خاص - ايست نيوز
عصام شلهوب
يزداد القلق بين هدير الغارات في الجنوب وتجمّع الدخان فوق البلدات الحدودية، مما قد تؤول إليه الساعات الآتية. فالمشهد لم يعد مجرد مناوشات متناثرة، بل مواجهة تتخذ شكلًا أكثر تنظيمًا، وسط سباق بين منطق الاحتواء وضغط التصعيد. وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى المناطق التي قد تحدد شكل المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها محور جبل الشيخ – حاصبيا الذي يعود إلى الواجهة كإحدى أكثر النقاط حساسية على الخريطة العسكرية.
تقديرات مفتوحة… ولا يقين في الأفق
المعطيات السياسية والأمنية تشير إلى أن الاحتمالات ما زالت متشابكة. فثمّة من يرى أن المواجهة ستبقى ضمن حدودها الحالية، مع تبادل ناري متفاوت من حيث الحجم والهدف، فيما لا يستبعد آخرون إمكانية توسّع رقعة النار إذا خرجت الأمور عن السيطرة أو حدث تطور مفاجئ يفرض تغييرًا في قواعد الاشتباك.
أما سيناريو التهدئة المشروطة فيبقى قائمًا بحدود معيّنة، لكنه هشّ إلى درجة لا تسمح بالاطمئنان، خصوصًا في ظل المفاوضات الإقليمية المرهقة وغياب التفاهمات الحاسمة بين القوى المؤثرة.
بين الاستهدافات والردود… ميزان لا يستقر
الغارات التي شهدتها مناطق عدّة جنوبي البلاد خلال الأسابيع الأخيرة رفعت مستوى التوتر، خصوصًا مع سقوط قتلى وجرحى. وفي المقابل، بقيت ردود المقاومة محكومة بسقف واضح، يوازن بين ردع الخصم ومنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
هذا التوازن الدقيق — الذي تستفيد منه جميع الأطراف — يجعل أي خطأ ميداني عاملًا كفيلًا بتغيير المشهد في دقائق، وفتح الباب أمام تصعيد لا يمكن ضبطه بسهولة.
جبل الشيخ – حاصبيا… النقطة التي تغيّر المعادلة
تستعيد المنطقة الممتدة من جبل الشيخ إلى حاصبيا مرورًا بوادي التيم أهميتها في التحليلات العسكرية نظرًا لطبيعتها الجغرافية وموقعها الرابط بين الجنوب والبقاع. وتشير تقديرات ميدانية إلى أنّ هذه المنطقة قد تتحول إلى خط انطلاق لمرحلة أكثر خطورة في حال توسعت العمليات أو حاولت إسرائيل استهداف مواقع تعتبرها مؤثرة في البنية العسكرية للمقاومة.
فالمرتفعات تمنح رؤية واسعة وممرات تفصل بين السهول والوديان، ما يجعلها ذات قيمة استراتيجية عالية. وإذا ما تحركت الجبهة في هذا الاتجاه، فقد تمتد دائرة الاشتباك نحو شرق الجنوب وتقترب من العمق البقاعي، وصولًا إلى المسار الطبيعي المتصل بنهر الأولي جنوب بيروت، الأمر الذي ينقل المواجهة إلى مستوى جديد تمامًا.
الاقتصاد… جسد متعب يخاف رصاصة طائشة
وبينما يترقب اللبنانيون تطورات الجنوب، يقف الاقتصاد على حافة أخرى لا تقل خطورة. فبعد أشهر طويلة من محاولات شاقة لاستعادة بعض التوازن — بدءًا من ضبط نسبي في سعر الصرف، مرورًا بانحسار تدريجي لمعدلات التضخّم، ووصولًا إلى خطوات خجولة لإعادة تحريك قطاعات الإنتاج — بدا وكأن البلد يلتقط أنفاسه بصعوبة، ويمشي خطوات صغيرة نحو طريق إصلاح طويل ومليء بالعثرات.
لكن أي تصعيد عسكري واسع كفيل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فالأسواق حسّاسة أمام الأخبار الأمنية، والاستثمارات التي بدأت تلوّح بخجل تعود سريعًا إلى مربع الحذر، فيما يهدد تعطّل المرافق الحدودية والمرافئ وطرق النقل بشلل تجاري وارتفاع جديد في الأسعار، خصوصًا على أصحاب الدخل المحدود الذين بالكاد تحملوا ارتدادات السنوات الماضية.
وفي مكاتب الاقتصاد والمصارف والهيئات الدولية، يدور همس واحد: "لبنان لا يملك ترف حرب طويلة."
فالجهد المبذول لإبعاده عن حافة الانهيار — مهما كان متواضعًا — يعتمد على حدٍّ أدنى من الاستقرار، وعلى قدرة المؤسسات على العمل، وعلى بقاء دورة الحياة الاقتصادية مستمرة ولو بأضعف نبض.
لذلك، يخشى الخبراء أن يعصف أي توسّع عسكري بكل محاولات الانتعاش، محوِّلًا آمال التعافي إلى مجرد ذكرى مؤجلة، ودافعًا البلاد مجددًا نحو دوامة اضطراب مالي ومعيشي قد تكون الأصعب منذ عقود.
المشهد اللبناني: أعصاب مشدودة وغياب اليقين
لا يزال الداخل اللبناني يحبس أنفاسه، بين غياب رؤية سياسية واضحة وازدياد التحركات الدبلوماسية التي تحاول منع السقوط في حرب شاملة.
كل الأطراف — من القوى المحلية إلى اللاعبين الإقليميين — تدرك أن أي اشتعال واسع سيضع البلد أمام واقع بالغ الخطورة لن يكون سهلًا احتواؤه.
لبنان يقف مجددًا أمام المفترق ذاته الذي عرفه مرارًا: بين حرب قد تفرض نفسها وتهدئة تبحث عن ظروفها.
وفي قلب هذه المعادلة، يبرز محور جبل الشيخ – حاصبيا كنقطة مفصلية قد تحدد شكل الأيام المقبلة، بينما يقف الاقتصاد على أعتاب اختبار آخر. فتصاعد القتال ليس تهديدًا أمنيًا فحسب، بل تهديد لحياة المواطنين ومعيشتهم، ولجهود إعادة لبنان إلى الطريق الصحيح.