تشهد إسرائيل في السنوات الأخيرة ظاهرة تصاعدية مقلقة في معدلات الهجرة إلى الخارج، وفق ما كشفه تقرير خاص أعدّه مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، عشيّة جلسة طارئة في لجنة الهجرة والاستيعاب.
التقرير، الذي يستند إلى بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، يرسم صورة غير مسبوقة عن حجم المغادرة الجماعية، خصوصًا في عامي 2022 و2023، إذ غادر أكثر من 82,700 شخص إسرائيل في عام 2023 وحده، مقارنة بـ55,300 في 2022، ما يشكّل قفزة بنسبة أكثر من 50% خلال عام واحد.
ما يزيد من خطورة الأرقام بحسب التقرير، هو أن أكثر من 40% من المغادرين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عامًا، أي الفئة الأكثر حيوية من حيث القدرات الإنتاجية، والتعليم، والانخراط في سوق العمل.
التقرير كشف عن أن 54% من هؤلاء المغادرين يحملون تعليمًا يفوق 13 سنة دراسية، وربعهم تقريبًا حاصلون على شهادات جامعية كاملة، ما يعني أن إسرائيل تخسر سنويًا جزءًا مهمًا من نخبتها الأكاديمية والتقنية.
المفارقة اللافتة هي أن نصف المغادرين عام 2022 هم من المهاجرين الجدد أنفسهم، ممن دخلوا إسرائيل مؤخرًا، وقرروا تركها مجددًا بعد أشهر قليلة فقط، بل إن 62% منهم غادروا في نفس سنة هجرتهم الأولى، ما يطرح تساؤلات جدية حول فشل برامج الاندماج والاستيعاب.
يعيد التقرير الارتفاع الكبير في معدلات الهجرة إلى تصاعد الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي السابق خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية. لكن المفاجأة أن كثيرين ممن وصلوا من أوروبا، قرروا العودة مجددًا، ما يشير إلى إخفاق كبير في جعل "أرض الميعاد" وجهة استقرار طويلة الأمد.
أما من حيث التوزيع الجغرافي، فإن مدينتَي تل أبيب ومنطقة الوسط تصدّرتا المشهد، بنسبة 54% من المغادرين، وهما منطقتان تعانيان من أعلى مستويات المعيشة وكلفة السكن في إسرائيل.
مدينة تل أبيب - يافا وحدها سجلت خروج أكثر من 11,000 شخص عام 2024، وهو رقم يقارب ضعف أي مدينة إسرائيلية أخرى، تلتها حيفا، نتانيا، القدس، وأسدود.
في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل الترويج لنفسها كمركز للتكنولوجيا والعلم، تُظهر هذه الأرقام اتجاهًا معاكسًا تمامًا: هجرة العقول والكفاءات، وانخفاض في عدد العائدين إلى البلاد، الذي بقي ثابتًا عند نحو 24,000 شخص سنويًا، مقابل عشرات الآلاف المغادرين.
ومعظم هؤلاء العائدين من فئة وُلدت خارج إسرائيل أساسًا، ما يعني أن "المهاجرين الجدد" لا يتحوّلون بالضرورة إلى "مواطنين دائمين"، في مشهد يعيد طرح أسئلة عميقة حول الهوية، والانتماء، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.