خاص – "إيست نيوز"
بقلم الدكتور سليم الزيبق أستاذ جامعي متقاعد جامعة ستراسبورغ - فرنسا
تلعب قوانين الانتخابات النيابية دورا أساسيا في تكوين الأنظمة السياسية لكونها تُشكل الإطار القانوني للتمثيل الديموقراطي. فتنظيم الانتخابات الحرة بشكل دوري هو المعيار المُعتمد على الصعيد الدولي لتقييم الطابع الديموقراطي للنُظم السياسية. غير ان اقتران الانتخابات بالديموقراطية لا يعني ان القوانين الانتخابية بمنأى عن التأثيرات والمصالح السياسية.
سُئل يوما النائب الفرنسي اندريه سانتيني، المشهور بخفة ظله، "ما هو أفضل نظام انتخابي؟"، فكان جوابه:" ان أفضل نظام انتخابي هو الذي يضمن لي الفوز". يفسر هذا الجواب لعبة شد الحبال والسجالات بين القوى السياسية حول مسالة اقتراع المغتربين، بينما لا تتورع هذه القوى عن الادعاء بان هذا التباين في مقاربة الموضوع يهدف الى تمثيل حقيقي لإرادة المغتربين.
ضمن إطار هذا التباين تنقسم القوى السياسية الى فريقين: فريق لايزال يؤيد استحداث دائرة انتخابية سادسة عشر، حيث يتم انتخاب ستة نواب يمثلون المغتربين، طبقا لنص المادتين 112 و122 من القانون رقم 44 الصادر بتاريخ 17/6/ 2017، وفريق اخر يطرح الغاء هاتين المادتين لكي يقترع المغتربون ل 128 نائبا، على غرار ما حصل، بصورة استثنائية، في انتخابات سنة 2018 وسنة 2022. فبعد ان منحت المادة الثالثة من القانون حق التصويت للمغتربين، نصت المادة 122 منه على ان تُضاف ستة مقاعد لغير المقيمين الى عدد النواب ليصبح 134 نائبا في الدورة الانتخابية لسنة 2022، التي ستجري وفق هذا القانون. وفي الدورة اللاحقة (أي دورة سنة 2026) يُخفض ستة مقاعد من عدد النواب الى 128 من نفس الطوائف التي خُصصت لغير المقيمين. ويتم توزيع هذه المقاعد بالتساوي بين القارات الست وبين المسيحيين والمسلمين بحيث يُعطى مقعد واحد لكل من الموارنة، والأرثوذكس، والكاثوليك، والسنة، والشيعة، والدروز.
الا ان الأمور لم تسر كما هو مخطط لها. ففي 3 تشرين الثاني 2021 تم اصدار قانون رقم 8/2021 يقضي بتعليق العمل، لمرة واحدة، بالمادتين 112 و122 من القانون رقم 44/ 2017، على ان يتم العمل بهما في انتخابات سنة 2026. وهذا ما يفسر إصرار الأطراف السياسية المناهضة لهذا النظام على تقديم اقتراحات القوانين المعجلة والعرائض النيابية وحتى مقاطعة الجلسات النيابية بهدف الغاء هاتين المادتين.
مما لا ريب فيه ان الانعكاسات المباشرة لقانون الانتخاب على حجم التمثيل في مجلس النواب، ادت الى تداخل الابعاد القانونية والسياسية في الحجج المُساقة من طرفي النزاع. لذلك وحرصا منا على وضوح البحث، سنبدأ بدراسة الابعاد القانونية (I)، قبل الانتقال الى الابعاد السياسية (II).
I - الابعاد القانونية
تتمحور هذه الابعاد حول مسألتين: الطبيعة القانونية لصلاحية رئيس المجلس ودستورية المادة 112 من قانون الانتخاب رقم 44/2017.
