عاجل:

العقار اللبناني مرآة الازمات... موسى لـ "إيست نيوز": على الحكومة والسياسيين مسؤولية إعادة إنتاج الاستقرار" (خاص)

  • ٤٣

خاص ـ "إيست نيوز"

مالك دغمان

تعود نُذر الحرب الإسرائيلية لتخيّم من جديد على لبنان، ومعها يعود شبح التهجير والنزوح والدمار، لكن هذه المرة يشتعل لهيب الأزمة في قطاع حيوي طالما كان مرآةً للأزمات والفرص على حدّ سواء: سوق العقارات.

في ظل التصريحات النارية المتكررة من قادة الاحتلال الإسرائيلي، والتي بلغت ذروتها مع تهديد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشنّ حرب «أقسى وأوسع» على لبنان، دخلت البلاد مرحلة جديدة من الترقب، انعكست مباشرة على حركة السوق العقارية. فالقلق من انهيار أمني شامل دفع العديد من اللبنانيين إلى التفكير في النزوح مجددًا، ليس فقط من القرى الحدودية، بل حتى من العاصمة بيروت وضواحيها.

بين الركود و"البازار": السوق العقاري إلى أين؟

منذ احتجاجات 17 تشرين الأول عام 2019، وسوق العقارات في لبنان يعيش على وقع أزمات متتالية: من الانهيار الاقتصادي، إلى تدهور سعر الليرة، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، ثم الجمود السياسي. ومع ذلك، فإنّ ما يجري اليوم مختلف تمامًا. فالسوق لم يعد مجرّد ضحية للركود، بل أصبح ساحة لـ"البازار" العقاري.

وفي هذا السياق، قال نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى، في حديث لـ"إيست نيوز" إنّ "السوق العقاري يعاني، تمامًا كما يعاني البلد، من غياب الاستقرار، ولن يعرف أي انتعاش حقيقي ما لم تتوفّر شروط الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي".

وأضاف موسى: "هناك حركة في السوق، لكنها غير نشطة لأنّ الواقع غير مستقر، وعلى الحكومة والسياسيين مسؤولية إعادة إنتاج هذا الاستقرار".

 الأسعار: انخفاض في القيمة أم انهيار في الثقة؟

في ظل موجات النزوح التي تسبّب بها القصف الإسرائيلي الأخير على الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية في 23 أيلول 2024، بدأت تظهر ملامح حركة غير اعتيادية في السوق. من جهة، هناك من يسعى إلى الهروب من المناطق المهددة ويبحث عن منازل للإيجار في المناطق التي تُعتبر أكثر أمانًا، ما رفع الطلب في بعض المناطق الجبلية والمتن وكسروان. ومن جهة أخرى، ظهرت موجة بيع سريعة لعقارات بأسعار منخفضة بدافع الخوف.

ورغم هذه الحركة، لم تشهد السوق ارتفاعًا عامًّا في الأسعار كما يُتوقع في مثل هذه الحالات. بل على العكس، شهدت فوضى في التسعير.

وقال موسى في هذا السياق: "في المناطق التي تُعتبر خط تماس أو مهددة، مثل الضاحية والجنوب، انخفضت الأسعار بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بعام 2019، بسبب اعتمادها الكبير على القروض السكنية، وهو ما لم يعد متاحًا بشكل طبيعي".

وفي المقابل، أشار موسى إلى أنّ "مناطق مثل رأس بيروت، الرملة البيضاء، وبعض أقسام كسروان وجبيل، لا تزال تشهد اهتمامًا، خصوصًا من قبل المغتربين الذين يملكون قدرة شرائية أعلى، وتصل نسبة الحركة فيها إلى 15% تقريبًا".

الأسعار "نار"

في موازاة ذلك، رصدت "إيست نيوز" ارتفاعات غير منطقية في أسعار الإيجارات، حتى في المناطق الشعبية التي كانت تُعد خيارًا للفئات المتوسطة والفقيرة.

ففي الطريق الجديدة، وخلال تواصلنا مع مكتب عقاري محلي، عُرضت شقة للإيجار بمبلغ يتجاوز 1200 دولار شهريًا، مع اشتراط دفع سنة سلفًا. أما في برج حمود، فقد تراوحت الإيجارات بين 1000 و1500 دولار شهريًا، أيضًا مع شرط الدفع المسبق لعام كامل، رغم أن هذه المناطق كانت تُصنّف سابقًا ضمن الخيارات الاقتصادية.

وحول هذه الظاهرة، قال موسى: "لا يوجد حتى الآن ارتفاع عام في أسعار الإيجارات لأن الطلب لا يزال خجولًا، لكن في لحظة التصعيد الفعلي، يبدأ الاستغلال وترتفع الأسعار فجأة، كما حصل في تجارب سابقة".

 قروض مفقودة وسوق مجزّأ طبقيًا

يشير موسى إلى أن السوق منقسمة بوضوح بين مناطق يستطيع فيها المستثمر الدفع نقدًا، ومناطق تعتمد بالكامل على القروض السكنية التي لم تعد متوفرة.

ويضيف: "في المناطق الشعبية التي تعتمد على العامل اللبناني، لا يمكن الحديث عن انتعاش، بل عن تراجع حاد في الطلب. الناس تنتظر، كما يُقال، الصاروخ الأول لتقرر إذا كانت ستبقى أو ترحل".

وفيما يتعلق بالحلول الممكنة، شدد موسى على أن "عودة السوق إلى دورته الطبيعية تتطلب أولًا إقرار قانون لإعادة هيكلة المصارف، وثانيًا تأمين القروض السكنية للشباب اللبناني، لأن غياب التمويل يعطّل كامل الدورة العقارية، من المستثمر الصغير إلى المطور الكبير".

 هل من أفق؟

في ظل هذا المشهد القاتم، تبقى السوق العقارية رهينة التطورات الميدانية والسياسية. فبين سيناريو الحرب الشاملة وبين احتمالات التسوية أو التهدئة، تتأرجح حركة السوق بلا اتجاه واضح. بعض المستثمرين يراهن على أن الفراغ يخلق فرصة، فيحاول اقتناص عقارات بأسعار منخفضة، لكنّ الغالبية ما زالت تعيش في دوامة الخوف والترقب.

أما عن الإيجارات، فقال موسى: "لا يوجد حتى الآن ارتفاع كبير في الأسعار لأن الطلب ما زال ضعيفًا، لكن مع تصعيد أي خطر، تبدأ موجة الاستغلال، ويبدأ البعض برفع الأسعار بشكل غير منطقي، كما حصل سابقًا".

العقار... مرآة الأزمات

الأكيد أن سوق العقارات في لبنان لم يعد كسابق عهده، بل بات مرآة صريحة لوضع بلد يتقلب فوق صفيح ساخن. فلا أمان للاستثمار، ولا استقرار للطلب، ولا حتى سقف لحجم الخسارة المتوقعة. وفي زمن الحروب، يتحوّل العقار من حلم إلى عبء، ومن فرصة إلى خطر، ومن ضمانة إلى ورقة محروقة على طاولة النار.

المنشورات ذات الصلة