عاجل:

في حديث شامل لـ "إيست نيوز".. السفير الروسي الكسندر روداكوف: "لا بدّ لـ "حزب الله" التحوّل من حركة ذات "طابع عسكري" إلى "قوة سياسية"

  • ٨٣

حاوره رئيس التحرير: جورج توم شاهين

خاص – "إيست نيوز"


في حديث شامل لـ "إيست نيوز" فند فيه موقف روسيا من القضايا الداخلية والاقليمية والدولية:


*قبل الأحداث الاخيرة كان طاقم سفارتنا إلى جانب اللبنانيين منذ جائحة كورونا وتفجير المرفأ

*تنفيذ قرار "حصر السلاح" الذي حظي بموافقة "حزب الله" يفترض الالتزام بالقرار 1701

*نتوقّع أن يدعم لبنان مشروع القرار الروسي السنوي في الأمم المتحدة بشأن مكافحة "تمجيد النازية" 


*كان لنا دورٌ حاسم في دحر "داعش" في سوريا ووقف تقدّم "العصابات الإرهابية" باتجاه لبنان

*مأساة طائرة "إيل 20" كانت نتيجة عمليات استفزازية نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي

*"آلية منع التضارب" حكمت العلاقات الايجابية بين الجيشين الروسي والأميركي فوق سوريا

 

*"قمة الاسكا" تمخّضت عنها دفعة قوية توصلا لمسار حلّ النزاع في أوكرانيا في الإطار السياسي

*إطلاق "العملية الخاصة" في أوكرانيا جاءت بعد سنواتٍ من الفشل لإيجاد تسوية سلمية للنزاع

*التحالف بين روسيا والصين يستند إلى أسسٍ طبيعية نابعة من الجغرافيا والعلاقات الاقتصادية


رأى السفير الروسي المعتمد في لبنان السيد الكسندر روداكوف أن هناك تعاونا فعّالا وبنّاء بين روسيا ولبنان في المحافل الدولية المتعددة الأطراف، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة. وان القضية الجوهرية اليوم تتمثل في كيفية تنفيذ قرار نزع السلاح في ظلّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. وإننا نرى أن السبيل الأساسي لمعالجة هذا الملف المعقد يتمثل في الالتزام الصارم من جميع الأطراف بالاتفاقات السلمية المبرمة بين إسرائيل ولبنان، استنادًا إلى القرار 1701. لافتا الى ان هذا القرار "حظي بدعمٍ من جميع اللبنانيين، بمن فيهم قيادة "حزب الله" نفسها، التي لا بدّ لها أن تقطع طريقًا طويلًا من التحوّل من حركة ذات طابع عسكري إلى قوة سياسية بحتة".

وقال السفير الروسي في حديث خاص وشامل اجراه معه رئيس التحرير جورج توم شاهين في موقع "إيست نيوز" في مكتبه في مقر السفارة في بيروت، تناول فيه مواقف بلاده من القضايا الداخلية والإقليمية والدولية فقال ان بلاده كانت وستبقى الى جانب لبنان، لافتا الى انه و"قبل الأحداث الاخيرة كان طاقم سفارتنا جنبًا إلى جنب مع اللبنانيين منذ جائحة كورونا وتفجير المرفأ كما دعمنا القوات المسلحة اللبنانية".

وعن مشاريع توسيع اللجنة الخماسية لتضم روسيا وإيران التي لم تر النور، قال اننا ننظر إليها على "أنها تجمّع عملٍ تنسيقي يضمّ مجموعة من الدول التي تتحرّك ضمن فلك المصالح الأميركية". في المقابل، تؤكد روسيا على موقفها الثابت الداعي إلى تمكين اللبنانيين من تقرير توجهات سياستهم الوطنية بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي.

وعن موضوع انسحاب شركة «نوفاتِك» (NOVATEK) من اتفاقية استكشاف حقول الهيدروكربونات اللبنانية في البلوكات الجنوبية، أن الشركات الروسية هي التي تحدد بشكلٍ مستقل الجدوى الاقتصادية من مشاركتها في أي مشروع دولي". وأن مشاريعها في سوريا تأثرت بالعمليات القتالية الجارية وهي غير ملائمة للنشاط الاقتصادي والاستثماري.

