خاص- "ايست نيوز"
عصام شلهوب
شهدت أسواق الذهب العالمية خلال الأسابيع الماضية تحولات لافتة بعد موجة صعود تاريخية دفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، قبل أن تدخل مرحلة تصحيح تدريجي وصفها الخبراء بـ”الضرورية” لإعادة توازن السوق.
ففي تعاملات يوم الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025، افتتح الذهب عند 3934.80 دولارًا للأونصة بعد تراجعه من 4006 إلى 3928 دولارًا في اليوم السابق، ما يعكس استمرار الاتجاه الهابط قصير المدى مع تراجع المخاوف الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وغياب محفزات جديدة لدفع الأسعار نحو صعود إضافي.
تصحيح فني لا انهيار
تقرير مجلس الذهب العالمي الصادر في 4 تشرين الثاني أكد أن المعدن الأصفر دخل “مرحلة تصحيحية صحية” بعد تجاوز الأسعار متوسطها المتحرك لـ200 يوم بنسبة 25%، وهو ما يمثل حالة تشبّع شرائي نادرة في تاريخ السوق.
وأوضح التقرير أن التصحيح الحالي لا يعني نهاية الاتجاه الصاعد، بل يشكّل استراحة طبيعية للسوق بعد زخم قوي امتد لأشهر. وحدد التقرير مستويات الدعم عند 3887 و3820 و3777 دولارًا للأونصة، فيما تقع المقاومة بين 4046 و4278 دولارًا، مع اعتبار اختراق مستوى 4186–4278 إشارة لاستئناف المسار الصعودي نحو 4300 دولار.
إجماع المؤسسات العالمية
التحليلات الصادرة عن البنوك الكبرى جاءت متقاربة في رؤيتها:
• بنك أوف أميركا (BofA) توقّع استمرار التصحيح القصير، لكنه حافظ على هدفه البعيد المدى عند 5000 دولار للأونصة.
• ستاندرد تشارترد وصف الهبوط الحالي بأنه “تصحيح طال انتظاره” بعد صعود قوي، مؤكدًا أن الأساسيات الداعمة للذهب ما تزال قائمة.
• StoneX Group رأت أن كسر حاجز 4000 دولار جاء نتيجة عمليات بيع فنية بعد حالة شراء مفرطة.
ويرى الخبراء أن أي توتر جيوسياسي مفاجئ، أو تحوّل نقدي عالمي، قد يعيد سريعًا إشعال الزخم الصعودي، نظرًا لحساسية السوق تجاه المتغيرات الاقتصادية الكبرى.
قرار الصين يضغط على الأسعار
من بين العوامل الجديدة التي أربكت السوق، قرار وزارة المالية الصينية بإلغاء إعفاء ضريبة القيمة المضافة على الذهب اعتبارًا من 1 تشرين الثاني 2025، بحيث يشمل القرار الذهب المستخدم في الاستثمار والمجوهرات والصناعات.
هذا القرار رفع تكلفة الشراء داخل الصين، ما خفّض الطلب المحلي وأضعف أحد أهم أعمدة السوق العالمية، في وقتٍ تتجه فيه بعض المشتريات إلى هونغ كونغ وسنغافورة لتجنّب الضريبة الجديدة. ويُتوقع أن ينعكس هذا التغيير على حجم التداول العالمي وتوزيع الطلب الآسيوي في المدى القصير.
المشهد الاستراتيجي
رغم ضغوط التصحيح الفني وضعف الطلب الصيني المؤقت، يرى الخبراء أن الذهب ما يزال محتفظًا ببريقه الطويل الأمد. فالبنوك المركزية تواصل سياساتها التيسيرية، والطلب الرسمي من الحكومات والمؤسسات المالية مستمر، في حين أن تباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى يعزز دور الذهب كملاذ آمن واحتياطي استراتيجي.
خلاصة
الذهب اليوم يعيش مرحلة اختبار حقيقية بين موجة الصعود التاريخية والاستقرار المرتقب. التصحيح الراهن ليس مؤشر انهيار، بل فرصة لإعادة توازن الأسعار بعد تشبّع غير مسبوق في الشراء.
وفيما ينتظر المستثمرون تكوين قاع جديد قد يكون بين 3777 و3729 دولارًا، يبقى المعدن النفيس وفيًّا لدوره القديم: مرآة الخوف العالمي وملاذ الثقة الأخير.
فالتاريخ يثبت دائمًا أن الذهب، مهما خفت بريقه مؤقتًا، لا يفقد قيمته… بل ينتظر اللحظة المناسبة ليعود ويتألّق من جديد.