خاص ـ "ايست نيوز"
مالك دغمان
في الليل، وعندما يخفت هدير السيارات وتنسحب زحمة الناس من أحد أكثر شوارع بيروت اكتظاظاً، ينبض المكان بحياةٍ أخرى. فتيات مصطفات على الأرصفة، ضحكات صاخبة، واستعراض فاضح بين البغاء والرغبة، في مشهد بات جزءاً ثابتاً من يوميات العاصمة.
في برج حمود ومناطق لبنانية أخرى، يزدهر سوق الدعارة بلا رقيب، رغم أن قصته ليست جديدة. الملف متروك ويتفاقم بصمت، وشائك إلى درجة تتطلب تحركاً سريعاً وحازماً من الأجهزة المعنية لكبح جماح الانفلات ووقف ترسيخ تجارة تضرب صورة اللبنانيين وقيمهم في الصميم.
فالمنطقة التي يعتبرها البعض ملاذاً آمناً للهاربين من رقابة الدولة والأجهزة الأمنية، يعيش أهلها اليوم في خوف حقيقي: فوضى في الشوارع، مخالفات بالجملة، وخارجات عن القانون من جنسيات غير لبنانية توسّع دائرة التوتر والقلق بين السكان.
أرقام ومراقبة أمنية
تكشف مصادر أمنية لـ "ايست نيوز" أن الصورة «مضخّمة جداً وغير واقعية»، مستغربة من بعض الصفحات التي تنشر مقاطع فيديو قديمة وتروّج لها على أنها جديدة، وطالبة توخي الحذر والدقة في التأكد من تواريخ المقاطع المصوّرة منعاً لأي التباس.
وتتابع المصادر، "لا وجود لشبكات دعارة كبيرة؛ الموقوفون يعترفون بأنهم يقومون بتسهيل الدعارة بشكل فردي"، وتضيف، "الظاهرة ما زالت موجودة، ولكن بشكل ضئيل جداً وبأعداد محدودة، والأجهزة المعنية تعمل على قدم وساق وبسرعة قصوى للحد منها، عبر تكليف دوريات يومية نهاراً وليلاً للحفاظ على أمن المنطقة".
أما عن الجنسيات، فتكشف المصادر الأمنية لـ "ايست نيوز" أنها تتنوع بين كينيا، إثيوبيا، سيراليون والفلبين، ويتقاضين أجوراً تتراوح—بحسب التحقيق—بين 20 دولاراً وتصل حتى 70 دولاراً للخدمات المباشرة مثل المداعبة والبغاء وبيع الهوى، فيما تختلف التسعيرات في الشقق والفنادق والسيارات لتصل أحياناً إلى 200 دولار في الليلة".
وتشير المصادر إلى أن بعض، "الأماكن مجهزة لتوفير خصوصية كاملة للزبائن، مع وجود نقاط مراقبة محدودة من الأجهزة الأمنية لضبط المخالفات، بينما يقدم بعض المتورطين خدمات إضافية تشمل المبيت أو الرحلات القصيرة، ما يجعل السوق أكثر سرية وتعقيداً".
بين الخوف والبقاء
في خضم هذا الواقع، تحدثت "ايست نيوز" مع عاملتين أجنبيتين تكشفان عن الأبعاد الإنسانية للظاهرة، بين الاعتماد على هذا العمل للبقاء، والخوف المستمر من الزبائن والمخاطر القانونية، والضغط النفسي اليومي.
مريم (إسم مستعار)، من إثيوبيا: "لم أختر هذا الطريق، لكنه كان الخيار الوحيد لأرسل المال لعائلتي في الوطن. كل يوم أشعر بالخوف من الزبائن ومن أي مخالفة قد توقعنا بمشاكل قانونية. أحياناً أُعامل كسلعة، وأعيش شعور الذل والخوف المستمر، وأحلم فقط بيوم أتمكن فيه من العودة إلى حياتي الطبيعية، بعيداً عن هذا العذاب".
وتضيف مريم أن، "ساعات العمل الطويلة، حيث تتنقل بين أماكن العمل المختلفة خوفاً من أي مراقبة أو اعتداء، وتضيف أن الخوف من السلطات يجعل كل خطوة محسوبة بدقة، حتى في ظل وجود بعض الدوريات الأمنية".
ليلى، من الفلبين (إسم مستعار): "الزبائن يأتون ويذهبون، لكن القلق والخوف يبقى معنا دائماً. أجورنا صغيرة جداً مقارنة بما نخسره من كرامة وحياة شخصية، وأحياناً أشعر أنني محاصرة بين الضغوط النفسية وواجب إرسال المال لعائلتي. نعيش حياتنا في سرّية تامة، ونحاول أن نتأقلم مع الخوف المستمر من أي مخالفة قانونية أو اعتداء".
وتشير ليلى إلى أن، "بعض الأماكن التي يعملن فيها مجهزة لتوفير خصوصية للزبائن، ما يزيد من شعورهن بالعزلة والانفصال عن المجتمع، مع صعوبة الوصول إلى أي دعم أو حماية من السلطات، رغم الجهود المحدودة التي تبذلها الأجهزة الأمنية للحد من الظاهرة".
بينما تستمر سوق الدعارة في الصعود، تظل الحلول عاجلة ومركزة على ثلاثة محاور: الرقابة الأمنية المكثفة، حماية العاملات، ومكافحة شبكات الاستغلال. التحرك السريع ضروري قبل أن يصبح الواقع أكثر تعقيداً، ويصبح من الصعب السيطرة على هذه التجارة التي تضرب أمن العاصمة، وتسيء لصورة لبنان داخلياً وخارجياً.