اما على مستوى القضايا الإقليمية قال السفير روداكوف أنه "كان لروسيا دورٌ حاسم في دحر تنظيم "داعش" على الأراضي السورية". و"وقف تقدّم العصابات الإرهابية باتجاه الأراضي اللبنانية". وعن مستقبل العلاقات مع سوريا بعد تغيير السلطة قال"أن موقف روسيا الثابت في دعم وحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضيها يبقى من دون أي تغيير". و"أن القيادة السورية الجديدة تدرك تمامًا أهمية بناء علاقات متينة مع موسكو".

وعن الظروف التي تحكمت بوجود الجيشين الروسي والأميركي في سوريا كشف:"قبل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كان هناك تواصل منتظم بين العسكريين الروس والأميركيين في سوريا، تمثّل في آلية تنسيق تُعرف باسم "آلية منع التضارب" (deconflicting mechanism)"، وقد أثبتت هذه الآلية فاعليتها العالية في تنظيم العمليات وتفادي الحوادث الميدانية. وقد قيّم الجانبان هذه التجربة بشكل إيجابي"

وعن مأساة اسقاط الطائرة الروسية المخصصة للمراقبة والاستطلاع "ايل 20" بصاروخ سوري صديق قال: ان "المأساة عام 2018 كانت نتيجة عمليات استفزازية نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي. وهي ممارسة لم تكن نادرة من قبل الجيش الإسرائيلي".

وعن احداث الساحل السوري قال ان "العالم اهتز بأسره جراء هذه الأحداث المروّعة التي شهدها الساحل العلوي ومحافظة كما في السويداء الدرزية بعد تغيير السلطة في سوريا. ومن المهم جدًا أن تُمثّل السلطة المركزية جميع مكونات الشعب".

اما على مستوى العناوين الدولية اتهم روداكوف "الطغمة النازية" التي استولت بصورة غير شرعية على السلطة في البلاد أشعلت الحرب ضد السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، قبل العملية العسكرية الخاصة. وبعد سنواتٍ من المحاولات الفاشلة لإيجاد تسوية سلمية للنزاع، اتخذت روسيا قرارها بإطلاق العملية".

وعما انتهت إليه "قمة الاسكا" بين الرئيسين بوتين وترامب قال روداكوف كان "محطة مهمة إذ تمخّضت عنه دفعة قوية نحو التوصل إلى تفاهماتٍ تُمهّد لانتقال مسار حلّ النزاع في أوكرانيا إلى الإطار السياسي – الدبلوماسي السلمي. وأن روسيا تواصل اتصالاتها المنتظمة مع الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه، على الرغم من محاولات العسكريين الأوروبيين اليائسة إفشال الجهود السلمية التي يبذلها الرئيس ترامب.

وعن "قمة بكين" التي اوحت بنوع من الحلف بين روسيا والصين، قال انها تهدف الى "تعزيز التحالف الاستراتيجي بينهما بصورة منتظمة ومستمرة. وتستند إلى أسسٍ طبيعية نابعة من الجغرافيا".

وهل يعتقد ان القوانين والمواثيق الدولية في خطر جدي بعدما انتهكت في أكثر من منطقة في العالم قال روداكوف "إن روسيا تُؤكد بحزم ضرورة التزام جميع أعضاء المجتمع الدولي التزامًا صارمًا بمبادئ الشرعية الدولية، التي يُشكّل ميثاق الأمم المتحدة حجر الزاوية فيها".

وفي ما يلي وقائع المقابلة مع السفير الروسي في بيروت الكسندر روداكوف كاملة

العناوين الداخلية

*منذ ان كلفت بمهمة رئاسة بعثة روسيا في لبنان ما هي أهم المحطات التي يمكن التوقف عندها؟ وكيف تقيم هذه التجربة حتى اليوم؟

- الجمهورية اللبنانية - هي دولة فريدة بطبيعتها، تحمل طابعًا خاصًا في ثقافتها وتاريخها وحياتها السياسية. ولكن مع الأسف الشديد، فهي تتأثر بدرجة كبيرة بالاضطرابات وعدم الاستقرار السائدين في المنطقة.

من أبرز الأحداث التي طبعت فترة وجودي في لبنان كانت العمليات العسكرية التي اندلعت عام 2024. وقبل تلك الأحداث، كان طاقم السفارة الروسية في بيروت، جنبًا إلى جنب مع اللبنانيين، يعيش تجربة تفشي جائحة كورونا. أما قبل ذلك، فكنا قد انشغلنا بمعالجة آثار الانفجار المروّع في مرفأ بيروت عام 2020. وخلال كل تلك المراحل، قدّمنا للبنانيين مساعدات إنسانية ودعمًا متواصلاً.

