
الوثائقي من إخراج ريم المهتار، وإنتاج المنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية INITIATE بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في إطار مشروع "بذور صور" المموّل من حكومتي جمهورية النمسا وجمهورية كوريا، والذي يُنفّذ في مدينة صور. يوثّق الفيلم قصصًا ملهمة لنساء من جنوب لبنان ساندن مجتمعاتهن واستمررن في دعمها خلال الحرب في عام 2024، وعلى رغم النزوح والخسارة. ومن خلال شهاداتهنّ، يسلّط هذا الفيلم الضوء على قوة النساء ودورهن الرياديّ في صنع السلام ودعم مجتمعاتهنّ إبّان الأزمات، وحرصهنّ على إعادة بناء حياتهنّ في أعقابها. يَتّبع مشروع "بذور صور" نهجًا مبتكرًا يتجاوز المساعدات الغذائية التقليدية، عبر دمج الإنتاج الغذائي المحلي بالمساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الفورية، وتعزيز مقوّمات الصمود في الأمد الطويل ومنذ المراحل الأولى للحروب.
ويهدف المشروع إلى تمكين النساء المتأثّرات بالنزوح ليصبحن فاعلاتٍ أساسيات في إنتاج الغذاء، وتحسين التنوع الغذائي والتغذية، واعتماد الممارسات الزراعية الإيكولوجية التي تدعم الاستدامة والتعافي المجتمعي. ومن خلال تدريباتٍ متخصصة، اكتسَبَت المشاركات مهاراتٍ عمليّة في الزراعة الإيكولوجية ليُطبقنَها حين يعُدن إلى أراضيهن، إلى جانب اكتساب مهاراتٍ قيادية تُمكّنهنّ من لعب دورٍ محوريّ في مرحلة ما بعد الحرب، وخلال جهود التعافي وبناء السلام.
أكّدت جيلان المسيري، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، على أهمية إرساء قيادة النساء كمحور أساسي في جهود التعافي وبناء السلام موضحةً "لكن دور النساء لا يجب أن يقتصر على الصمود في وجه الأزمات، بل يجب ان يمتدّ ليشمل المشاركة في التخطيط للمستقبل وصنع السياسات العامة. فعندما يكون النساء في مواقع اتخاذ القرار، وفي قلب العمليات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يصبح التعافي أسرع وأكثر عدلاً واستدامة". وأشارت إلى أن النساء في جنوب لبنان، قدّمن نموذجًا استثنائيًا في الصمود وأضافت أن مبادرات مثل "بذور صور" تجسّد جوهر أجندة المرأة والسلام والأمن من خلال الربط بين التمكين الاقتصادي للنساء والتعافي المحلي المستدام.
تأكيدًا على هذه المقاربة، جدّد سعادة سفير جمهورية كوريا لدى لبنان، كيـو سوك غيون، التزام بلاده الراسخ بدعم ريادة النساء في الاستجابة للأزمات والحرب وجهود التعافي، مضيفاً "نؤكد التزامنا مواصلة العمل جنباً إلى جنب مع لبنان، وشركائنا في الأمم المتحدة، والمجتمعات المحلية، من أجل تعزيز أجندة المرأة والسلام والأمن، وضمان أن تستمر أصوات النساء في رسم ملامح السلام والتنمية في هذا البلد."
بدورها، اعتبرت النائبة الدكتورة عناية عزّالدين، رئيسة لجنة المرأة والطفل في مجلس النواب والمنسقة الوطنية للنظم الغذائية، أن الفيلم يعكس بصدق واقع النساء اللواتي حمَلن راية السلام وسط الأزمات والحرب. وأضافت "حتى في أقسى الظروف، تبقى كرامة الانسان، وكرامة المرأة على وجه الخصوص، خطاً أحمر لا يمكن تجاوزها. النساء اللواتي يواجهن الحرب والخسارة والنزوح، لا يحتجن فقط الى الدعم والاغاثة، بل الى مشاريع تحترم انسانيتهن وكرامتهن. مشاريع تدمج فيها النساء لا كمستفيدات فقط بل كشريكات وصانعات قرار".
كما شدّد المهندس حسن دبوق، رئيس اتحاد بلديات قضاء صور، على أهمية القيادة المحليّة في دعم مبادرات النساء وبناء مجتمعات أكثر صمودًا وسلامًا. وقال "يبقى الشعور الإنسانيّ هو ما يجمع جميع الفاعلين في المجتمع حول الخير، مهما اختلفت خلفياتهم. ففي مواجهة المآسي وقسوة الحروب، يظلّ التزام العاملين مع الناس نورًا يخفف الألم ويساهم في صون الكرامة ومساندة المتضررين. نتمنّى السلام لكل العالم، الناس يستحقون أن يعيشوا بسلام، ونأمل أن تتاح لنا الفرصة دومًا للعمل معهم في ظروفٍ أفضل وأعدل مما مضى".
وأشار طارق منعم، المدير التنفيذي لمنتدى المجتمعي للتمكين والتنمية INITIATE، إلى الدور المحوري للمجتمع المدني في توثيق تجارب النساء وإيصال أصواتهن قائلاً "في زمنٍ تهتزّ فيه البيوت تحت وطأة الحرب، وتقسو فيه الأيام على الناس، تبقى المرأةُ هي الذاكرة الحيّة، والجدار الأخير الذي لا يسقط".
أعقب العرض نقاشٌ جمع عددًا من النساء القياديات في مجتمعاتهن وصانعات سلام من جنوب لبنان. تناول النقاشُ الآثارَ القائمة على النوع الاجتماعي للحرب في جنوب لبنان، مستكشفًا كيف تأثّرت النساء والفتيات على نحو غير متكافئ بالمقارنة مع فئات المجتمع الأخرى جرّاء النزوح والفقد، مع تسليط الضوء في الوقت عينه على ما أظهرنه من صمودٍ وتضامنٍ وقيادةٍ في الحفاظ على أسرهنّ ومجتمعاتهنّ.
وشكّلت الجلسة مساحةً للنساء لتبادل تجاربهنّ الشخصيّة واستراتيجيات التكيّف والحلول المجتمعية، ولإيصال أولوياتهنّ ورسائلهنّ إلى صانعي وصانعات القرار حول سُبل تعزيز حماية النساء والفتيات ودعمهنّ في الأزمات والحرب.
واختُتم الإطلاق بالتأكيد على حقيقةٍ أساسية ومفادها إنّ طريق لبنان نحو السلام لا يمكن أن ينفصل عن تعزيز قيادة النساء. ذلك أنّ الأصوات والتجارب التي جرت مشاركتها في صور تجسّد جوهر أجندة المرأة والسلام والأمن، التي تؤمن بأن السلام المستدام لا يتحقّق سوى حين يشاركن النساء على نحو متساوٍ في منع الحروب، وصوغ مسارات التعافي، وبناء المستقبل.