1- صلاحية رئيس مجلس النواب: استنسابية ام مقيدة؟
ضمن إطار النزاع السياسي حول مسالة اقتراع المغتربين، وقّع 61 نائبا معارضا لاستحداث ستة مقاعد خاصة بالمغتربين، على عريضة تحث رئيس المجلس على ان يطرح على الهيئة العامة اقتراح قانون مُعجل مُكرر يُلغي هذه المقاعد. إثر رفض رئيس المجلس لهذا الطلب بدأت بعض الأصوات النيابية تطالب الحكومة بوضع مشروع قانون مُعجل مُكرر طبقا للمادة 58 من الدستور، لتجاوز معارضة رئيس المجلس. لذلك، يتعين بيان ما إذا كانت صلاحية رئيس المجلس في هذا المجال صلاحية استنسابية ام صلاحية مقيدة، وذلك فيما يتعلق بالعريضة النيابية او ضمن إطار المادة 58 من الدستور.
العريضة النيابية
تنص المادة 46 من النظام الداخلي على ما يلي:" تدرس هيئة مكتب المجلس العريضة... وتقرر اما حفظها او احالتها على اللجنة الدائمة المختصة ... ولها ان تعرضها على المجلس بهيئته العامة". يتضح مما تقدم ان مكتب المجلس يتمتع بسلطة استنسابية واسعة فيما يتعلق بمصير العرائض. كذلك تجدر الإشارة الى انه طبقا لمنطوق هذه المادة، تمت إحالة العريضة الآنفة الذكر على اللجنة النيابية المختصة.
ان توقيع 61 نائبا على العريضة يمنحها، بلا ريب، ثقلا معنويا كبيرا ويزيد من قوة تأثيرها السياسي. الا ان ذلك لا يؤثر مطلقا على الطبيعة القانونية لصلاحيات هيئة مكتب المجلس.
- المادة 58 من الدستور.
فيما يتعلق بدعوة الحكومة الى استعمال المادة 58 من الدستور، من الصعب القول ان هذه الوسيلة تؤدي الى تجاوز معارضة رئيس المجلس. فهذه المادة تنص على ان:" كل مشروع قانون تقرر الحكومة كونه مستعجلا ... يمكن لرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يوما من "طرحه" على المجلس، وبعد ادراجه في جدول اعمال جلسة عامة وتلاوته فيها ومضي هذه المهلة دون ان يبت فيه، ان يصدر مرسوما قاضيا بتنفيذه..."
ان كل مُتابع للحياة النيابية اللبنانية يعلم مدى الشعور بالمرارة الذي عانته السلطة التشريعية من هذه المادة، بحيث أصبحت، بعد سنة 1958، من الطرق العادية لإصدار القوانين. اذ كانت الحكومات تُغرق المجلس النيابي بمشاريع القوانين المستعجلة، ثم تنشرها بعد مرور 40 يوما من تاريخ تسجيلها في قلم المجلس. وتخلل هذه المرارة شعور بالغبن الطائفي وبالاستخفاف بالبرلمان وبرئيسه الشيعي من قبل السلطة التنفيذية برأْسَيْها الماروني والسني (حول استياء الرئيسان كامل الاسعد وحسين الحسيني من هذا الغبن، انظر بشارة منسّى، الدستور اللبناني، احكامه وتفسيرها ص.353 وما يليها).
في جلسة مجلس النواب الذي أقر فيها دستور الطائف اقترح الأستاذ بطرس حرب تعديل المادة 58 كما يلي:" كل مشروع قانون تُقرر الحكومة كونه مستعجلا ... "يجب" تلاوته في اول جلسة يعقدها مجلس النواب...". بالنسبة للأستاذ حرب يجب ان " لا نترك للحكومة ان تتحكم فينا ولا نتحكم فيها نحن ... فعندما ترسل الحكومة مشروعا معجلا... ساعة يشاء مكتب المجلس يضع هذا المشروع على جدول الاعمال او ساعة يشاء يضعه في الجارور". الا انه لم يُؤخذ بهذا الاقتراح بحجة ان الموضوع سيُحسم اثناء تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب (انظر خالد ملكي، الوثائق الدستورية اللبنانية، صادر، صفحة 311 وما يليها).
