آراء حرة _ "إيست نيوز"
عبد الهادي محفوظ
في كتابه "الأمير" يعتبر نيقولا مكيافيللي ان الحاكم ينبغي أن يكون ذئباً وحملاً في الآن معاً وأنه لا ينبغي أن يكون متردداً وحائراً في اتخاذ قراراته . هذا الأمر أكثر ما ينطبق على الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يمتاز بصراحته وفي الإيحاء للآخرين أنه ملك الملوك . أما شبيهه في الأنتساب الى المدرسة المكيافيلليه فهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لا يتردد في مواقفه والذي يختلف عن الرئيس ترامب انه "غامض" . وقد يكون هذا الغموض ناجماً عن كونه سابقا ً "مرجعاً" إستخبارياً في الزمن السوفياتي والروسي لاحقاً .
لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذين الرئيسين ترامب وبوتين تجمعهما صداقة عميقة بل أكثر من ذلك "حلف" عند اللزوم ويتبادلان الأدوار . وقد يكون لزوجة ترامب ميلينا السلوفانية الأصل دور خفي في هذا الحلف وفي تبادل الأدوار . من هنا يخطئ من يراهن على خلاف بين ترامب وبوتين في أكثر من شأن وتحديداً في الموضوعين الأوكراني والسوري . وهكذا يمكن تفسير إنكفاء الرئيس ترامب عن تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك ما أربك الحسابات الأوروبية وكذلك توسيع دور الرئيس الروسي في الملف السوري وأن يكون له موقع فاعل في الساحل السوري والساحة العلوية والمسيحية وفي الجنوب عموماً وفي البحر وامتداداً الى الحسكة والمنطقة الكردية تمهيداً لدور أميركي ملحوظ لاحقاً في تكوين الدولة الجديدة .
وخلافاً لترامب وبوتين لم يكن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد مكيافيللياً بل متردداً وحائراً بين النفوذين الروسي والإيراني كما لم يكن مثل والده الرئيس حافظ الأسد الذي كان حاسماً في قراراته ويبقي مع الآخرين على "شعرة معاوية" .
وهذا ما يفسر الإنهيار السوري السريع الذي كان أشبه بحالة سريالية تستعصي على الفهم . ذلك أن الرئيس بشار الأسد اطمأن الى مساندة الرئيس بوتن من دون أن يدرك أن الأخير تتحكم به مصالح بلاده وعلاقاته مع الرئيس الأميركي ترامب ولا يحتكم الى العاطفة وعلاقات الود وحدها . ومن هنا كان النظام السوري السابق ضحية التنافس بين الحليفين الإيراني والروسي وكذلك المطامع الإسرائيلية والتركية والتغاضي الأميركي الذي يريد لاحقا الإستثمار في إعادة الإعمار والنفط والغاز والثروات الطبيعية الدفينة في سوريا وفي الرهان على استعادة وحدة سوريا بدور روسي يحفظ المكونات وخصوصاً في المعادلة وانتظار توقيع البرلمان السوري على اتفاق سلام مع إسرائيل .
وفي الواقع هناك تساؤل عن مستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع بعد التوقيع على إتفاق السلام ؟
أياً يكن الأمر كيف للبنان أن يتعامل مع التحولات الكبرى في المنطقة فسوريا كانت أداة وصل بين لبنان والعراق وإيران . وأصبحت حالياً أداة فصل ما يستدعي مراجعة سياسة عامة من مختلف القوى السياسية وتحديداً حزب الله والأحزاب السياسية المؤيدة أو المنتسبة قومياً وذات البعد السوري أو الأممي . وهنا ثمة ضرورة لتقليص الخسائر اللبنانية على كل المستويات. خسائر السلطة وخسائر المقاومة وخسائر الأحزاب السياسية على إختلافها والإستفادة من كون مشروع إسرائيل الكبرى أسقطته واشنطن وبمساهمة فعلية من ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان بدعوته المبكرة الى الإعتراف بالدولة الفلسطينية وتحقيق السلام العادل . وهذا يعني ضرورة التفاهمات في الداخل اللبناني وتغليب فكرة مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود البرية والدفع المسبق بإنسحاب إسرائيلي من النقاط الخمس ووقف الإعتداءات والإغتيالات الإسرائيلية .
ومثل هذا الأمر يفترض سحب التوترات الداخلية وترك القرار للسلطة السياسية وللتفاهمات المشتركة بين الرؤساء الثلاثة الرئيس العماد جوزاف عون والرئيس نبيه بري والرئيس الدكتور نواف سلام . فمعادلة "الذئب والحمل اللبنانية" أمر ممكن عندما تحزم الدولة أمرها وتعرف كيف تستفيد من تلاقي وتعارض العاملين الدولي والإقليمي وتحديداً لمعرفة التوجهات الأميركية الأساسية .
ختاماً ترامب ملك الملوك في الخارج وإنما هناك ملامح اعتراض داخلي أميركي عليه . أما بوتين فهو أمبراطور روسي في الداخل يحاول جمع الشتات الروسي في الخارج واعتبار دمشق مفتاح موسكو الخارجي كما كانت تقول الأمبراطورة كاترين الثانية .
أياً كانت الأمور في موضوع المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل سيكون هناك دور محوري للسفير الأميركي الجديد اللبناني الأصل ميشال عيسى والذي يملك تفويضاً واسعاً من الرئيس ترامب . كما انه لا يخفي مشاعره الإيجابية نحو لبنان .