في ظل الأزمة المالية والمصرفية غير المسبوقة التي يعيشها لبنان، برز مقترح اقتصادي استراتيجي يقوم على ابتكار رموز رقمية مدعومة بمخزون الذهب اللبناني كأداة نقدية واستثمارية حديثة، يمكن أن تفتح الباب أمام حل تدريجي مستدام دون تعريض هذا المخزون للخطر أو بيعه.
وتستند الدراسة إلى فكرة "ترميز الذهب" (Gold Tokenization)، وهي تقنية متطورة يتم بموجبها تحويل كميات من الذهب إلى رموز رقمية تحمل قيمتها السوقية وتُستخدم كوسيلة تداول واستثمار، من دون منح حامليها الحق في استلام المعدن فعليًا، مما يحمي الذهب من التسييل أو الاستخدام غير المخطط له.
مصرف لبنان جهة الإصدار… مع حماية تشريعية للذهب
يقترح النموذج أن يتولى مصرف لبنان إصدار هذه الرموز الرقمية استنادًا إلى أحكام قانون النقد والتسليف، على أن يتم تطوير الإطار القانوني والتشريعي لضمان حماية كاملة للمخزون الفعلي من الذهب. ويتطلب هذا تفويضًا تشريعيًا صريحًا من مجلس النواب أو تعديلًا جزئيًا في قانون النقد، يضمن أن يبقى الذهب أصلًا سياديًا غير قابل للتصرف، يُستخدم فقط كغطاء للرموز الرقمية.
ضخ سيولة دون بيع الذهب
في المرحلة الأولى، يمكن لمصرف لبنان بيع هذه الرموز للمستثمرين المحليين والدوليين أو للمصارف مقابل سيولة نقدية، ثم السماح بتداولها في سوق ثانوي. وبهذه الطريقة، تدخل أموال جديدة إلى السوق دون الحاجة إلى بيع الذهب فعليًا، ما يسهم في تعزيز الثقة بالقطاع المالي وتنشيط الاقتصاد المحلي.
ووفق تقديرات الدراسة، فإن القيمة المحتملة لهذه الرموز قد تصل إلى 33.1 مليار دولار، بناءً على السعر الحالي للذهب (حوالي 3600 دولار للأونصة)، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق أرباح إضافية عبر عمولات الإصدار والتداول.
حماية المودعين واستقرار العملة
واحدة من أهم مزايا هذا النظام المقترح هي أنه يتيح تسديد جزء من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف والمودعين من خلال المتحصلات الناتجة عن بيع الرموز، ما يساهم في استعادة الثقة بالنظام المصرفي وتخفيف الضغط عن القطاع المالي. كما يشكّل هذا النموذج وسيلة للتحوّط من التضخم وتقلبات الليرة اللبنانية بفضل ارتباط الرموز بسعر الذهب العالمي.
من التجارب العالمية إلى التطبيق اللبناني
تستشهد الدراسة بتجارب عالمية مشابهة، مثل سوق الذهب في لندن ومبادرات مجلس الذهب العالمي، فضلًا عن خطوة قانونية لافتة في ولاية فلوريدا الأميركية التي اعترفت بالذهب كعملة قانونية. هذه التجارب تعكس توجهًا عالميًا متزايدًا نحو إعادة الاعتبار للمعادن الثمينة كوسائل نقدية حديثة، ما يعزز جدوى اعتماد نموذج الذهب الرقمي في لبنان.
خلاصة: حل ذكي.. يحفظ الثروة ويستعيد الثقة
تطرح الدراسة رؤية عملية قابلة للتنفيذ على المدى القصير والمتوسط، تسمح باستخدام الذهب كرافعة اقتصادية ونقدية دون المساس به، وتفتح الباب أمام نظام مالي أكثر استدامة وابتكارًا.
إنها باختصار، فرصة تاريخية للبنان ليكون بين الدول السباقة في تطوير أدوات نقدية حديثة تحمي الأصول السيادية وتعيد الثقة إلى النظام الاقتصادي، بأقل كلفة سياسية وأعلى مردود مالي.