عاجل:

هكذا باتت المنطقة في عهدة القيادة الوسطى الأميركية! ( الجمهورية )

  • ٤٥

كتب : "جورج شاهين" 


بفارق يومين، قدّمت قيادة المنطقة الوسطى الأميركية إحاطتين عن الوضع في غزة وجنوب لبنان لا مثيل لأي منهما. وهو أمر فسّرته مراجع معنية في شكلهما ومضمونهما والتوقيت، على أنّهما من الإشارات المهمّة للاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة. وطالما أنّهما شملتا الوضع في جنوب لبنان بعد غزة، فإنّهما شكّلتا ترابطاً منطقياً بين الساحتين. وإنّ ما شهدته غزة معروض على الساحة اللبنانية في أولى الخطوات اللاحقة. وفي ما يلي بعض المؤشرات.


قبل ثلاثة ايام، تحدث قائد القيادة الوسطى الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر، طالباً من حركة «حماس» التوقف عن إطلاق النار على مدنيين فلسطينيين، بعدما نفّذت الحركة عمليات اغتيال بحق فلسطينيين أبرياء في غزة على الفور، سواء في الأجزاء التي تسيطر عليها الحركة، أو في تلك المؤمّنة من قبل القوات الإسرائيلية خلف «الخط الأصفر»، في خطوة لافتة تؤذن بأنّ الإمرة في القطاع انطلقت لتكون لهذه القيادة، التي بدأت التحضيرات لإدارة المرحلة المقبلة، وفق ما قالت به «قمّة شرم الشيخ للسلام»، وتشكيل «مجلس السلام» الذي يرأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهيكلياته العسكرية والأمنية والإدارية والإنسانية، وصولاً إلى مرحلة إعادة الإعمار ضمن مهلة السنوات الخمس التي حُدّدت لهذه المرحلة بمختلف محطاتها.

وأول أمس الخميس، قال الأدميرال كوبر في إحاطة ثانية خلال 48 ساعة، تناولت الوضع في جنوب لبنان، تزامناً مع انعقاد اللجنة العسكرية الخماسية العسكرية «إنّ الشركاء اللبنانيين يواصلون قيادة الجهود لضمان نجاح نزع سلاح «حزب الله»، مشدّداً على التزام بلاده بدعم جهود الجيش اللبناني في «عمله الدؤوب لتعزيز الأمن الإقليمي». وفي خطوة تلت البيان، أكّد الممثل العسكري الأميركي في لبنان اللواء جوزف كليرفيلد، أنّ الولايات المتحدة تعمل مع الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» وشركائها الدوليين، لضمان نجاح إطار وقف إطلاق النار، مؤكّداً أنّ لدى بلاده «مصلحة مشتركة في الحفاظ على السلام والاستقرار في لبنان». لافتاً إلى «أنّ التنسيق الميداني يهدف إلى تثبيت التهدئة ومنع أي خرق لاتفاق وقف النار».

وأمام هاتين المبادرتين، ربطت مراجع ديبلوماسية وعسكرية بين الخطوات التي بوشر بتنفيذها في قطاع غزة وجنوب لبنان، في اعتبارها من أولى الخطوات التي تدلّ إلى الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، التي تولّدت جراء الأحداث التي تلت وقف إطلاق النار في غزة، والإعلان عن الخطوات التي تليه، وصولاً إلى التركيبة الإدارية الجديدة للقطاع، وفق ما قالت به النقاط الـ20 التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب بعد اجتماعه مع قادة الدول العربية والإسلامية الثماني في واشنطن، وما تلاه من لقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والتي قادته بنتائجها إلى القدس وشرم الشيخ لتوقيع اتفاق السلام.