أما في المرحلة الراهنة، تجدر الإشادة بقدرة القوى السياسية اللبنانية على التوافق في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، والمضي قدمًا في طريق الإصلاح والتغيير. نأمل أن تسمح بوادر الاستقرار التي بدأت تلوح في الأفق، بتحقيق آفاق جديدة في العلاقات الروسية – اللبنانية في المستقبل القريب.

*سعيت بكل قواك من اجل تحسين ورفع مستوى العلاقات في لبنان وروسيا على جميع المستويات. فهل من احصائيات محددة أو أرقام يمكن الإشارة اليها؟ وهل من تجربة جديدة لم تعيشها في بلد آخر؟

- من حقّ أيّ دولة أن تمتلك الحرية الكاملة في بناء علاقاتها الخارجية والاقتصادية على النحو الذي يخدم مصالحها الوطنية الخاصة. ومن وجهة نظري، فإن تجربة لبنان في هذا المجال لا تختلف عن تجارب سائر الدول. لكن من المهم، في الوقت ذاته، أن يكون الشركاء الدوليون مستعدين لحوارٍ متبادلٍ قائمٍ على الاحترام والمساواة، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف.

روسيا تنطلق من هذه المبادئ تحديدًا، وتبقى منفتحة على التعاون الصادق والبنّاء مع الجانب اللبناني، بما في ذلك مع ممثلي الأوساط الاقتصادية المحلية. ونحن ننتظر حاليًا ردّ بيروت الرسمي على المقترح الخاص بعقد الاجتماع المقبل للجنة الحكومية الروسية – اللبنانية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، وهي الهيئة المكلّفة بدراسة وتحديد سبل تعزيز وتوسيع التعاون الثنائي بين بلدينا.

*من الواضح أن موسكو تحتفظ بهامش كبير من عدم التدخل مباشرة في الشؤون الداخلية اللبنانية على عكس بعض الدول، فكيف تفسر غيابكم عن بعض المجموعات الديبلوماسية (انتم خارج الخماسية الديبلوماسية مثلا). وهل صحيح ما تسربت عن التراجع عن فكرة توسيعها الى سداسية بضمكم او سباعية بضم ايران اليها؟ وان كان الجواب إيجابيا لماذا؟

- إن مبدأ عدم التدخّل ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول يقرّان بأنه لا يحق لأي طرفٍ أن يفرض إرادته على أعضاء المجتمع الدولي الآخرين. أما بالنسبة إلى ما يُعرف بـ "اللجنة الخماسية" الخاصة بلبنان، فنحن ننظر إليها على أنها تجمّع عملٍ تنسيقي يضمّ مجموعة من الدول التي تتحرّك ضمن فلك المصالح الأمريكية. في المقابل، تؤكد روسيا على موقفها الثابت الداعي إلى تمكين اللبنانيين من تقرير توجهات سياستهم الوطنية بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي.

وفي الوقت نفسه، هناك تعاون فعّال وبنّاء بين روسيا ولبنان في المحافل الدولية المتعددة الأطراف، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة. يشمل هذا التعاون، على سبيل المثال، التنسيق في ما يتعلق باعتماد قرارات مهمة أو دعم الترشيحات المتبادلة لشغل مناصب في الهيئات الدولية. وعند بحث مسألة تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، استندنا في موقفنا إلى رأي الجانب اللبناني. من جانبنا، نتوقّع أن يواصل لبنان دعمه لمشروع القرار الروسي السنوي في الأمم المتحدة بشأن مكافحة تمجيد النازية.

وبصورة عامة، تبقى روسيا منفتحة وجاهزة للنظر بعناية في أي طلب رسمي لبناني للحصول على المساعدة في معالجة القضايا المطروحة على جدول أعمال لبنان، بما في ذلك ضمن إطار التعاون مع أعضاء آخرين في المجتمع الدولي.

* كلف الجيش منذ آب الماضي بمهمة حصر السلاح بالجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية واحتكار قرار الحرب والسلم؟ فهل من رأي في هذا الموضوع؟

- لقد حظي هذا القرار بدعمٍ من جميع اللبنانيين، بمن فيهم قيادة حزب الله نفسها، التي لا بدّ لها أن تقطع طريقًا طويلًا من التحوّل من حركة ذات طابع عسكري إلى قوة سياسية بحتة تمثّل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني المتعدد الطوائف.