اثناء تعديل النظام الداخلي سنة 1991 جدد الأستاذ بطرس حرب اقتراحه لكي ا "ينام المشروع في ادراج المجلس سنة أو سنتين ...". الا ان الاقتراح اصطدم بمعارضة الرئيس الحسيني، الامر الذي دفع المرحوم خاتشيك بابكيان الى الخلاصة بقوله " ان طرح المشروع على المجلس غير مقيد بشيء"(انظر احمد زين، النظام الداخلي لمجلس النواب، صفحة 417 وما يليها). فالنظام الداخلي لايزال ينص في المادة 109: "للرئيس (وليس يجب) طرح الاقتراح او المشروع المعجل على المجلس في اول جلسة يعقدها بعد تقديمه..."، مما يُعطي رئيس المجلس صلاحية استنسابية تامة. مقابل هذه الحجة القانونية التي يتسلح بها دعاة المدافعين عن الدائرة الانتخابية الخاصة بالمغتربين تبرز الهشاشة الدستورية للنص الي يُنشئ هذه الدائرة.
2-دستورية المادة 112 من قانون الانتخاب "
إن المادة 112 من القانون رقم 44/2017، تشكل مخالفة صريحة للمادة 24 من الدستور التي تنص على توزيع المقاعد النيابية وفقا للقواعد التالية:
"أ- بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين،
ب- نسبيا بين طوائف كل من الفئتين،
ج- نسبيا بين المناطق."
لا ريب ان المناطق التي تشير اليها المادة 24 هي المناطق اللبنانية وليس القارات الست. كذلك فان الدستور اللبناني لا يشير الى إمكانية تمثيل المغتربين في مجلس النواب، وذلك خلافا للدستور الفرنسي الذي يُؤمّن ركيزة دستورية لاقتراع الفرنسيين في الخارج لاختيار 11 نائبا و12 عضوا في مجلس الشيوخ، عندما ينص في المادة 24 منه على مبدأ تمثيل الفرنسيين المقيمين خارج فرنسا في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
من المعلوم انه لم يتم الطعن في القانون رقم 44 /2017 امام المجلس الدستوري، مما أدى الى دخوله حيز التنفيذ بدون اي مراقبة. فهل من امل في ان يتمكن يوما المجلس الدستوري من مراقبة هذا القانون؟ للوهلة الأولى يبدو ان الجواب سلبي. فالفقرة الأخيرة من المادة 19 من قانون انشاء المجلس الدستوري تمنع قبول أي مراجعة تُقدم الى المجلس الدستوري بعد انقضاء "... مهلة خمسة عشر يوما تلي نشر القانون في الجريد الرسمية". الا انه تجدر الإشارة الى ان الاجتهاد الدستوري الفرنسي، خلافا للاجتهاد اللبناني، يسمح بمراقبة النصوص التشريعية النافذة في معرض مراقبته للقانون الذي يعدّلها او يكمّلها او يؤثر على نطاق تطبيقها.
(Cf. C.C.F. n° 85-187 DC du 25 janvier 1985).
(بالنسبة للاجتهاد اللبناني، انظر القرار رقم 16، 3 تشرين الأول 2025 المتعلق بقانون اصلاح المصارف)
فعلى امل ان يُطوّر المجلس الدستوري اللبناني اجتهاده بالنبة لهذه النقطة، يمكن القول انه في حال تعديل القانون 44 /2017 والطعن في قانون التعديل، ليس من المُسْتَبعد ان يُبطل المجلس الدستوري المواد المتعلقة بأنشاء الدائرة الانتخابية الخاصة بالمغتربين.
علاوة على هذه الإشكالات القانونية، ينبغي ان نتطرق، كما سبق ان أشرنا، الى الابعاد السياسية لموضوعنا، التي تثير من التعقيدات من المشاكل ما يفوق مما تقدمه من حلول.