ولفتت هذه المراجع، إلى التحضيرات التي انطلقت لتركيب الإدارة الجديدة للقطاع بوصول 200 جندي أميركي إلى أحد المعسكرات الإسرائيلية جنوب تل ابيب، في أولى الخطوات التي تلي تشكيل غرفة عمليات مشتركة، تجمع ممثلين عسكريين من الدول الضامنة للتفاهم الأخير ومبادرة ترامب بنقاطها كافة، ولا سيما تركيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والقاهرة. خصوصاً أنّ الاتراك أنهوا التحضيرات اللوجستية لنقل اول 1000 جندي تركي إلى إسرائيل ليكونوا نواة القوة المشتركة، تزامناً مع انتهاء التحضيرات في القطاع لنقل أول 1000 شرطي فلسطيني إليه، أنهوا تدريبهم في مراكز القوات المصرية، بعد تسليم معبر رفح لقوة فلسطينية بقيادة ضابط من الفريق العسكري المساعد للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وقالت المراجع نفسها، إنّ التحضيرات العسكرية التي اقتربت من الإنجاز، تسبق خطوة أخرى تجمع فريقاً كبيراً متخصصاً في الشؤون الإدارية والأمنية الداخلية والاقتصادية، لينضمّ الى فريق عمل المدير التنفيذي لمجلس السلام الذي سيكون رئيس الحكومة البريطانية الأسبق السير توني بلير. بحيث تكتمل الإدارة الجديدة للقطاع، والتي عليها أن تبدأ بتنظيم المهمّات المختلفة وتوزيعها على الفريق الجديد، وصولاً إلى إطلاق خطط إعادة الإعمار، كما قالت المبادرة العربية، قبل التوصل إلى التفاهمات الأخيرة.

وكل ذلك سيجري بالتزامن مع مرحلة تسليم «حماس» أسلحتها إلى الشرطة الجديدة، بواسطة من تكلّفه غرفة العمليات المشتركة بإشراف أميركي وعربي، لضمان انتقال الأسلحة إلى «أيدٍ أمينة»، فلا تعود أي قطعة منها إلى أي مسؤول سابق من شرطة الحركة وإدارتها، التي كانت تحكم القطاع منذ انفصاله عن إدارة السلطة الفلسطينية في رام الله منذ العام 2008 حتى الأمس القريب. وتتزامن الخطوات مع حل الحكومة «الحمساوية» المحلية بمختلف وجوهها، وصولاً إلى إعادة تشكيل المجالس البلدية بما يتناسب وإبعاد «حماس» عن كل مؤسسات السلطة، من دون التثبت إن كانت ستنتقل إلى إدارة السلطة الفلسطينية قبل انتهاء الفترة الممتدة بسنواتها الخمس. وإن كان التوجّه سيقود إلى إعادة ربط القطاع بمناطق الضفة تحت وصاية السلطة الفلسطينية، بعد إعادة تأهيلها ومكافحة الفساد فيها، قبل إجراء الانتخابات التشريعية العامة في المنطقة الموحّدة كاملة.

على هذه الخلفيات تترقّب الأوساط السياسية والديبلوماسية شكل الخطوات التي ستتناول الوضع في جنوب لبنان، بعد تأكيدات بأنّ ساحته ستكون التالية بعد القطاع، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وما أوحت به مواقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، رداً على ملاحظات الرئيس ترامب في خلال جولته بين القدس وشرم الشيخ، والتي أشار فيها إلى إمكان انطلاق المفاوضات على شكل تلك التي أُديرت فيها عملية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، بعد انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة في جنوب لبنان، كخطوة لا بدّ منها لاستكمال ما تقرّر على مستوى نشر الجيش حتى الحدود الجنوبية، قبيل الاتفاق على تحديدها والعودة إلى الحدود الدولية وإنهاء الحديث عن الخط الأزرق.

وإن عُدّت كل هذه الخطوات قبيل إحياء أي حوار، ينتظر لبنان الجواب الأميركي على المواقف اللبنانية والتحضيرات الجارية، لاستكمال البحث في مصير السلاح غير الشرعي في الجنوب، حيث برزت على سطح الأحداث الأرقام التي كشفت عنها القيادة المركزية التي أحصت أنّ «الجيش اللبناني أزال 10 آلاف صاروخ و400 قذيفة من جنوب لبنان ضمن العمليات الجارية»، في إشارة أولى إلى ما تقوم به اللجنة العسكرية ومهمّتها التي لم تقارب هذه التفاصيل من قبل، والتي ردّتها إلى «إجراءات ملموسة على الأرض»، مرتبطة بمهمّات التنسيق الأمني بينها وبين الجيش اللبناني و»اليونيفيل».



المنشورات ذات الصلة