خاص – "ايست نيوز"
جورج شاهين
التقت مراجع سياسية ونقدية على قراءة موحدة لزيارة الوفد الأميركي المشترك الذي ضم كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ووزارة الخزانة الأميركية بمختلف اختصاصاتهم السياسية والديبلوماسية والنقدية والاستخبارية والتقنية والقانونية فاعتبرتها الأكثر جدية وأهمية وخطورة منذ ان بدأ التعاطي مع مظاهر الازمات التي عصفت بلبنان وما انتهت اليه حتى اليوم ومخاطرها ليس على مستوى الامن المالي والنقدي المحلي وإنما على المستويين الإقليمي والدولي.
ولفتت هذه المصادر عبر موقع "ايست نيوز" انها الزيارة الأخطر التي حملت الفائض الأخير من التحذيرات الى المسؤولين اللبنانيين بعدما تجاهل بعض المسؤولين اللبنانيين "الخائفين" من قيام أي مظهر من مظاهر الدولة اللبنانية ومؤسساتها الكثير منها وإصرارهم على التعاطي معها بانها لا تعنيهم في مواقعهم الحالية بقدر ما تؤذي اهل الحكم والحكومة وتستهدف المساعي المبذولة لاستعادة الدولة أدوارها كاملة ليس على مستوى قرار الحرب والسلم واحتكار السلاح انما على مستوى إحياء المؤسسات التي ألقيت عليها مسؤولية وقف الانهيار وترميم تردداته وكل ما الذي أصاب العديد منها وجعلها خارج الخدمة لسنوات عدة. وهو ما تسببت به الأزمات المتناسلة التي أصابت الدولة اللبنانية، بعد بروز مظاهر الازمة النقدية وما اصاب العملة الوطنية من انهيار كبير عدا عن نتائج جريمة تفجير مرفأ بيروت وما تركته جائحة الكورونا في لبنان وما رافقها من أزمات إدارية.
على هذه الخلفيات، التقت هذه المراجع على قراءة التحذيرات الأميركية الأخيرة بكثير من الجدية والخوف على إمكان تجاوب لبنان معها في ظل الانقسام الذي أصاب أهل الحكم، فالموقف الموحد الذي تغنى به اللبنانيون بين اهل الحكم يترنح على وقع التمايز الكبير في المواقف والتي جعلت كلا من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ومعه رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام في واد ورئيس مجلس النواب في واد آخر، فيما تعيش الحكومة حالا من الإرباك نتيجة الصدام المتكرر بين مجموعة الوزراء الشيعة الخمسة رغم الفوارق في ما بينهم وباقي الوزراء والتي جعلت التصويت مبدأ يسود عمل الحكومة في قرارات كبرى تعني جميع اللبنانيين دون استثناء بعدما اعتمدت الحكومات السابقة مبدأ التوافق في الكثير من الملفات الخلافية الكبرى فعمقت بعضها وأرجأت أخرى ولم تحل أي منها.
وقبل الدخول في الكثير من التفاصيل حول شكل ومضمون رسالة اكبر الوفود الأميركية التي قصدت لبنان في السنوات الأخيرة لا تخفي المراجع الديبلوماسية والسياسية التي تحدثت الى موقع "ايست نيوز" مخاوفها من ان يتجاهل بعض ممن يعيقون برامج الإصلاح بمختلف وجوهها من دون القدرة على اقتراح البدائل منها ولا سيما على مستوى المخارج الإيجابية الممكن اللجوء إليها. لا بل فهناك جهات قادرة على تعطيل أي برنامج يمكن ان يلجا اليها لبنان نتيجة الفساد الذي يسود الإدارة في المفاصل المالية وربما في مجالات أخرى يمكنها ان تتحكم بتعطيل أي توجه سيادي لبناني يضمن المصلحة العامة لمصلحة قضايا تعزز التفرد في بعض المجالات بما لا يخدم أي توجه لقيام الدولة القوية والقادرة والعادلة.
وأضافت: وبعيدا عن التصنيف الممكن اجراءه على مستوى هيكلية المؤسسات في لبنان، فقد قال الوفد بشكل صريح أنه لا يمكن ان يستمر العمل في مؤسسات تعمل خارج أي نظام مصرفي كتلك التي يقوم بها "القرض الحسن" في غياب أي ترخيص او إشراف من أي جهاز رقابي حكومي. كما لا يجوز تنامي "اقتصاد الكاش" بالطريقة المعتمدة في لبنان، بعدما تحول احد الأبواب السهلة لتبييض الاموال وتهريب "الأموال المغسولة" والتحايل على النظم المصرفية وتجاوز القوانين الدولية التي تحدد كيفية تبادل الأموال بين مصادرها وأهدافها ولا سيما تلك التي تعزز أوضاع الجمعيات غير الشرعية التي عاثت فسادا في دول ومؤسسات وهددت أنظمة بعض الدول وبرامجها القانونية. كما لا يمكن تجاهل مخاطرها على كل أشكال التجارة غير الشرعية والتي يمكن ان تستغل لتسويق بضائع مزورة وأخرى، قد تستخدمها الاستخبارات الدولية لتنفيذ برامج إجرامية كتلك التي تسببت بها تفجيرات "البيجر" والتي لم يتمكن أي جاهز تحقيق من تحديد المسؤوليات على الدول والحكومات التي كانت بلدانها مسرحا لإنتاجها وتصنيعها ونقلها وتسويقها فضاعت المسؤولية في أكبر مجازر العصر الحديث التي لم يكن أحد يحتسبها من قبل.
وختاما فان أخطر ما انتهى اليه الوفد عند إجراء قراءة تفصيلية لمحاضر جلساته مع من التقاهم في لبنان أنه وجه الإنذار الأخير بما تضمنه من نصائح لتجاوز المخاطر التي تهدد لبنان، قبل الولوج الى مرحلة تفتقد فيه الوساطات الدولية قدراتها على توفير الحل السياسية لتسترخي وتتفرج لاحقا على الخيارات العسكرية التي لا يمكن لجمها متى فقدت الوسائل الديبلوماسية والسياسية. فتبقى عندها الكلمة الفصل للآلة العسكرية وما يمكن ان تنتهي اليه فالتجارب السابقة يجب ان تكون دافعا للبنانيين ليتفهموا ما عليهم القيام به قبل فوات الأوان.