II- الابعاد السياسية
لا ريب ان مشاركة المغتربين في العملية الانتخابية النيابية تشكل موضوعا ذا ابعاد سياسية عميقة ومتشعبة، نظرا لان هذه المشاركة تمسُ مباشرة حجم الجسم الانتخابي، وتؤثر بالتالي على الحجم التمثيلي للأحزاب والمجموعات المتنافسة. يقول مكيافيلي: " ان السياسة ليست في كل شيء، غير انها تهتم بكل شيء"، فكيف إذا كان الامر يتعلق بلبنان وبموضوع يرتبط ارتباطا مباشرا بالتوازنات الحزبية والطائفية وبالمتغيرات في الخريطة الانتخابية؟
في المطلق، تُعتبر مشاركة المغتربين في العملية الانتخابية خطوة نوعية نحو " ربط لبنان المقيم بلبنان المنتشر"، شعار الحكومات المتتابعة منذ فجر الاستقلال، وتجسيدا لرمز وطني يتمثل في اشراك شريحة أساسية من الشعب في اتخاذ القرار السياسي. وعليه، كان من المفترض ان تستدعي هذه المشاركة نقاشا هادئا ومسؤولا يرقى الى مستوى الأهداف المرجوة منها. الا ان الهواجس الطائفية، معطوفة على الواقع الديموغرافي وعلى المتغيرات السياسية الإقليمية والداخلية الأخيرة، ادت الى تخطي النقاش الجانب القانوني ليتحول الى مادة للتجاذب والى ستار لمواجهة سياسية حامية. في ظل هذه الظروف لا يسع المراقب الا ان يلاحظ، للأسف الشديد، ان هذا الصراع يهدف في الحقيقة الى استخدام المغتربين في النزاعات السياسية الداخلية أكثر مما يهدف الى اشراكهم في صنع القرار الوطني، مما أدى وقد يؤدي الى انعكاسات سلبية جمة.
2 – استخدام المغتربين في الصراع السياسي
ان التحليل الموضوعي لمُجمل الحجج التي تسوقها الأطراف المتنازعة يصب في اتجاه هذا الاستنتاج. بادئ ذي بدء تجدر الإشارة الى ان الكتلة النيابية الوحيدة التي لم تصوت على القانون رقم 44 الصادر بتاريخ 12/6/2017، موضوع النزاع، هي كتلة نواب حزب الكتائب المؤلفة آنذاك من أربعة نواب، مما يفسر عدم مراقبة المجلس الدستوري لهذا القانون نظرا لعدم توفر عشرة نواب على الأقل لتقديم مراجعة الطعن. انطلاقا من هذه الحقيقة، يمكن القول أنّ الكتل النيابية الأخرى، ككتلة القوات اللبنانية مرفوده بكتل نيابية صغيرة وبما يسمى بالنواب التغيريين، التي بدّلت موقفها لتدافع اليوم عمّا رفضته أمس، اي اقتراع المغتربين ل 128 نائبا، لم تُقدم أي تبرير يستند الى معطيات موضوعية تفسر هذا التغيير. من المدهش أيضا ان هذا التغيير في المواقف لا يقتصر على طرف واحد من طرفي النزاع. فالثنائي الشيعي الذي يعتبر اليوم ان القانون النافذ، أي القانون الذي يحصر حصة المغتربين في6 مقاعد، "لا يتقدم عليه الا الانجيل او القرآن"، استعمل سنة 2021 جميع الوسائل المُتاحة لتعليق العمل، ولو لمرة واحدة، بهذا القانون. ففي 22 تشرين الأول 2021 رد الرئيس السابق العماد ميشال عون الى مجلس النواب، بموجب مرسوم رقم 8421، قانون تعليق العمل بالمادة 122 الذي صوت عليه الثنائي الشيعي. الا ان مجلس النواب أصر بأغلبية 61 صوتا على القانون الذي صدر بتاريخ 3 تشرين الثاني 2021 تحت الرقم 8/2021. وعندما تقدم حينها مجموعة من نواب التيار الوطني الحر بطعن امام المجلس الدستوري، لم يتمكن هذا المجلس، بقدرة قادر، من الوصول الى قرار بالأكثرية المطلوبة الامر الذي أدى الى بقاء التعديلات سارية المفعول (انظر مقالنا " لا قرار المجلس الدستوري: ضربة لصدقية العدالة الدستورية؟"، النهار، 3 شباط 2024).
