خاص-"إيست نيوز"
نسرين ناصرالدين
في منطقة تلفحها "العواصف"، ويعاد رسم خرائطها السياسية، والأمنية، وربما الجغرافية، يُعد استحقاق الإنتخابات التشريعية المقبلة في العراق في 11 تشرين الثاني- نوفمبر القادم، ركيزة أساسية يمكن البناء عليها لاحقًا لفهم حجم التحولات على أكثر من صعيد.
هذه الانتخابات حيث يتنافس أكثر من 7768 مرشحا لشغل 329 مقعدًا في مجلس النواب، خُصص تسعة منها لممثلي الأقليات الدينية والقومية (من مسيحيين و ايزيديين وشبك ومندائيين وأكراد فيليين)، تُعد الإختبار الأهم، ليس للقوى السياسية، أو للداعمين الإقليميين والدوليين، فقط، وإنما رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني العازم تطبيق فرض "هيبة" الدولة...
ومع اقتراب موعد الإنتخابات يبرز إسم السوداني كأحد أبرز الشخصيات السياسية التي حققت إنجازات وطنية خلال فترة توليه المنصب في تشرين الاول- أوكتوبر 2022 من خلال العمل على تنفيذ برنامج إصلاحي شامل يهدف الى تحسين الوضع الإقتصادي والإجتماعي، ما يُعزز مكانته كرئيس حكومة قادر على تحقيق الإستقرار السياسي والأمني والتنموي في آن واحد.
حقق الرئيس محمد شياع السوداني رغم تعقيدات العراق الداخلية وتركات المسؤوليين السابقين والوضع الإقليمي المتشنج والضغط الدولي إنجازات لجهة تعزيز الإقتصاد الوطني بعد ان نجحت حكومته في خفض نسبة التضخم من 4.9 بالمئة في 2022 الى 3 بالمئة في 2024، مما انعكس نجاحا في السيطرة على الأسعار وتحسن القوة الشرائية للمواطنين. كما زادت الصادرات النفطية وتحقق فائض مالي، وهو ما مكن الحكومة من تمويل مشاريع تنموية كبيرة في مختلف القطاعات. وهذا ما سمح بتخصيص ميزانيات كبيرة لإعادة بناء منظومة الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية في مجالات النقل والإتصالات. أما في القطاع الصحي خطت حكومة السوداني نحو توسيع الخدمات اللوجستية عبر افتتاح مستشفيات جديدة ودعم المرافق الصحية الموجودة، بما في ذلك توفير الأدوية وتحديث المعدات الطبية واستيراد الحديث منها.
يُسجل للرئيس محمد شياع السوداني، خطوات جريئة جدًا من خلال إطلاق مبادرات لملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، كما تعزيز مؤسسات الرقابة والمحاسبة. وقد نجح خلال ولايته باعتقال شخصيات متورطة في ملفات فساد كبيرة واستعادة مئات الملايين من الدولارات إلى خزينة الدولة. أما اجتماعيًا، فقد نجح في زيادة مخصصات الدعم للفئات ذات الدخل المحدود، وإطلاق برامج تدريبية للشباب لتحسين مهاراتهم وزيادة فرصهم في سوق العمل. كما سلط الإهتمام على توسيع برامج الحماية الإجتماعية لتشمل أكثر من 5 ملايين مستفيد من الأسر الفقيرة.
التحدي الداخلي قطع فيه السوداني أشواطًا كبيرة ومهمة، إلا أن ما يُسجل له في تاريخ العراق الحديث النهج العقلاني والمنطقي والواقعي الأكثر حساسية ودقة الذي اتبعه ومارسه في التعاطي بالملفات الخارجية، فنجح في إيجاد توازن لعلاقات العراق الخارجية، فهو وازن بين العلاقة مع طهران وواشنطن، وعزز الانفتاح على دول الجوار العربي، خاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال توقيع اتفاقيات اقتصادية متعددة، وعزز العلاقة الاقتصادية مع إيران في مجالات الطاقة والمياه. هذا التوازن بدأ يعيد للعراق مكانته ودوره الفاعل في المنطقة عبر سياسة تدوير الزوايا التي اتبعها مع الحفاظ على استقلالية بلاده والوقوف بشكل حازم أمام التدخلات الخارجية والإملاءات التي تمس بخصوصية التركيبة العراقية وقرارات حكومته.
اليوم يسعى السوداني لتشكيل تحالف انتخابي واسع وهو ما انعكاس طبيعي لمسار من الإنجازات السريعة بوقت قصير، وقد أعلن عن تشكيل ائتلاف" الإعمار والتنمية" الذي يضم سبعة أحزاب سياسية، وهو يُراهن على دعم فئات شعبية واسعة في بغداد والمحافظات الجنوبية نتيجة جهوده في تحسين الوضع الخدمي والإقتصادي، لكن "الثغرة" الوحيدة التي يمكن أن يواجهها هو احتمال حصول عزوف شعبي عن الإقتراع، وقد يؤدي استمرار مقاطعة التيار الصدري للإنتخابات الى تقليل نسبة المشاركة ما قد يؤثر على نتائجها، علمًا المنافسة أيضا ستكون مع قوى سياسية شيعية يتقدمها "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الحكومة الاسبق نوري المالكي.
خلاصة المشهد العراقي اليوم، أن الإنتخابات البرلمانية العراقية ليست شأنًا داخليًا، فقط، فهناك عدة قوى وجهات تسعى لوضع لمساتها على الشكل النهائي للإطار السياسي والأمني بعد هذه الإنتخابات... فهذا الحدث العراقي الذي يتزامن مع متغيرات محلية، إقليمية ودولية بالغة الخطورة، يضع الرئيس محمد شياع السوداني أمام أكثر الإختبارات جدية لمستقبله السياسي منذ توليه المنصب. يسعى لولاية ثانية تُكرّس صورته ك"رجل الإصلاح"، يعرف أن الطريق يمر عبر ثلاثة امتحانات" ضبط السلاح"، إيجاد التوازن الدقيق في "العلاقة الدولية ومع الإقليم"، ورفع مستوى "الخدمة العامة" للعراقيين، وقد نجح جزئيا في الملف الأول، وأثبت جدارته في الملفين الآخرين، ما يجعله قبلة للعراقيين الراغبين باستعادة الإستقرار، والسيادة، والرخاء، وتضع إنجازاته في مقدمة السباق الانتخابي.
×