أما القضية الجوهرية فتتمثل في كيفية تنفيذ قرار نزع السلاح في ظلّ استمرار الاعتداءات العسكرية ضد أبناء الطائفة الشيعية، إلى جانب استمرار احتلال مساحات واسعة تقطنها تقليديًا مجموعات شيعية في الجنوب اللبناني. ولقد شهدنا جميعًا، في الآونة الأخيرة، أمثلة دامية جديدة على التطهير العرقي في منطقة الشرق الأوسط، تظهر بوضوح ما قد يحدث حين تعجز دولة عن حماية مواطنيها.

إننا نرى أن السبيل الأساسي لمعالجة هذا الملف المعقد يتمثل في الالتزام الصارم من جميع الأطراف بالاتفاقات السلمية المبرمة بين إسرائيل ولبنان، استنادًا إلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

*لعبت موسكو دورا كبيرا في مساعدة اللبنانيين في مواجهة الاستحقاقات الكبرى من تفجير مرفأ بيروت الى الازمة المالية وصولا الى المساعدات الغذائية لعائلات العسكريين وتعزيز قدرات الجيش ما هي حدود هذه المساعدات؟

- إن روسيا لا تربط تقديم مساعداتها الإنسانية بأي شروط أو متطلبات سياسية. ففي منظومة القيم الروحية والأخلاقية الروسية التقليدية، يُعتبر من الطبيعي أن يُقدِّم الإنسان الدعم لجاره في أوقات الشدة، ولا يمكن أن تكون هناك حدود أو استثناءات في هذا المجال.

لقد قدّمنا المساعدة في إزالة آثار انفجار مرفأ بيروت، و ساهمنا في تأمين اللقاحات ضد فيروس كورونا، كما دعمنا القوات المسلحة اللبنانية. نواصل كذلك تقديم منح دراسية مجانية للطلاب اللبنانيين الراغبين في متابعة دراستهم في الجامعات الروسية. ومؤخرًا، ومن خلال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سلّمت روسيا أكثر من 350 طنًّا من زيت دوّار الشمس الغني بالفيتامينات.

وسيتم توزيع هذه الدفعة الجديدة من المساعدات على نحو 130 ألف أسرة، من أهالي تلامذة المدارس الرسمية اللبنانية. وستبقى روسيا مستعدة لمواصلة دعم أصدقائها اللبنانيين، وفقًا للإمكانات المتاحة وبروح التضامن الإنساني الصادق.

*انسحبت شركة “نوفاتك” الروسية، من "كونسورتيوم" الشركات المتعهدة للأنشطة النفطية في الرقعتين (البلوكين) 4 و9 في المياه البحرية اللبنانية بحصّتها البالغة 20 في المئة لصالح قطر، وتردد انكم احتفظتم بحق البحث عن النفط في المياه الإقليمية السورية ما هو الجديد على هذا المستوى؟ وهل صحيح ان مشاريعكم انطلقت في سوريا أم جمدت؟

- إن الشركات الروسية هي التي تحدد بشكلٍ مستقل الجدوى الاقتصادية من مشاركتها في أي مشروع دولي، آخِذةً في الاعتبار مجموعة واسعة من العوامل، من بينها أيضًا التقييمات التي تقدمها السفارات الروسية في الدول المعنية.

اتخذت شركة «نوفاتِك» (NOVATEK) قرارها بالانسحاب من اتفاقية استكشاف حقول الهيدروكربونات اللبنانية، في ظلّ الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة التي كان يشهدها لبنان خلال النصف الثاني من عام 2022. نأمل أن تسود في المستقبل بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا وهدوءًا في لبنان، بما يتيح إطلاق مشاريع جديدة تحقق المنفعة المتبادلة للطرفين.

أما في سوريا، فإن العمليات القتالية الجارية لم تكن، بطبيعة الحال، ملائمة للنشاط الاقتصادي والاستثماري. ومع ذلك، فإن روسيا تمكّنت من إقامة حوار بنّاء مع السلطات السورية الجديدة حول مجموعة واسعة من القضايا، من بينها التعاون التجاري والاقتصادي.

العناوين الإقليمية

*لعبت موسكو دورا عسكريا كبيرا في الحرب السورية ونجحت في مواجهة الإرهاب ودحرت "داعش" بعد أن بلغت مجموعاتها الساحل السوري، والقضاء عليها منذ خريف العام 2016؟ أين هي اليوم مما يجري فيها؟

- فعلاً، لقد كان لروسيا دورٌ حاسم في دحر تنظيم "داعش" على الأراضي السورية. فقد تمكّن الجنود الروس من وقف تقدّم العصابات الإرهابية باتجاه الأراضي اللبنانية، الأمر الذي أسهم في حماية لبنان من خطر مباشر آنذاك.

