عاجل:

السعودية تعيد فتح أبوابها ولبنان يقف على العتبة...انتعاش اقتصادي شامل والزراعة أول المستفيدين (خاص)

  • ٣٠

خاص _ "إيست نيوز" 

يتقدّم المشهد الاقتصادي في لبنان نحو منعطف حاسم مع اقتراب إعادة فتح السوق السعودية أمام المنتجات اللبنانية، خطوة يُنظر إليها بوصفها بداية مسار تعافٍ متعدد القطاعات، يبدأ بالزراعة ويمتد إلى الصناعة والتجارة والسياحة. وفي ظلّ التحضير لزيارة وفد اقتصادي سعودي إلى بيروت ومشاركة المملكة في مؤتمر "بيروت 1"، تبرز مؤشرات جدية حول عودة العلاقات الاقتصادية إلى مسار طبيعي طال انتظاره. هذه المبادرة تزامنت مع تحسن ملحوظ من الجانب اللبناني في ملفات أمنية، وهي تفتح آفاقاً مهمة لقطاع الزراعة اللبناني الذي عانى كثيرًا من الحظر وتراجع الأسواق.

خلفية الانفراج الاقتصادي

مصدر رفيع في السعودية صرح لوكالة "رويترز" بأن المملكة تعتزم تعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، بعد أن أظهرت السلطات اللبنانية فعالية في مكافحة تهريب المخدرات إلى السعودية.

هذا التصريح لا يمكن النظر إليه كخطوة تقنية فحسب، بل كإشارة سياسية قوية: السعودية قد تعيد فتح الأبواب تدريجيًا أمام المنتجات اللبنانية، شرط وجود ضمانات أمنية.

 من الجانب اللبناني، رحّب رئيس الحكومة نواف سلام بهذا التحوّل، معتبرًا أن هذه المبادرة تعكس “إرادة تاريخية” من الرياض في دعم استقرار لبنان وازدهاره. كما أكّد مسؤولون اقتصاديون لبنانيون أن إعادة فتح قنوات التبادل مع السعودية قد تكون نقطة انطلاق لإعادة بناء الثقة بين لبنان والعالم العربي.

 في مرجعية رسمية، يجري تحضير 22 اتفاقية تعاون بين لبنان والسعودية في مجالات متعددة، بينها الزراعة، كما أفادت "Arab News " هذه الاتفاقيات تمثل جزءًا من استراتيجية أطول لبناء شراكة اقتصادية فعلية وليس مجرد مصالحة رمزية.

 القطاع الزراعي اللبناني رهانات وتحديات الوضع الراهن

الزراعة تشكّل قطاعًا حيويًا في لبنان، من ناحية التشغيل والإنتاج. بحسب "“Investment Development Authority of Lebanon” (IDAL)"، فإن الزراعة تشغّل حوالي 11% من القوى العاملة اللبنانية، وهناك منتجات زراعية مثل الفواكه والخضروات تمتلك إمكانيات تصدير كبيرة. وقبل سنوات، كانت السعودية تستقبل نسبة مهمة من الإنتاج الزراعي اللبناني. كما أشار رئيس جمعيّة الفلاّحين في لبنان أنطوان حويّك إلى "أن السعودية كانت تستورَد 16٪ من إجمالي صادراتنا الزراعية قبل الحظر".

لكن الحظر الذي فرضته السعودية استنادًا إلى اتهامات تهريب المخدرات عبر شحنات زراعية ضرب القطاع بقوة. هذا الحظر تسبب في خسائر فادحة للفلاحين، خاصة أولئك الذين كانوا يعتمدون على السوق السعودي لتصدير فواكه وخضروات طازجة.

 الفرص في حال فتح السوق مجددًا

 إن عودة السوق السعودي أمام الزراعة اللبنانية قد تخلق “نقلة نوعية” حقيقية:

1 خلق طلب كبير

السوق السعودي، كأحد أكبر الأسواق في العالم العربي، يمكن أن يتضمن استهلاكًا كبيرًا للمنتجات الفلاحية اللبنانية (خضروات، فواكه، محاصيل مُعلّبة أو مُعالجة).

2 دعم العملة الصعبة

التصدير يعزز التدفقات من العملة الصعبة إلى لبنان — وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الانهيار الاقتصادي والنقدي.

3 تحفيز الاستثمار الزراعي

الشركات السعودية أو المستثمرون الخليجيون قد يرون في الزراعة اللبنانية فرصة: الأراضي الخصبة، التنوع الزراعي، وتقنيات الزراعة الحديثة يمكن أن تثير اهتمامهم. إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير البنية التحتية الزراعية من خلال شراكات بنى تحتية، تبريد، لوجستيات تصدير.

4 إعادة هيكلة الإنتاج

الفلاحون اللبنانيون قد يحتاجون إلى تحديث أساليبهم الإنتاجية، تحسين جودة التعبئة والتغليف، والالتزام بمعايير التصدير (كالنوعية، النظافة، التعبئة) لتلبية متطلبات السوق السعودي.

