خاص ـ "إيست نيوز"
منذ مساء الأحد، تعيش الأجواء اللبنانية تحت مراقبة دقيقة وغير منقطعة لطائرات مسيّرة إسرائيلية تحلّق على ارتفاعات متفاوتة، خصوصًا فوق الجنوب، الضاحية الجنوبية، العاصمة بيروت، وبعض المناطق الجبلية. هذه الظاهرة، التي ليست جديدة، لكنها تتزايد وتيرتها وامتدادها الزمني، تطرح تساؤلات عميقة حول الأهداف العسكرية والسياسية لهذا التحليق المكثف.
في هذا السياق، يسلط العميد والخبير العسكري منير شحادة في حديث مع "إيست نيوز" الضوء على الأبعاد الجديدة للصراع من خلال الاعتماد الواسع لإسرائيل على الطائرات المسيّرة، التي تشكل بعدًا متطورًا في أدوات الحرب والتجسس، وتضع لبنان أمام قيود عملية وفنية تحول دون ردّ فعّال محليًا. يرى شحادة أن هذا الواقع يجعل الحلول الدبلوماسية والضغوط الدولية الخيار الأوحد تقريبًا في المرحلة الراهنة.
الطائرات المسيّرة وأدوات التجسس
بحسب شحادة، تعتمد إسرائيل منذ زمن طويل على الطائرات المسيّرة لأغراض متعددة، أبرزها التجسس البصري والتنصت، إلى جانب التدخل في شبكات الاتصال الخلوية. ويشرح أن هذه الطائرات قادرة على تعطيل الإرسال الهوائي للهاتف المحمول والاستحواذ على تردّداته، ما يعني أن الاتصالات في منطقة الطيران تمرّ عبرها، مما يسمح بجمع كل المعلومات المتبادلة داخل تلك المنطقة.
ويشير شحادة إلى تنوّع منظومات الطائرات المسيّرة المستخدمة، فمنها طائرات مسلحة مزودة بصواريخ تستهدف أهدافًا محددة بعد رصد تحركاتها، ومنها طائرات صغيرة تشبه طائرات التصوير يمكن تزويدها بأسلحة خفيفة لتنفيذ اغتيالات داخل مركبات أو مبانٍ مغلقة. ويخلص إلى أن جميع هذه الأنواع تُستخدم في مهام استخبارية واستهداف مباشر للبنان.
محدودية الإمكانات اللبنانية في المواجهة
حول إمكانات المواجهة، يؤكد العميد شحادة أن "الحلول الفنية والتكتيكية المتاحة للدولة اللبنانية محدودة للغاية، وأن الخيارات العملية أمام بيروت لا تتجاوز السعي إلى مضاعفة الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هذه الخروقات، لكنه يشير إلى أن هذه الضغوط لم تُثمر نتائج حتى الآن".
ويضيف أن، "المجتمع الدولي يواجه صعوبة كبيرة في وضع آليات رادعة فعالة ضد هذه التكنولوجيا المتقدمة، متوقعًا أن تكون الحروب المستقبلية معتمدة بدرجة كبيرة على المنصات المسيّرة".
إسرائيل تركز على سوريا وإيران
يوضح شحادة أن، "إسرائيل فرضت واقعًا جديدًا في حرية الحركة بعد وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، وأن قدرتها على تنفيذ ضربات جوية عميقة تقلل من حاجتها إلى شن عمليات برية". ويتوقع أن "تستمر إسرائيل في سياسة الضغط الناري المتدرج على لبنان — تخفف التصعيد تارة وتتساهل تارة أخرى — بهدف خلق بيئة ملائمة لسحب سلاح المقاومة".
لكن العميد شحادة يشكك في احتمال شن إسرائيل بعملية برية واسعة النطاق في المدى القريب، مشيرًا إلى أن الأولويات الإقليمية لإسرائيل تتركز على ملفات أخرى، منها تقسيم سوريا واحتمالية حرب مع إيران.
الأبعاد السياسية في ظل تعثر المفاوضات
في الوقت نفسه، يأتي هذا التصعيد في الأجواء بالتزامن مع إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن توقف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، في ظل تعثر المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزيف عون، والتي كانت تحظى بدعم واسع لكن إسرائيل رفضت التجاوب معها. ويبدو أن المسار الحالي الوحيد هو "الميكانيزم" الدولي الذي يضم ممثلين للدول المعنية والرعاة لاتفاق وقف العمليات العدائية.