بعد تغيير السلطة الذي جرى في سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2024، لا تزال البلاد تعيش في حالة من الاضطراب الشديد. ومع ذلك، فإن موقف روسيا الثابت في دعم وحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية يبقى من دون أي تغيير. كذلك من الواضح أن القيادة السورية الجديدة تدرك تمامًا أهمية بناء علاقات متينة مع موسكو. وقد تجسّد الاهتمام المتبادل بين الجانبين في سلسلة من اللقاءات والاتصالات رفيعة المستوى التي جرت مؤخرًا. إننا نواصل عملنا في هذا الاتجاه بروح الشراكة والتفاهم المتبادل.

* اتهمت موسكو بالتغاضي عن الهجمات والغارات الاسرائيلية على سوريا وقد فقدت احدى طائراتها المكلفة بالمراقبة والإستطلاع بـ "صاروخ صديق" وقتل جميع أفرادها. وهل صحيح انكم طلبتم اعتذارا اسرائيليا عندما استخدمت طائراتها مسار الطائرة الروسية. فهل تم ذلك إن كان صحيحا؟

- في عام 2018 وقعت مأساة في الأجواء السورية أدّت إلى مقتل 15 عسكريًا روسيًا.

فقد تم إسقاط طائرة الاستطلاع الإلكتروني الروسية من طراز «إيل-20» عن طريق الخطأ بواسطة الدفاعات الجوية السورية، وذلك نتيجةً لأعمالٍ استفزازية نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي. وقد أشارت روسيا مرارًا وتكرارًا إلى الجانب الإسرائيلي بوجوب الامتناع عن استخدام الطائرات الروسية كـ «درعٍ بشري» أثناء تنفيذ الهجمات الجوية على أهداف داخل الأراضي السورية، وهي ممارسة لم تكن نادرة من قبل الجيش الإسرائيلي. فيما بعد، قدّمت إسرائيل تعازيها بالأرواح التي فُقدت، وقدّمت أيضًا تفسيراتها الرسمية بشأن هذا الحادث المؤلم.

* لعبتم دورا كبيرا في تنظيم الأجواء السورية لتحاشي أي مواجهة مع قوات الحلف الدولي ضد الإرهاب. هل تعتقد أنها كانت تجربة ناجحة؟

- قبل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كان هناك تواصل منتظم بين العسكريين الروس والأمريكيين في سوريا، تمثّل في آلية تنسيق تُعرف باسم "آلية منع التضارب" (deconflicting mechanism)"، وقد أثبتت هذه الآلية فاعليتها العالية في تنظيم العمليات وتفادي الحوادث الميدانية. وقد قيّم الجانبان هذه التجربة بشكل إيجابي. نحن في روسيا نؤيد دائمًا إقامة قنوات اتصال وتبادل معلومات، والبحث عن حلول عبر الحوار الدبلوماسي لأي قضية مطروحة على الساحة الدولية.

كذلك يمكن الإشارة إلى أن هذه الآلية لم تُلغَ رسميًا حتى الآن، ولا يُستبعد أن يُصار إلى تفعيلها مجددًا في المستقبل عند الحاجة.

* سقط نظام بشار الأسد بطريقة لم يشرح أحد تفاصيلها بعد، ونال الاسد حق اللجوء الإنساني لديكم وقيل ان روسيا نقلته بإحدى طائراتها الى موسكو. هل صحيح هذا الأمر ولماذا سقط النظام بهذه الطريقة وبدون أي مقاومة؟

- أعتقد أنّه في هذه المرحلة الحساسة من حياة المجتمع السوري، سيكون من غير المناسب تمامًا إصدار تقييماتٍ علنية لتلك الأحداث. من الواضح أنّ سوريا استُنزفت بشريًا واقتصاديًا نتيجة العمليات القتالية الطويلة الأمد، فضلًا عن الآثار المدمّرة للعقوبات الاقتصادية غير المشروعة. وقد كان الشعب السوري يعيش في ظروفٍ شديدة القسوة، بينما امتنع معظم المانحين الدوليين آنذاك عن تقديم أي نوع من المساعدة الإنسانية. وللأسف، فإنّ وتيرة تقديم المساعدات لا تزال بطيئة حتى اليوم، إذ إنّ تقديم أي دعمٍ غالبًا ما يُربط بشروطٍ سياسية صارمة.