ان هشاشة الحجج التي يسوقها طرفا النزاع حول مسالة اقتراع المغتربين تكشف عن حقيقة أعمق مما يبدو من ظاهر النقاش، كي لا نقول المماحكة. اذ كيف يمكن القول ان المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية الناتجة عن الحرب في غزة تعيق فريقا من القيام بحملته الانتخابية عندما يتعلق الامر باقتراع المغتربين ل 128 نائبا وليس ل 6 نواب وعلى مستوى القارات الست؟ في الوقت نفسه، عندما نتكلم عن تمثيل المغتربين، اليس من المنطق ان يختار هؤلاء، كما في بقية البلدان، من يمثلهم؟ اليس " اهل مكة أدرى بشعابها"؟ ففي فرنسا حيث يخصص الدستور في المادة 24 منه أحد عشر نائبا للفرنسيين المقيمين في الخارج، يحق لكل فرنسي، مهما كان مكان اقامته، ان يترشح لشغل أحد هذه المقاعد، غير ان حق الاقتراع يقتصر على الفرنسيين المسجلين في الخارج.
ثم كيف يمكن الادعاء بالدفاع عن حقوق المغتربين عندما نقول ان الهدف من اقتراعهم في دوائر قيدهم هو حثهم على الرجوع الى ربوع الوطن!!! وليس الوقوف على هواجسهم ومشاكلهم لان ذلك يقع على عاتق وزارة الخارجية؟ ألا يُشكّل هذا اعترافا ضمنيا بان ما تريده بعض الأطراف السياسية ليس تمثيل المغتربين، وانما أصواتهم الانتخابية فقط؟ وهكذا، بالإضافة الى معاناة المغتربين من استخدامهم "كدفتر شيكات" و"كصندوق تعاضدي للضمان الاجتماعي" بسبب فشل الطبقة السياسية وفسادها، تريد هذه الطبقة ان تُكلف اليوم المغتربين بمهمة جديدة: التصويت لها وتجديد الثقة بها.
3- الانعكاسات السلبية لهذا الصراع
ان هذه المعركة "الوجودية"، على حد تعبير طرفي النزاع، تعطي صورة قاتمة للبنانيين، عن العمل البرلماني والممارسة السياسية بشكل عام. فمن المؤسف ان نرى بعض الأطراف السياسية تلجأ الى استعمال النصاب وسيلة لتعطيل العمل البرلماني، بعدما قالت، عن حق، في هذا التعطيل ما لم يقله المتنبي في هجاء كافور. فالنصاب الذي هو في الأساس معيار من معايير قانونية وشرعية القرار، تحوّل في لبنان الى وسيلة من وسائل الصراع السياسي. وهذا ما يدل على تجاهل لجوهر مفهوم الديموقراطية أي اعتراف وقبول الأقلية بقرارات الأكثرية. بالإضافة الى ذلك، تكمن خطورة هذا النزاع في احتمال ايقاظه الحساسيات الطائفية بين المغتربين، بعد ان ساهم العيش في بلاد الاغتراب في الحد من اخطار هذه الآفة. لأن "ما وراء الاكمة "، وما لا يجرؤ رجال السياسة على الاعتراف به، هو البعد الطائفي لهذا الصراع. فمن المعلوم ان معظم المغتربين من الطوائف المسيحية، وخاصة الموارنة، بالإضافة الى جاليات كبيرة من الشيعة والسنة والدروز. لذلك فان بعض القوى المسيحية ترى ان انتخاب المغتربين في دوائر قيدهم في الظروف الحالية، يشكل وسيلة لاستعادة الوزن الديموغرافي المسيحي الذي تراجع في لبنان. في المقابل، تخشى قوى أخرى، كالثنائي الشيعي، من ان يؤدي اقتراع المغتربين ل 128 نائبا الى تغيير موازين القوى في المجلس لصالح خصومهم.
تشير دراسات "الدولية للمعلومات" الى انه في اخر انتخابات نيابية تسجل 225 ألف مغترب ولم يقترع منهم الا 141 ألف، مما يشكل نسبة ضئيلة قياسا على عدد اللبنانيين المغتربين الهائل.
في الواقع ان لسان حال اغلبية المغتربين يهمس بمرارة: "أَبَعْدَ أن هجّرتُمونا ونهبتُم اموالنا، تريدون اصواتنا؟"