عاجل:

فارس سعيد من راشيا الفخار: لحظة تاريخية مؤاتية لإعادة الاعتبار إلى الدولة

  • ١٠

نظم رئيس بلدية راشيا الفخار نائب رئيس اتحاد بلديات العرقوب بيار عطالله، بمناسبة عيد الاستقلال لقاء حواريا مع النائب السابق فارس سعيد، بمشاركة ممثلين للاحزاب في المنطقة وفعاليات وحضور من المنطقة.

وألقى سعيد كلمة رأى فيها أن "اللبنانيين اختبروا حالتين نقيضتين: حالة العيش معاً بسلام، وحالة اللاعيش معاً.. وفي الحالتين كُنّا مَضرِبَ المثل". وقال: "في الحالة الأولى كنّا: شركاء أصيلين في وَضع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وفي ميثاق الجامعة العربية، وفي الوثيقة التأسيسية لمنظمة اليونسكو، مثلما كنّا: جامعة الشرق، ومستشفى الشرق، ومصرِف الشرق، والمنبر الاعلامي الحرّ في الشرق.. وفوق ذلك كلّه كنّا "أكثر من بلد.. كنّا رسالةً في محيطنا والعالم"، بحسب عبارةِ قداسة البابا بوحنا بولس الثاني ودعوتِه. وفي حالةِ اللاعيش معاً كنّا مضرِبَ مَثَلٍ على "كيف يهدمُ شعبٌ دولتَه على رأسه، حين يُرفعُ الاختلاف (أي التعدُّد والتنوّع الطائفي – وهو نعمة) إلى منزلة الخِلاف (أي الشِّقاق والنزاع – وهو نقمة)".. هذا الوصف ليس من عندي، وإنما هو مضمونُ ما قالته الأكاديمية الفرنسية أوائلَ التسعينيات من القرن الماضي، حين أدخلت على قاموسها La Rousse مصطلحاً جديداً هو "اللَّبنَنة" Libanisation، على غرار "البَلقَنة" Balkanisation، كما قالت".

أضاف: "بالعودةِ إلى الحديث عن تنوُّعِنا وتعدُّدنا في لبنان، لطالما سمعنا من قالَ ولمّا يَزَل بأنّ تاريخَ عيشنا معاً، وبسبب تنوُّعِنا وتعدّدِنا، كان سلسلةً من المناكفات والنزاعات والتّوافقات.. أنا من القائلين بالعكس.. وأضيفُ بأنّ صيغة عيشِنا التي ارتضيناها منذ نشوءِ الكيان الوطني اللبناني هي صيغةٌ صَعبةٌ تحتاجُ إلى تفهُّمٍ ورفقٍ ودراية، لا بل هي الأصعب، ولكنها الأجمل!.. وهذه مناعةٌ عندي فكرية، موثّقةٌ ومُسَدّدةٌ بفعلِ إيمان وبواقعِ عيشٍ يوميّ مع الآخر المختلف الذي يمثّل جزءاً من تعريف الذات".

وتابع: "نشرت صحيفة Le Figaro في عددها يوم الثلاثاء 18-11-2025 استطلاع رأي لشركة IFOP أكّد على صعود التيار الاسلامي عند المسلمين الفرنسيين. على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت نسبة ارتداء الحجاب عند البنات من 6% إلى 43% داخل المدارس الرسمية بين العام 2004 والعام 2025، رغم صدور قرار منع الحجاب في الأماكن العامة. إن هذه التجربة تؤكد لنا عجز اللامركزية الفرنسية الموسعة كما العلمانية الفرنسية عن معالجة مشاكل العيش معاً مختلفين، بينما أكدت التجربة اللبنانية على قبول الآخر المختلف كما هو وليس كما نريده أن يكون. كما أن الدستور اللبناني (الذي لم يعجب أحد) لحظ وأكد على أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".