أما فيما يتعلّق بالرئيس بشار الأسد، فقد مُنح حقّ اللجوء في روسيا لدواعٍ إنسانية بحتة.

* قيل في الاندية الديبلوماسية ان تدمير الجيش السوري بعد سقوط نظام الأسد لإنهاء وجود أي سلاح روسي في المنطقة بعدما تحولت جيوش المنطقة الى السلاح الأميركي خصوصا والغربي عموما. هل يصح هذا القول وما هي جديته؟ وما هي الغاية برأيكم؟

- إن الشركات الغربية المنتجة للسلاح تسعى، بأسلوبٍ عدواني، إلى الاستحواذ على أسواقٍ جديدة لتصريف منتجاتها القاتلة. لهذا الغرض، تستخدم جميع الوسائل الممكنة، بما في ذلك التحريض على إشعال النزاعات الدولية، حيث يتم تزويد الأطراف المتحاربة من الجانبين، بالسلاح في آنٍ واحد.

ولا توجد أيّ قيودٍ أخلاقية تكبح هذا الجشع المفرط. الجميع يعرف المقولة الأمريكية الشهيرة: "لا شيء شخصي، إنها مجرد تجارة".

في هذا السياق، يُعدّ الشرق الأوسط بأسره، وسوريا على وجه الخصوص، لقمةً سائغة لهؤلاء التجّار الغربيين الانتهازيين الذين يملؤون جيوبهم بأرباحٍ تُلطَّخ بدماء شعوب المنطقة.

أما روسيا، فإنها تقدّم تعاونها العسكري - التقني على أسسٍ قانونيةٍ واضحة وطويلة الأمد، بهدف تعزيز سيادة الدول ورفع قدرات مؤسساتها الدفاعية والأمنية، في إطار مكافحة التحديات العالمية الخطيرة مثل الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.

× قيل الكثير من مساع لترميم العلاقة بين موسكو والسلطات السورية الجديدة وتبادلتم الزيارات على مستويات عدة عسكرية وديبلوماسية ولم تغادر سفارتكم دمشق. ما هو تقييمكم للوضع القائم اليوم؟

      - إن الوضع في سوريا لا يزال بعيدًا عن مرحلة الاستقرار الكامل. فما زال عدد من القضايا الجوهرية غير محسوم، منها مسائل بناء الدولة والنظام الوطني، وإعادة الإعمار الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب والتطرف.

وكما في السابق، تبقى روسيا مستعدة للمساهمة في البحث عن سبلٍ لتجاوز هذه التحديات وغيرها التي يواجهها المجتمع السوري اليوم. أما من جانب السلطات السورية الجديدة، فإننا نتلقّى إشارات واضحة تؤكد إدراكها لأهمية الدور التقليدي الذي تضطلع به روسيا في تسوية النزاعات في منطقة الشرق الأوسط.

لهذا السبب، فإن زملاءنا العاملين في سوريا يواصلون أداء واجبهم المهني بشجاعة وإخلاص، مساهمين في ترسيخ جهود الاستقرار والسلام.

* نقل عن مسؤولين سوريين انهم ملتزمون بالاتفاقيات السابقة التي تشرع قواعدكم الجوية والبحرية في سوريا. ما هي جدية هذا الكلام؟

- نُدرك تمامًا اهتمام جمهوركم بهذه المسألة، وهي بالفعل قضية ذات أهمية خاصة. إن مسائل استمرار التعاون العسكري - التقني بين روسيا وسوريا لا تزال قيد الدراسة من الجانبين. في هذا الإطار، تقدّمت روسيا باقتراح يقضي باستخدام نقاط الإمداد والدعم المادي-التقني الروسية الموجودة على الأراضي السورية لتكون بمثابة مراكز لوجستية لتسليم وتوزيع المساعدات الإنسانية الدولية للسكان السوريين المحتاجين.

*يتردد حديث في الكواليس الديبلوماسية أن لروسيا ديونا على سوريا بعشرات المليارات من الدولارات هل صحيح هذا الكلام؟

- من الطبيعي أن يكون السفير الروسي في لبنان على اطلاعٍ واسعٍ ومفصّلٍ على مختلف جوانب العلاقات الروسية – اللبنانية، وهذا يدخل في صميم مهامه الدبلوماسية.

