عاجل:

الحاسة السادسة: بين العلم والحدس... قدرة خارقة أم قراءة مسبقة في العقل البشري!؟ (خاص)

  • ٥٦

خاص- إيست نيوز

عبير درويش

في زمن تتقاطع فيه الاكتشافات العصبية مع ثورة الذكاء الاصطناعي، يعود الجدل الأزلي: هل يمتلك الإنسان حقًا حاسة سادسة تمنحه القدرة على "رؤية" ما لا يُرى، أم أن الأمر لا يتجاوز عملًا ذكيًا للدماغ يستبق الأحداث عبر تراكم الخبرات؟

في حديث خاص لـ "إيست نيوز" قدّم كل من الخبير في التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي للمؤسسات الحكومية والخاصة المهندس علي أحمد، والأخصائية النفسية نور الحلو، مقاربة مزدوجة علمية وعصبية ونفسية تكشف ما يُخفى خلف هذا اللغز الإنساني المتوارث منذ آلاف السنين.

السادسة بين العلم والحدس

توضح الأخصائية النفسية نور الحلو أن ما يُسمّى بـ"الحاسة السادسة" لا يمتلك دليلًا علميًا قاطعًا يدعمه، إذا كان المقصود قدرات خارقة مثل التخاطر أو التنبؤ بالأحداث المستقبلية خارج قوانين الفيزياء. لكنّها تشير إلى أن ما يعيشه الناس في لحظات "الإحساس" قبل وقوع الحدث، أو الشعور بالخطر بشكل لا واعٍ، هو في الواقع نتاج معالجة عصبية دقيقة ومعقدة يقوم بها الدماغ دون علم الشخص.

وتستعرض الحلو البنية العصبية التي تُشتبه بأنها أساس هذه الظاهرة:

• الفص الجزيري (Insula): مصنع "الشعور الداخلي"، حيث تُدمج الإشارات الجسدية والعاطفية لتوليد الإحساس الغريزي الذي يصفه الناس بـ "قلبي قال لي".

• اللوزة الدماغية (Amygdala): مركز الإنذار السريع الذي يلتقط الخطر قبل أن يعيه الإنسان.

• القشرة الجبهية الأمامية: الموازن بين الحدس والمنطق، والمتلقي النهائي لهذا "الإنذار العصبي".

وتشرح أن الإدراك اللاواعي — أو ما سمّاه الدكتور ستيفن بورجيس بـ الإدراك العصبي (Neuroception) — هو مرشح قوي لأن يكون النسخة البيولوجية الحقيقية لما يظنه البشر "حاسة سادسة".

فالدماغ يلتقط تعابير وجه تستمر أجزاء من الثانية، تغيرًا خفيفًا في نبرة الصوت، أو توترًا في لغة الجسد… ويحوّلها إلى شعور داخلي يسبق التفكير المنطقي.

الديجا فو… حين تتلاعب الذاكرة بالواقع

تتوقف الحلو عند ظاهرة ديجا فو (Déjà vu)، التي تُعتبر أحد أكثر أشكال "الإحساس الوقائي" غموضًا. وتشرح أنها نتيجة ثغرة في آلية تخزين الذكريات:

إما بسبب خلل لحظي في الفص الصدغي، أو تفاوت سرعة المعالجة بين الفصّين، أو تداخل بين الذاكرة القصيرة والطويلة.

وهي ليست دليلاً على قدرات خارقة، بل على تعقيد مذهل في بنية الذاكرة البشرية.

بين العقل والآلة… هل يمتلك الذكاء الاصطناعي "حاسة سادسة"؟

من زاوية مختلفة، يقدّم المهندس علي أحمد قراءة تقنية عميقة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يستطيع محاكاة الحدس البشري أو التفوق عليه.

ويشير أحمد إلى أن: الذكاء الاصطناعي قد يقترب من الحدس من حيث القدرة على استنتاج الأنماط الخفية عبر تحليل بيانات ضخمة،

• لكنه لا يملك الوعي الداخلي الذي يصنع "الشعور" البشري، ولا العاطفة، ولا التجربة الشخصية.

ويضيف أن الآلات قد تتفوق إحصائيًا على ما يصفه الناس بـ"الحاسة السادسة"، لأنها تعتمد على الاحتمالات والرياضيات، بينما الحدس الإنساني يعتمد على الذاكرة العاطفية والسياق الشخصي.

ويرى أن التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي قد يساهم مستقبلًا في كشف أسرار الحدس، ولا سيّما مع دمج أبحاث الأعصاب ببيانات التعلم العميق، لكنه لن يحلّ محلّ التجربة الشعورية التي تميّز الإنسان.

ويقول أحمد لـ"إيست نيو": "قد تتمكن الخوارزميات من التنبؤ بسلوك الإنسان بدقة مذهلة، لكن الإنسان سيظل متفوقًا بما يملكه من إبداع ومشاعر وقرارات غير متوقعة لا يمكن للآلة استنساخها."

بين الدجل والحدس… أين يقف العلم؟

توضح الحلو أن الفارق كبير بين الحدس الطبيعي المبني على الإدراك العصبي وبين ما يُروَّج له كـ"قدرات خارقة".

فالحدس حقيقة علمية بيولوجية، أما التخاطر والاستبصار والتنبوء فهي تصنَّف ضمن الإدراك الحسي الفائق (ESP) الذي لم يُثبت علميًا رغم تاريخ طويل من المحاولات منذ القرن التاسع عشر، من جمعية الأبحاث النفسية إلى تجارب بطاقات زينر في جامعة ديوك.

وتشير إلى أن أساليب مثل قراءة الفنجان أو أوراق اللعب لا تستند إلى قدرات غيبية، بل تعمل غالبًا مثل التحليل النفسي الشعبي عبر قراءة الانفعالات والسياق والشخصية، وتمنح الناس مساحة للتعبير عن مشاعرهم.

الحاسة السادسة… لغز بين العلم والخيال

بحسب مقاربة المهندس علي أحمد والأخصائية نور الحلو، فإن ما نسمّيه "الحاسة السادسة" ليس قدرة خارقة، بل تفاعل معقّد بين الدماغ، الذاكرة، العاطفة، والخبرة البشرية.

الحدس ليس سحرًا، والذكاء الاصطناعي ليس وحيًا، لكن كليهما يحاول — بطريقته — فهم العالم قبل أن يتشكل في وعي الإنسان.

بين العلم الذي يشرّح، والحدس الذي يسبق، والآلة التي تحسب…

يبقى السؤال مفتوحًا: هل الحاسة السادسة حقيقة غائبة… أم مجرد لعبة عقل ذكية لا نفهمها بعد؟


المنشورات ذات الصلة