عاجل:

سوريا - تركيا: تفاهم الضرورة

  • ٢٢

كتب بلال سليطين قي جريدة الأخبار:

على وقع إعلان الرئيس السوري، بشار الأسد، أمام مجلس الشعب، الأحد الماضي، أن بلاده لم تضع الانسحاب التركي من أراضيها شرطاً مسبقاً للحوار مع تركيا، بقوله إن «هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع»، يبدو أن اللقاء السوري - التركي على مستوى رئاستَي البلدين، بات قريباً، إذ يضع هذا الإعلان لبنة أولى على طريق حلحلة مشكلة معقّدة كانت تواجه التقارب بينهما، وهي الوجود العسكري التركي داخل الأراضي السورية، والذي تشدّد دمشق على عدم شرعيته.

ومردّ ذلك إلى كلام الأسد الذي يُفهم منه أنه بدلاً من أن يكون شرط التقارب هو الانسحاب التركي، يمكن الارتضاء بتعهّد بالانسحاب وفق خارطة طريق معلنة من قِبل الطرفين يتم البناء عليها وتنفيذها خلال المرحلة اللاحقة، علماً أن تلك الخارطة متغيّرة وتخضع لتفاهمات البلدين وتطور المصالح بينهما، بعد التحسن المفترض للعلاقات جرّاء اللقاء الرئاسي المنتظر. وحدّد الأسد معالم خارطة الطريق المشار إليها بقوله إنه من «المهم أن تكون لدينا خطوات واضحة، ونعرف كيفية السير في اتجاه هذه الأهداف، ومهما كانت الخطوات المحتملة فسيكون أساسها السيادة وحدودها السيادة ومعيارها السيادة».

وعلى أي حال، يبدو أن الطرفين يتجهان إلى «تفاهم الضرورة»، نظراً إلى حاجة كل منهما إليه، رغم كراهيتهما الضمنية له. ويتمثل أبرز اختبار لإمكانية عودة العلاقات بينهما، في قدرة أنقرة على إلزام الفصائل التي ترعاها في شمال سوريا باستعادة عمل معبر «أبو الزندين»، بوصف ذلك امتحاناً لقدرتها على الالتزام بتعهداتها تجاه موسكو حول فتح الطرق والمسارات الاقتصادية بين شمال سوريا ومناطق سيطرة الحكومة السورية. وفي هذا السياق، كانت دمشق أعلنت، في أوقات سابقة، أنها تفضّل التحدث مع «المشغّلين لا أدواتهم»، في إشارة إلى القوى والفصائل في الشمال السوري، والتي تعدّها بمثابة «أدوات» لتركيا. وبهذا، تقر السلطات السورية بأن النفوذ التركي الذي تشجبه، هو ضمنياً بحكم «الأمر الواقع»، وهي تسعى إلى اختبار قدرتها على تطبيق تفاهمات جديدة في الشمال، الذي يشكّل جزءاً من تعقيدات المشهد السوري وتشابك القضايا فيه.

والواقع أنه لو عاد الأمر إلى دمشق، فإنها ترغب في الرجوع إلى ما كان عليه الوضع قبل عام 2011، حينما طبّقت سياسة «قدم في كل مكان»؛ فكانت لديها قدم في موسكو، ونصف رِجْل في واشنطن، وقدم في طهران، وأخرى في الرياض، علماً أنها استفادت من هذه السياسة كثيراً في البقاء ضمن دائرة أقل المخاطر، وعدم تجاوز أي طرف لحدوده في العلاقة معها. حتى إنها، قبل عام 2011، آنذاك، بدت قادرة على جعل الدور الإيراني في كل المنطقة يمرّ عبرها، رغم اختلافها مع طهران في ملفات كثيرة، أبرزها الملف العراقي الذي وصل أحياناً إلى حدّ المواجهة غير المباشرة بينهما. لكن بعد عام 2011، تغيّر الواقع واستخدمت الولايات المتحدة ومعها تركيا وقطر وحتى السعودية ومصر وبعض دول أوروبا، سياسة المواجهة القصوى مع دمشق، فيما انتهجت الأخيرة سياسة التقارب القصوى مع موسكو وطهران، لتفتح ذراعيها لكل منهما، وتقبل - على مضض - كل النتائج المترتّبة على ذلك. لكنها حتى في هذه الجزئية، استفادت من نهج «القدم في كل مكان»؛ فوضعت قدماً في روسيا وأخرى في إيران.

بناءً على ما تقدّم، تشكل عودة العلاقة مع تركيا، بالنسبة إلى سوريا اليوم، بمنزلة «وضع قدم في مكان مناسب»، خصوصاً في ظل تردّي الوضع الاقتصادي السوري، وشبه انعدام خيارات دمشق الاقتصادية. ويأتي ذلك فيما لا يبدو الأردن حالياً قابلاً لأن يكون ممراً اقتصادياً تجاه سوريا، في ظل مطالب تريدها عمّان على صعيد ملفَّي اللاجئين و«تهريب المخدرات»، وتستمر على خلفيتها في تعطيل اجتماعات اللجنة الرباعية العربية، والذي أثار حفيظة دمشق. أما لبنان الجار، فهو يعاني، بدوره، ظروفاً اقتصادية صعبة جداً، وعلاقته مع «المجتمع الدولي» باتت سيئة، بما يصعّب عليه أن يكون ممراً اقتصادياً لسوريا. والأمر نفسه ينسحب على العراق.

في المقابل، تبرز لتركيا احتياجات كثيرة في سوريا، منها المحافظة على مصالحها الاقتصادية في الشمال، وتوسيعها لتشمل كل جغرافيا سوريّة ممكنة، بالإضافة إلى دور مشاريع المستقبل في سوريا في مساعدة اقتصاد أنقرة المتعثّر، والذي يحتاج إلى تدفق الأموال. وفي هذا الجانب، يمكن لتركيا أن تلعب دوراً محفوفاً بالمخاطر بالتأكيد، لتكون ممراً مالياً لعبور أموال المساعدات الإنسانية تجاه جارتها، والاستفادة من عدم وجود عقوبات على مناطق الشمال السوري، والتي تتمتع بنفوذ كبير فيها، خصوصاً أن بعض الدول الأوروبية تحبّذ إيجاد مخرج لوصول الأموال نحو دمشق، من دون أن يشكّل هذا الأمر إحراجاً لها، ومن دون إجبارها على التنازل رسمياً عن لاءاتها الثلاث.

المنشورات ذات الصلة