أما في ما يتعلّق بسوريا، فبحسب تقديري، ومع الأخذ بعين الاعتبار حجم المساعدات الهائلة التي قدّمتها روسيا للشعب السوري طوال سنوات الحرب وفي ظل العقوبات الغربية، فإن الحديث عن أي "دين" أو "التزام غير منجز" من جانب روسيا تجاه سوريا لا يمكن أن يصدر إلا عن الحاسدين أو أولئك الذين ما زالوا لا يتمنّون للشعب السوري الخير والسلام والاستقرار الذي طال انتظاره على أرضه.

* يجري الحديث عن دور روسي جديد بشأن منطقة الساحل السوري، هل اطلعتم على تقارير اللجنة الخاصة بالتحقيق في الانتهاكات التي شهدتها المنطقة خصوصا وسوريا عموما؟ وهل تخشون فعلا من تقسيم سوريا؟

- لقد اهتزّ العالم بأسره جراء الأحداث المروّعة التي شهدها الساحل العلوي ومحافظة السويداء الدرزية بعد تغيير السلطة في سوريا. وتتوفر شهاداتٌ تؤكد أن عمليات التطهير العرقي لا تزال مستمرة حتى اليوم، وإنْ كانت على نطاقٍ أضيق. من المهم جدًا أن تُمثّل السلطة المركزية في أي دولة مصالح جميع مكونات الشعب، وأن تكون قادرة على حمايتهم وضمان المساواة في الحقوق والفرص بين جميع المواطنين.

تَرِد بعض المعلومات عن محاولاتٍ لتقسيم سوريا والاستيلاء على أجزاءٍ من أراضيها واحتلالها، وهي محاولات ناتجة عن تنفيذ مشاريع جيوسياسية عدوانية تتعارض بوضوح مع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة. في هذا السياق، أودّ التنبيه مجددًا إلى القضية الفلسطينية، إذ إن عدم إيجاد حلٍّ عادلٍ لها يشكّل السبب الجوهري لغالبية النزاعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط.

وفي جميع الأحوال، فإننا نتمنى للشعب السوري عودة الاستقرار الكامل في أقرب وقت ممكن إلى جميع أراضيه.

 العناوين الدولية

*اعتبرتم أنه لم يكن هناك بد من "العملية الخاصة" الجارية في أوكرانيا منذ شباط 2022 ضمانا للأمن القومي واستعادة مناطق روسية. ما الذي انتهت إليه العملية حتى اليوم وهل تعتبر من أطول الحروب في التاريخ الحديث؟

- إن الحرب ضد السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا أشعلتها الطغمة النازية التي استولت بصورة غير شرعية على السلطة في البلاد، وكان ذلك قبل فترة طويلة من بدء العملية العسكرية الخاصة. وبعد سنواتٍ من المحاولات الفاشلة لإيجاد تسوية سلمية للنزاع، اتخذت روسيا قرارها بإطلاق العملية، وكانت تحركاتها متوافقة تمامًا مع ميثاق الأمم المتحدة، بكل ما يتضمنه من مبادئ وترابط بين أحكامه.

حتى هذه اللحظة، تم تحرير معظم أراضي الأقاليم الجديدة التابعة لروسيا. ومع تقدّم القوات الروسية بثباتٍ على طول خط الجبهة، يتحقق تقدّمٌ موازٍ نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في ضمان الأمن القومي الروسي. إن جميع العمليات تُنفَّذ بالتزام الصارم بقواعد القانون الإنساني الدولي، حيث تستهدف الضربات العسكرية المنشآت العسكرية والبنى التحتية فقط.

أما فيما يخص التفاوض حول إنهاء العملية، فقد عرضت روسيا الدخول في مفاوضات منذ بدايتها. غير أنّ القوى الأوروبية ذات النزعة العسكرية، وكما حدث سابقًا مع اتفاقات مينسك، لا تسعى إلى السلام. يكمن جوهر المشكلة في محاولات أوروبا المزمنة لحلّ أزماتها الداخلية عبر تحميل مسؤولية إخفاقاتها لعدوٍّ خارجيٍ متخيَّل.

