خاص-"إيست نيوز"
عبير درويش
في مقولته الشهيرة، لامس الأديب الكبير رشدي المعلوف جوهر العلاقة بين الإنسان والطبيعة حين قال:“لو اجتمعت الأمم لتقديم الساعة أو تأخيرها، لالتزم الناس جميعًا... وحده الديك لم يلتزم.” وأضاف:"صياح الديك المرتبط بدورة الكون هو أكثر صدقًا من ساعة البشر، لأن ثقته بنظام الطبيعة تفوق ثقة الحكومات بأنظمتها الزمنية".
مجوّز: التوقيت الصيفي فقد غايته…
عشية العودة الى التوقيت الشتوي صباح الاحد الأخير من تشرين الأول الجاري شرح الدكتور في علوم الإعلام والاتصال مازن مجوّز في حديثه الى موقع "إيست نيوز" عن الظروف التي أدت الى اعتماد هذا الأسلوب وتوقيته وهدفه، فيقول: " أن الهدف الأصلي لاعتماد التوقيتين كان اقتصاديًا بحتًا — أي استغلال ضوء النهار لتوفير الطاقة". ولكنه لفت واكد أن “التكنولوجيا الحديثة غيّرت المعادلة، وأصبح التوفير شبه معدوم بينما السلبيات الصحية والنفسية تتفاقم.” وان هناك دراسات تُظهر العكس وفق المعطيات الآتية:
• لا وفر حقيقي في الطاقة.
• اضطراب في النوم والمزاج.
• زيادة الحوادث والنوبات القلبية بعد تغيير الساعة.
وأضاف مجوّز: “إن تبديل التوقيت يؤثر على الإنتاجية في التعليم، والصحة، والخدمات العامة. حتى طلاب المدارس يعانون من ضعف التركيز في الأيام الأولى، والأطباء من الإرهاق، والمواطنون من فوضى المواعيد.” لافتا الى ان كلفة التوقيت المزدوج: اقتصاد وصحة في الميزان.
ويُقسّم الدكتور مجوّز الأضرار إلى شقين رئيسيين:
أولًا: الكلفة الاقتصادية وتتمثل بالآتي:
• انخفاض الإنتاجية بسبب اضطراب النوم.
• أخطاء في العمل وتعقيدات في الجداول والمواعيد.
• زيادة في الحوادث المرورية وتراجع في كفاءة الموظفين.
ثانيًا: الكلفة الصحية
• اضطراب الساعة البيولوجية وزيادة أمراض القلب.
• توتر وإجهاد نفسي بسبب فقدان التوازن الزمني.
ويخلص إلى أنّ “توحيد التوقيت على مدار السنة بات الخيار الأكثر منطقية، كما فعلت دول مثل روسيا وتركيا، دون أي آثار سلبية تُذكر.”
لبنان... لا كهرباء لتوفيرها ولا إنتاجية لتعويضها
أما في لبنان، فيوضح مجوّز أن “التوقيت الصيفي والشتوي فقدا جدواهما بالكامل”. ففي بلدٍ يعاني من انقطاع الكهرباء المزمن، لا يمكن الحديث عن “توفير في الطاقة”. ويضيف:“المدارس والمرافق العامة تتأثر سلبًا، والمواطنون يواجهون مزيدًا من الإرباك دون أي مردود اقتصادي أو اجتماعي.”إذًا، في لبنان، التوقيت الموسمي ليس سوى إجراء شكلي، يزيد من الفوضى أكثر مما يحلّها.
سعد: من بنجامين فرانكلين إلى الحرب العالمية الأولى
اما عالم الفلك مجدي سعد يستعيد تاريخ الفكرة قائلًا لـ "إيست نيوز": أول من لمح إلى الفكرة كان بنجامين فرانكلين عام 1784، حين كتب ساخرًا أن الناس يمكنهم توفير الشموع إذا استيقظوا أبكر.” ومن بعدها تطورت الفكرة على يد العالم النيوزيلندي جورج فيرنون هدسون عام 1895، وتبنّاها البريطاني ويليام ويليت رسميًا عام 1907.لكن التطبيق الأول جاء من ألمانيا عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى، لتوفير الفحم والطاقة.
ويختم سعد: “اليوم، تغيرت الظروف، ولم تعد الحاجة للطاقة مبررًا كافيًا للاستمرار بهذا النظام.”
لماذا تعتمد الدول التوقيت الشتوي؟
رغم تراجع اعتماد “التوقيتين”، لا تزال بعض الدول ترى في التوقيت الشتوي فوائد عملية، أبرزها:
1. مواءمة النشاط مع شروق الشمس
– تقليل حوادث الطرق وتحسين الأمان في الصباح.
2. توزيع استهلاك الطاقة خلال اليوم
– تجنب ذروة الضغط الكهربائي مساءً.
3. تحسين الساعة البيولوجية والنوم الطبيعي
– العودة إلى التوقيت الأقرب إلى حركة الشمس.
4. تنظيم الاقتصاد والدوام
– خصوصًا في الدول الزراعية والصناعية.
5. أسباب اجتماعية ودينية
– مثل مراعاة أوقات الصلاة أو تنسيق التوقيت مع الجوار.
من أوروبا إلى الشرق الأوسط: نحو توحيد الزمن
في أوروبا: البرلمان الأوروبي قرر عام 2019 إنهاء العمل بالتوقيتين، تاركًا لكل دولة حرية اختيار توقيت ثابت. دول الشمال تميل إلى الشتوي، والجنوب إلى الصيفي، بحسب طول النهار.
في الشرق الأوسط:
• المغرب اعتمد التوقيت الصيفي الدائم (GMT+1) باستثناء شهر "رمضان. الكريم".
• الأردن غيّر نظامه عدة مرات بسبب الظلام الصباحي وتأثر المدارس.
• لبنان عاش فوضى عام 2023 بعد اختلاف المواقف بين المؤسسات حول تأخير الساعة في رمضان.
النتيجة؟
العالم يتجه تدريجيًا نحو توقيت موحد ومستقر، بعيدًا عن “اللعب بالساعة”.
شدياق ساخرا: لا كهرباء أصلا لتوفيرها!
اما الصحافي الاقتصادي عماد شدياق يلخص المعضلة اللبنانية بسخرية واقعية: ويقول لـ"إيست نيوز":“في أوروبا يغيّرون الساعة لتوفير الكهرباء... أما نحن فلا كهرباء أصلًا!”
ويتابع:“تغيير التوقيت في لبنان لا يخدم سوى طلاب المدارس ليشعروا أنهم ناموا أكثر. بينما الطيران والنقل يعانيان من إرباك شديد. أما الحديث عن التوفير فمضحك في ظل الانقطاع شبه التام.”
ويختم شدياق قائلاً:“إن اعتماد توقيت موحّد هو الحلّ الأكثر منطقية اليوم، خصوصًا في بلدٍ يعيش على مولدات لا تعرف شمسًا ولا غروبًا.”
وختاما يمكن القول: من “صياح الديك” إلى “مؤشرات الساعة الذكية”، يتبيّن أن الإنسان ما زال يحاول ضبط وقته في مواجهة الطبيعة، لكنّ الحقيقة التي تُجمع عليها الدراسات والعقول هي واحدة: التوقيت الثابت هو التوقيت الأصدق... لأنّ الشمس لا تقدّم ولا تؤخّر ساعة.