مواقف المسؤولين الزراعيين اللبنانيين

 من جانبهم، يقول بعض المسؤولين في القطاع الزراعي إن هذه اللحظة تمثل فرصة استراتيجية لإحياء قطاع الزراعة اللبناني. مثلاً، في تصريحات مشابهة لما قاله أنطوان حويّك، يُبرز الفلاحون أن الفواكه والخضروات التي كانت تصدّر إلى السعودية لم تعد تجد ذلك السوق، وأن إعادته سيمثل مخرجًا من ضغوط محلية كبيرة.

 من المنظور الرسمي، ولان القطاع الزراعي هو اول المستفيدين، يؤكّد وزير الزراعة نزار هاني:" أن السوق السعودية ليست مجرد وجهة تصديرية، بل الشريان الرئيس للصادرات الزراعية اللبنانية تاريخيًا، موضحًا أن إعادة فتحها «ستعيد الحياة إلى قطاع تلقّى ضربات قاسية منذ عام 2020".

أرقام ما قبل 2020: عصر الازدهار الخليجي

 وتكشف بيانات وزارة الزراعة التي يعرضها الوزير هاني أن العلاقة مع الخليج كانت ركيزة أساسية:

• 45% من الصادرات الزراعية اللبنانية كانت تتجه إلى دول الخليج.

• منها 13% للسعودية، 12.5% للكويت، 7.6% لقطر، 7.5% للإمارات، 3% لعُمان، و1.5% للبحرين.

• بلغت الكميات المصدرة إلى الخليج نحو 200 ألف طن من أصل 500 ألف طن إجمالي الصادرات الزراعية.

• السعودية كانت تستحوذ وحدها على نحو 60 ألف طن.

• القيمة الإجمالية للصادرات الزراعية إلى الخليج بلغت 242 مليون دولار، منها 32 مليون دولار للسعودية.

• وصل ميزان التبادل التجاري بين البلدين إلى 700 مليون دولار، بينها نحو 200 مليون دولار منتجات زراعية.

 هذه الأرقام تعكس الدور المركزي للسوق السعودية في استقرار القطاع الزراعي اللبناني، خصوصًا لجهة التصريف السريع والكميات الكبيرة. مع تبني "حوكمة صارمة" في المرحلة المقبلة، لإعادة تنظيم التصدير الزراعي وضمان الالتزام بالشروط الأمنية والجودة.

 أبعاد استراتيجية وسياسية

 هذا الانفتاح الاقتصادي السعودي لا يمكن فصله تمامًا عن السياق السياسي. فالسعودية، من خلال إعادة فتح العلاقات التجارية، ترسل إشارة: "نريد تعاونا، لكن بشروط". هذا الانفتاح يبدو مشروطًا بأداء أمني لبناني يُطمئن الرياض على قضايا مثل التهريب والمتاجرة غير المشروعة.

 في نفس الوقت، لبنان قد يرى في هذه المبادرة نقطة انطلاق لإعادة بناء ثقة عربية ودولية، وتجديد شبكته الاقتصادية مع دول الخليج. لكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة لبنان على تنظيم التصدير، تحسين جودة الإنتاج الزراعي، وتقديم ضمانات عملية للمستثمرين والمستوردين السعوديين.

المخاطر والتحديات

قد يكون هناك شروط مشدّدة من الجانب السعودي (لوجستية، أمنية، تنظيمية) لجعل التصدير ممكنا، مما يزيد من الأعباء على المزارع اللبناني. فهو يحتاج إلى استثمارات أولية (تبريد، تعبئة، نقل) لتحسين الإنتاج وتحضير ما يُصدَّر بشكل يلبي المعايير.

ولكن امام هذا الانفتاح شرط، فإذا لم يكن هناك استقرار سياسي داخلي في لبنان، أو إذا فشلت الحكومة في تقديم ضمانات واضحة، فإن إعادة الانفتاح قد تبقى مؤقتة.

 ان عودة التعاون الاقتصادي بين السعودية ولبنان تمثّل فرصة استراتيجية وليس مجرد تصالح سياسي. إذا تم استثمارها بحكمة، خصوصًا في القطاع الزراعي، يمكن أن تعيد إشعال محرك الإنتاج اللبناني وتفتح مخرجًا للفلاحين الذين عانوا من سنوات من الإغلاق والتراجع.

 لكن الطريق أمام هذا التعاون ليس مفروشًا بالورود: النجاح يتطلب التزامًا من الطرفين، تنظيمًا دوليا ومحليا، وضمانات أمنية ولوجستية قوية. وموقف المسؤولين الزراعيين يظهر أنهم يدركون هذا المزيج من الفرص والتحديات، وهم على استعداد للعمل، لكنهم يحتاجون إلى شريك سعودي شريك جاد، لا مجرد شعار سياسي.


المنشورات ذات الصلة