* كانت أوكرانيا على اول جدول أعمال "قمة الاسكا" بين الرئيسين بوتين وترامب، ما الذي انتهت إليه في هذا الشأن؟

- لقد شكّل اللقاء الأخير بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة في ألاسكا محطة مهمة، إذ تمخّضت عنه دفعة قوية نحو التوصل إلى تفاهماتٍ تُمهّد لانتقال مسار حلّ النزاع في أوكرانيا إلى الإطار السياسي – الدبلوماسي السلمي. في الوقت الراهن، تواصل روسيا اتصالاتها المنتظمة مع الإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه، على الرغم من محاولات العسكريين الأوروبيين اليائسة إفشال الجهود السلمية التي يبذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

* وأين هو موقع لبنان فيها هل كان لنا حضور بشكل من الأشكال من ضمن قضية الشرق الأوسط أو بشكل منفرد؟

- في المرحلة الراهنة، ينشغل لبنان بالكامل في معالجة مشاكله الداخلية، التي تتوزّع بين التحديات المحلية والضغوط الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك، تحرص بيروت، وفق تقليدها الدبلوماسي المعروف، على النأي بنفسها عن النزاعات الدائرة خارج الإطار الإقليمي المباشر.

* انتهت "قمة بكين" الأخيرة الى نوع من الحلف بين روسيا والصين، فهل من معالم لمثل هذا الحلف وهل من شركاء كإيران مثلا؟

- إن الخطوات الهادفة إلى تعزيز التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين تُتخذ بصورة منتظمة ومستمرة. وتستند علاقات الصداقة بين بلدينا إلى أسسٍ طبيعية نابعة من الجغرافيا، وإلى جذورٍ تاريخية وثقافية وإنسانية عميقة. تُعدّ موسكو وبكين من أبرز الفاعلين على الساحتين الدوليتين، السياسية والاقتصادية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 نحو 245 مليار دولار أمريكي، وهو رقم يعكس النمو المطّرِد في مجالات التعاون الاقتصادي. كما يجري تنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع الكبرى، ويُفتَح آفاقٌ جديدة للتعاون المتبادل المنفعة. ونحن نستعدّ لإلغاء نظام التأشيرات بين البلدين، وقد قامت السلطات الصينية بالفعل بمنح هذه الأفضلية لمواطني روسيا.

ما يجمع بين روسيا والصين، إلى جانب المصالح الاقتصادية والسياسية، هو رؤية مشتركة لكيفية بناء نظامٍ عالميٍّ عادلٍ وديمقراطيٍّ ومتوازن. وهذه الفلسفة يتقاسمها عدد كبير من دول العالم، لا سيّما الدول المستقلة في الجنوب والشرق العالميَيْن، التي تُعدّ شركاء وحلفاء لروسيا في السعي إلى إرساء هذا النظام الدولي الجديد القائم على المساواة والاحترام المتبادل.

*هل من استراتيجية روسية ثابتة تجاه الاحداث الدولية وهل تعتقد ان القوانين والمواثيق الدولية في خطر جدي بعدما انتهكت في أكثر من منطقة في العالم؟

- إن روسيا تُؤكد بحزم ضرورة التزام جميع أعضاء المجتمع الدولي التزامًا صارمًا بمبادئ الشرعية الدولية، التي يُشكّل ميثاق الأمم المتحدة حجر الزاوية فيها.

في المقابل، نُلاحظ أنّ الدول الغربية تنتهك بصورةٍ ممنهجة هذه الأسس القانونية الدولية، بل وتُحاول تأويل نصوص الميثاق وروحه على نحوٍ يخدم مصالحها الجيوسياسية الخاصة. وأكثر من ذلك فقد باتت بعض المواد تُفسَّر بشكلٍ انتقائي ومتحيّز، بينما تُبذل محاولات لاستبدال الميثاق ذاته بما يسمّى "قواعد" جديدة، لم تُعتمد يومًا ولم يطّلع عليها أحد. من الواضح أنّ مثل هذه الممارسات تُشكّل تهديدًا مباشرًا للنظام الدولي القائم.

في هذا السياق، تنضمّ روسيا إلى عددٍ من الدول المتفقة في الرؤية داخل "مجموعة الأصدقاء في الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة". وتزداد مكانة هذه المجموعة الدولية عامًا بعد عام، إذ باتت تُعبّر بوضوح عن مصالح "الأغلبية العالمية"، وتُدافع عن ثوابت الميثاق ومبادئه وأهدافه الأساسية في ترابطها الكامل. كما تُشير المجموعة إلى الممارسات غير النزيهة للدول الغربية التي تحاول الحفاظ على هيمنتها ومنع نشوء مراكز جديدة للقوة الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.


المنشورات ذات الصلة