عاجل:

46 عاماً ...وحده السيد موسى الصدر الإمام العابر للطوائف وحامي الفقراء والمظلومين

  • ٣٤

انه 31 آب ذكرى تغيب الامام موسى الصدر، الرجل الذي لمع اسمه كالبرق في لبنان متجاوزاً كل المعابر المذهبية والطائفية ابان الحرب الاهلية بحنكته وذكائه.

وبعد مرور 46 عاما من التغيب القسري لاتزال هذه القضية الوطنية يلفها الكثير من الغموض، رغم ان اصابع الاتهام وجهت منذ اللحظة الاولى الى النظام الليبي باختطاف الامام الصدر ورفيقية الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

مضت أكثر من 4 عقود، ولبنان يتهم ليبيا بالمسؤولية المباشرة عن اختفاء الصدر ورفيقيه، لكن نظام القذافي نفى دومًا اختفاءهم أثناء وجودهم على أراضيه، وأكد أنهم غادروا إلى إيطاليا قبل الاختفاء، إلا أن السلطات الإيطالية أكدت أن الثلاثة لم يدخلوا البلاد لأنهم لم يخرجوا من ليبيا أصلاً..

ومنذ سقوط نظام القذافي عام 2011، تطالب الدولة اللبنانية  بإلحاح السلطات الليبية بتوضيح مصير الصدر ورفيقيه، وتقول إن "مدير الاستخبارات الليبية السابق عبد الله السنوسي يعلم كلّ شيء حول اختفاء الامام"، وهو الذي ختم "زورًا" جوازات سفرهم إلى روما..

ومنذ عام 2012، يقبع السنوسي (73 عامًا) في سجن معيتيقة وهو أكبر سجن غربي البلاد، حيث يتم معاملته ”مثل كبار الشخصيات ويتم فحصه بانتظام من قبل أطبائه الخاصين“، وفق ما أكده أحد حراس السجن في وقت سابق..

وبعد مرور أكثر من 4 عقود، لا تزال قضية اختفاء الإمام الصدر دون نهاية، رغم الجهود التي بذلت بعد سقوط نظام القذافي بالتنسيق مع لبنان.

إلا أن حالة الفوضى العارمة والانقسام والتقاتل التي تشهدها ليبيا، تعيق على ما يبدو أي محاولة للكشف عن ملابسات اختفاء الصدر بشكل تام وبأدلة قطعية.

الفقر والحرمان هاجس الصدر

بدأ الامام ارشاداته وخدماته الاجتماعية على مستوى واسع وشامل وبدأ حركة شاملة في قرى جبل عامل، بعلبك والهرمل في سبيل انقاذ الناس من الفقر والحرمان وامتدت نشاطاته حتى شملت بقية مناطق لبنان، وقد تمكن سماحته في مدينة صور من ان يقوي اواصر الاخوة بين اللبنانيين والطوائف الدينية الموجودة هناك ... كما شارك في النهضات الاجتماعية وفي كثير من المبادرات الخيرة كمساعدة المؤسسات الخيرية والتنظيمات الثقافية، كما اعاد نشاط جمعية "البر والاحسان" وتولى بنفسه مسؤولية ادارة المؤسسة والاشراف عليها، كما بادر بجمع التبرعات والاعلانات من الناس الخيرين في سبيل تعليم الايتام ومساعدتهم من الناحية المادية، وبادر ايضاً بتأسيس مدرسة مهنية على مستوى عالٍ باسم مهنية اخرى خاصة بالفتيات باسم (بيت الفتاة) واسس بعد ذلك (معهد الدراسات الاسلامية) في صور.

سافر موسى الصدر إلى عدد كبير من البلدان العربية والاسلامية والافريقية والاوروبية وشارك في كثير من المؤتمرات العالمية واقام علاقات مع عدد من المؤسسات الانسانية والاجتماعية والثقافية على المستوى العالمي.

كما سعى في ظل النظام اللبناني القائم على اساس الطائفية إلى تشكيل مجلس خاص بالشيعة، حيث قدم ممثلو الشيعة في البرلمان اللبناني لائحة قانونية إلى البرلمان تنص على السماح للشيعة بتأسيس مجلس باسم "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" وصادق البرلمان اللبناني ورئيس جمهوريته عليها في 16/5/1967. وفي 23/5/1969 تم انتخاب الإمام موسى الصدر رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى.