وقال: "وبعد.. لقد استرعى انتباهي اختياركم الموفّق لتوقيت هذا اللقاء: عيد الاستقلال 22 تشرين الثاني، وعشيّة زيارة قداسة البابا ليون الرابع عشر إلى لبنان. فلهذا التوقيت دلالةٌ ورمزيةٌ وثيقتا الصّلة بمضمونِ حوارِنا ومَقاصِدِه. فذكرى الاستقلال تدعونا إلى التأمّل والتفكّر والتدبّر في حالِ استقلالنا اليوم، وتحديداً في حالِ "الدولة السيّدة الحرّة المستقلّة" بأبعادها التعريفيّة الثلاثة، والمحدّدة في فلسفة الاجتماع السياسي والفقه الدستوري الحديثين". الدولةُ بما هي أولاً "أعظمُ اختراعٍ اجتماعي لحفظِ الحقوق، ودرءِ المفاسد (أي استبعادها وتَوَقّيها)، وجَلبِ المنافعِ العامة" – العامة وليس الخاصّة؛ والدولةُ بما هي ثانياً صاحبةُ الحقّ الحصري في استخدامِ العُنف، دون أي جهةٍ أخرى؛ والدولةُ بما هي ثالثاً الجهةُ التي نأتي إليها جميعاً بشروطِها، وليس بشروط كلٍّ منّا. بغير ذلك، أي تلك الأبعاد الثلاثة مجتمعةً، لا يكونُ عيشُنا معاً عيشاً حقيقياً وفِعلياً، وإنما هو أحسنِ الأحوالِ مُجاوَرةٌ ومُساكنة.. وبغير ذلك لا تكونُ الدولةُ سوى مكانٍ للمحاصصةِ وسوقٍ للمبازرة.. نُرسل إليهما مندوبينا للبيع والشراء وعقدِ الصفقات.. فإن اتفقوا فلِصالح أشخاصهم، وإن اختلفوا فالخسارةُ على الناس، كلّ الناس!.. "وقمح بدّك تاكلي يا حنّة ويا إم حسين!".

أضاف: "أما زيارة قداسة البابا ليون الرابع عشر، وفي هذا الوقت بالذات، فهي دعوةٌ مشدّدة للحفاظ على معنى لبنان، بوَصفِه رسالةً في محيطه والعالم للعيش معاً بسلام، متساوين ومختلفين.. والحقيقة أن الكنيسة الرسولية الجامعة دأبت على رعاية هذا المعنى في الشرق منذ الفاتيكان الثاني 1963-1965 مع قداسة يوحنا الثالث والعشرين وبولس السادس، ثم مع السينودس من أجل لبنان 1995 وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي "رجاءٌ جديدٌ للبناني"، ثم مع قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر وإرشاده الرسولي "من أجل سلام الشرق الأوسط"، ثم مع قداسة البابا فرنسيس في "وثيقة الأخوّة والانسانية" بالشراكة مع سماحة شيخ الأزهر، والآن مع البابا ليون الرابع عشر بعد عشرة أيام".

وتابع: "إذا كان إرشاد البابا يوحنا بولس الثاني قد مثّل "رجاءً جديداً للبنان"، فإنّي أرى في زيارة البابا ليون وما يمكن أن يّصدُرَ عنها من إرشادٍ رسولي أو إعلان – أرى فيها رجاءً متجدّداً للبنان، للاعتبارات التالية: هي أولً زيارة يقوم بها قداسة البابا إلى بلد خارجَ حاضرة الفاتيكان. ولهذا الاعتبار دلالةٌ على أولويات اهتمامه. وهي زيارةٌ تأتي فيما يعيشُ اللبنانيون قلقاً مضاعفاً حين يسمعون من أفواه المراقبين بأن لبنان ليس من أولويات اهتمام القوى الفاعلة والكبرى في العالم. وهي تأتي أيضاً وخصوصاً – ولعله الاعتبار الأهم من الناحية الجيوسياسية – تأتي في لحظة تاريخية تشهدُ تحوّلاً في تعاطي العالم مع منطقتنا. يتمثّلُ هذا التحوّل في مَيلٍ واضح إلى التعامُل مع "الدولة الوطنية"، بدلاً من التعامُل السابق على مدى عقود مع القوى الموازية للدولة والخارجة عن الدولة".

وختم: "بهذا المعنى هي لحظةٌ تاريخية مؤاتية، أو فُرصةً كما جرى مؤخراً على ألسنةِ المتحدّثين، لإعادة الاعتبار إلى الدولة الوطنية في لبنان. أنا أفهمُها فرصةً لهذه الغاية، وليست فرصةً للثأريّات، استناداً إلى انقلاب موازين القوى.. أنا مع قوة التوازن، وليس اللّعِب على موازين القوى.. ولقد أسعَدَني أن سمعتُ قبل أيامٍ فخامة رئيس الجمهورية يقول: "خّيارُنا هو اتّباعُ قوّة المنطق، لا مِنطِقِ القوة" – قال ذلك رداً على الضّغوط والتهديدات التي تنهالُ على الدولة من القريب والبعيد، من الصديق والعدو".

المنشورات ذات الصلة