عاجل:

تراجع التضخم في لبنان بين 2024 و2025: بركات لـ"ايست نيوز ": "التضخم تراجع لكن الضغوط لم تنته" (خاص)

  • ٦٣

خاص – "إيست نيوز"

عصام شلهوب

يشهد لبنان منذ مطلع عام 2025 منحى تراجعيا في مستويات التضخم، بعد سنوات متتالية من الارتفاعات القياسية التي أرهقت المستهلكين ودفعت آلاف الأسر إلى إعادة هيكلة نمط حياتها. وفي تشرين الأول 2025، سجّل معدل التضخم السنوي 12%، مقابل 22% في الشهر نفسه من عام 2024، بحسب أحدث بيانات مؤسسة البحوث والاستشارات. ورغم أن هذا التراجع يُعد مؤشراً إيجابياً في بلد يعيش على وقع أزمات ممتدة، إلا أنّ آثاره ما زالت متفاوتة بين القطاعات، وبين فئات المجتمع.

القطاعات الاقتصادية: تراجع في المظاهر… واستمرار للتباينات

البيانات القطاعية تُظهر صورة أكثر تعقيداً من الرقم الإجمالي للتضخم. فالمؤشر العام يخفي اختلافات جوهرية بين الفئات، حيث شهدت بعض السلع والخدمات انخفاضاً في وتيرة ارتفاع الأسعار، فيما حافظت قطاعات أخرى على مستويات تضخمية عالية.

ويوضح الجدول التالي مقارنة بين معدلات التضخم في 2024 و2025

معدل التضخم 2025 معدل التضخم 2024

السلع الغذائية الأساسية 35.40% 13.4%

السكن والمرافق 6.55% 9.1%

الملابس 6.49% 2.5%

النقل 8 .18% 1.9%

الصحة 9.82% 11.1%

التعليم 14.39% 2.5%

الترفيه والثقافة 12.45% 30.5%

الاتصالات 2.70% 6.6%

خدمات متنوعة 4.02% 26.9

وعلى الرغم من أن بعض القطاعات كالصحة والسكن والاتصالات سجّلت انخفاضاً أو استقراراً نسبياً، إلا أن الارتفاع الكبير في المواد الغذائية – التي تشكل الجزء الأكبر من إنفاق الأسر محدودة الدخل – يُبقي على الضغوط المعيشية قائمة، بل ومتزايدة.

تأثير التضخم على أصحاب الدخل المحدود: أعباء رغم الانخفاض

قد يوحي تراجع التضخم بأن التحسن بات ملموساً في حياة اللبنانيين، لكن الواقع الاجتماعي يشير إلى غير ذلك. فارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تفوق 35% يستهلك الجزء الأكبر من ميزانية الأسر ذات الدخل المحدود. كما أنّ ارتفاع كلفة التعليم والنقل يضغط بشدة على الطبقة الوسطى التي تتلاشى تدريجياً.

وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن أثر التضخم على الفئات الضعيفة يكون مضاعفاً، لأن الجزء الأكبر من إنفاق هذه الفئات يذهب إلى السلع الأساسية غير القابلة للتخفيض. وبالتالي، فإن انخفاض بعض المؤشرات لا ينعكس مباشرة على سلوك الاستهلاك اليومي أو القدرة الشرائية.

بركات: “التضخم تراجع… لكن الضغوط لم تنتهِ”

وللوقوف عند دلالات هذه الأرقام وتفسير خلفياتها الاقتصادية، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور مروان بركات، كبير الاقتصاديين ورئيس مركز الدراسات والبحوث في بنك عوده

● كيف تقرأون هذا الانخفاض في معدل التضخم؟

ـ ما نراه اليوم هو تراجعٌ في وتيرة الارتفاع وليس انخفاضاً فعلياً في الأسعار. بمعنى آخر، الأسعار ما زالت مرتفعة لكنها ترتفع ببطء أقل. وهذا مرتبط إلى حد كبير باستقرار سعر الصرف خلال الأشهر الماضية، والذي شكّل عامل كبح رئيسياً للتضخم.”

● هل ينعكس هذا التراجع على المستهلكين؟

ـ التأثير متفاوت. فمثلاً، انخفاض معدلات التضخم في السكن والاتصالات يخفف العبء الشهري عن بعض الأسر، لكن الارتفاع الكبير في الغذاء يبقى العامل الأكثر تأثيراً على الفئة الأوسع من اللبنانيين. المستهلك من ذوي الدخل المحدود لا يشعر كثيراً بالتحسن، لأن الجزء الأكبر من دخله يذهب إلى الطعام والمحروقات وبعض الخدمات الأساسية.”

● ماذا عن الطبقة الوسطى؟

“الطبقة الوسطى في لبنان تُعاني من ضغوط مختلفة: كلفة التعليم التي تجاوزت 14%، وكلفة النقل التي استمرت بالارتفاع. هذه النفقات تُعد ثابتة بالنسبة لهذه الفئة، ولا يمكن تقليصها بسهولة، ما يجعل الضغط عليها أكبر من الفئات الأخرى.”

● هل يمكن القول إن التضخم تحت السيطرة؟

“نعم… ولكن بشروط. الاستقرار النقدي كان عاملاً حاسماً، لكن هذا الاستقرار بحاجة إلى إصلاحات هيكلية ليصبح مستداماً. من دون تلك الإصلاحات، يبقى خطر عودة التضخم قائماً، خصوصاً في ظل غياب خطة واضحة لاحتواء الأسعار وضبط الأسواق.”

انعكاسات اقتصادية أوسع: بين التحسن الهش وضرورة الإصلاحات

على المستوى الاقتصادي العام، يمكن أن يسهم هذا التراجع في تعزيز الثقة نسبياً بالنشاط الاقتصادي، وتشجيع الاستهلاك والاستثمار. لكنه يبقى تحسناً هشاً، مرتبطاً بعوامل ظرفية مثل استقرار سوق الصرف وغياب الصدمات الخارجية.

ويجمع الاقتصاديون على أن المطلوب هو:

 • سياسات رقابية أكثر فعالية لضبط الأسعار

 • تحفيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد

 • دعم أكبر لبرامج الحماية الاجتماعية

 • معالجة كلفة التعليم والنقل التي تستنزف دخل الأسر

رغم أن انخفاض التضخم من 22% إلى 12% يُعدّ مؤشراً واعداً، إلا أن ما يعيشه اللبنانيون على أرض الواقع لا يزال صعباً. فالتفاوت الكبير بين القطاعات، والعبء المتزايد على الأسر محدودة الدخل، وغياب الإصلاحات البنيوية، كلها عوامل تجعل من التحسن الحالي خطوةً أولى فقط في مسار طويل نحو الاستقرار.

المنشورات ذات الصلة