عاجل:

الدعارة في لبنان: شبكات منظمة أم عمل فردي؟ "ضحايا" لـ "ايست نيوز" نخاف الحاضر والمستقبل (خاص)

  • ١٢١

خاص ـ "ايست نيوز"

مالك دغمان

في الليل، وعندما يخفت هدير السيارات وتنسحب زحمة الناس من أحد أكثر شوارع بيروت اكتظاظاً، ينبض المكان بحياةٍ أخرى. فتيات مصطفّات على الأرصفة، ضحكات صاخبة، واستعراض فاضح بين البغاء والرغبة، في مشهد بات جزءاً ثابتاً من يوميات العاصمة. في برج حمود ومناطق لبنانية أخرى، يزدهر سوق الدعارة بلا رقيب، رغم أن القصة ليست جديدة. الملف متروك ويتفاقم بصمت، وشائك إلى درجة تتطلّب تحركاً سريعاً وحازماً من الأجهزة المعنية لكبح جماح الانفلات ووقف ترسيخ تجارة تضرب صورة اللبنانيين وقيمهم في الصميم.

فالمنطقة التي يعتبرها البعض ملاذاً آمناً للهاربين من رقابة الدولة والأجهزة الأمنية، يعيش أهلها اليوم في خوف حقيقي: فوضى في الشوارع، مخالفات بالجملة، وعاملات جنس من جنسيات غير لبنانية يوسّعن دائرة التوتر والقلق بين السكان.

أرقام ومراقبة أمنية

تكشف مصادر أمنية لـ"إيست نيوز" أن الصورة «مُضخّمة جداً وغير واقعية»، مستغربةً من الصفحات التي تنشر مقاطع فيديو قديمة وتروّج لها على أنها جديدة، وطالبةً توخي الحذر في التأكد من تواريخ المقاطع منعاً لأي التباس. وتؤكد المصادر: «لا وجود لشبكات دعارة كبيرة؛ الموقوفون يعترفون بأنهم يقومون بتسهيل الدعارة بشكل فردي». وتضيف: «الظاهرة ما زالت موجودة، ولكن بشكل ضئيل جداً وبأعداد محدودة، والأجهزة المعنية تعمل على قدم وساق للحد منها، عبر تكليف دوريات يومية نهاراً وليلاً للحفاظ على أمن المنطقة».

أما عن الجنسيات، فتشير المصادر إلى أنها تتنوع بين كينيا وإثيوبيا وسيراليون والفلبين. وتتقاضى العاملات أجوراً تتراوح—بحسب التحقيق—بين 20 و70 دولاراً للخدمات المباشرة مثل المداعبة والبغاء، فيما تختلف التسعيرات في الشقق والفنادق والسيارات لتصل أحياناً إلى 200 دولار في الليلة.

وتلفت المصادر إلى أن «بعض الأماكن مجهّزة لتوفير خصوصية كاملة للزبائن، مع وجود نقاط مراقبة محدودة من الأجهزة الأمنية لضبط المخالفات»، موضحةً أن بعض المتورطين يقدمون خدمات إضافية تشمل المبيت أو الرحلات القصيرة، ما يجعل السوق أكثر سرّية وتعقيداً.

بين الخوف والبقاء

في خضم هذا الواقع، تحدثت "إيست نيوز" مع عاملتين أجنبيتين تكشفان الأبعاد الإنسانية للظاهرة، بين الحاجة للبقاء والخوف المستمر من الزبائن والمخاطر القانونية والضغط النفسي اليومي.

مريم (اسم مستعار) من إثيوبيا تقول: «لم أختر هذا الطريق، لكنه كان الخيار الوحيد لأرسل المال لعائلتي. كل يوم أشعر بالخوف من الزبائن ومن أي مخالفة قد توقعنا في مشاكل قانونية. أحياناً أُعامل كسلعة، وأعيش شعور الذل والخوف المستمر. حلمي الوحيد أن أعود إلى حياة طبيعية بعيداً عن هذا العذاب». وتضيف أن ساعات العمل طويلة، وأنها تتنقل بين أماكن مختلفة خوفاً من المراقبة أو الاعتداء، مؤكدة أن الخوف من السلطات يجعل كل خطوة محسوبة بدقة، حتى مع وجود بعض الدوريات الأمنية.

أما ليلى (اسم مستعار) من الفلبين فتقول: «الزبائن يأتون ويذهبون، لكن القلق يبقى. أجورنا صغيرة جداً مقارنة بما نخسره من كرامة وحياة شخصية. أحياناً أشعر أنني محاصرة بين الضغط النفسي وواجب إرسال المال لعائلتي. نعيش في سرّية تامة، ونحاول التأقلم مع الخوف من أي مخالفة قانونية أو اعتداء». وتشير إلى أن بعض الأماكن التي يعملن فيها توفّر خصوصية كاملة للزبائن، ما يزيد شعورهن بالعزلة وصعوبة الوصول إلى أي دعم أو حماية، رغم الجهود المحدودة التي تبذلها الأجهزة الأمنية.

حلول عاجلة

وبينما يستمر سوق الدعارة في التوسع، تبقى الحلول العاجلة مركّزة على ثلاثة محاور: الرقابة الأمنية المكثفة، حماية العاملات، ومكافحة شبكات الاستغلال. فالتحرك السريع ضروري قبل أن يصبح الواقع أكثر تعقيداً، وتصبح السيطرة على هذه التجارة التي تضرب أمن العاصمة وصورة لبنان داخلياً وخارجياً أكثر صعوبة.

المنشورات ذات الصلة