وبعد فترة من انتخابه رئيساً للمجلس اعلن الإمام موسى الصدر عن الاهداف التي يسعى المجلس لتحقيقها وهي:

‌أ- تنظيم شؤون الطائفة الشيعية، والسعي لتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

‌ب- اتخاذ موقف اسلامي كامل سواء من الناحية الفكرية والعلمية او من ناحية الكفاح والجهاد.

‌ج- القيام بمبادرات اساسية في سبيل عدم تشتت المسلمين والسعي إلى تحقيق الوحدة الكاملة بينهم.

‌د- التعاون مع جميع الطوائف الدينية والسعي إلى صيانة وحدة البلد.

‌ه- الاهتمام بالمسؤولية القومية والوطنية وصيانة الاستقلال والحرية في لبنان والدفاع عن اراضي البلد وحدوده.

‌و- مكافحة الجهل والفقر والظلم الاجتماعي والفساد الاخلاقي.

‌ز- مساعدة المقاومة الفلسطينية ومناصرتها ودعمها والمشاركة مع البلدان المتقدمة والاخوة العرب في سبيل تحرير الاراضي التي احتلها العدو الصهيوني.


جهوده في سبيل انقاذ المحرومين

منذ عام 1971 وما بعده استمر العدو الاسرائيلي باعتداءاته على جنوب لبنان. في مثل هذه الظروف ومن اجل الدفاع عن الجنوب اعلن الإمام موسى الصدر بأنه يجب توفير جميع وسائل الدفاع الجديدة لأهالي الجنوب، كما يجب ان تصان قرى ومناطق الجنوب وان تصبح التعليمات العسكرية فيها عامة واجبارية. وان توضع الاسلحة في متناول جميع اهالي الجنوب كي يتمكنوا من التصدي للعدوان الاسرائيلي والدفاع عن وطنهم. كما هاجم الإمام موسى الصدر الحكومة اللبنانية لتجاهلها الاوضاع في الجنوب وطلب إليها ان تلغي الامتيازات الطائفية، وان تفسح المجال للطائفة الشيعية المسلمة لتشغل مناصب على مستوى الوزارات والمديريات العامة في لبنان، كما طالب الحكومة بتعميم القوانين الخاصة بالتعليم والتربية والتنمية على جميع لبنان.

وعلى هذا الاساس تشكلت حركة المحرومين وفق المبادئ التي حددها الإمام موسى الصدر والتي عبر عنها هو بنفسه بالقول: ان حركة المحرومين انبعثت من الايمان الحقيقي بالله والانسان والكرامة والحرية الكاملة وهي ترفض اي نوع من الظلم الاجتماعي والعسكري والسياسي والطائفي، وتحارب الاستبداد والاقطاع والتفرقة.


مساعي موسى الصدر في سبيل انهاء الحرب اللبنانية

كان الامام يدرك ان قضية انهاء الحرب الداخلية في لبنان تحتاج إلى قرار عربي مشترك، وان هذا القرار لا يتحقق إلا ان يكون مسبقاً بتوافق عربي مشترك. وعلى هذا الاساس ذهب في 23/8/1976 إلى دمشق، ومن ثم إلى القاهرة ليقوم:

اولاً: بتصفية الجو السياسي للبلدين الذي كان يتكدر يوماً بعد يوم.

ثانياً: بتوحيد موقف قادة البلدين ازاء الحرب الداخلية في لبنان.

كما قام برحلات عديدة بين مصر وسوريا وكذلك بين السعودية والكويت كما قام باتصالات عديدة مع رئيس جمهورية لبنان والمقاومة الفلسطينية استمرت حتى 13/10/76، كما قام بزيارة عدد من البلدان العربية واجرى حواراً مع مسؤوليها. وفي الحقيقة سعى ليحقق التضامن العربي في سبيل انهاء الحرب الداخلية في لبنان. وقد اثمرت هذه الجهود اخيراً بعقد مؤتمر الرياض في 16/10/76 ومن ثم مؤتمر القاهرة في 25/10/1976 وتقرر في هذين المؤتمرين انهاء الحرب الداخلية في لبنان بتدخل قوات حفظ السلام العربية.

ومع دخول قوات السلام العربية إلى الاراضي اللبنانية دعا موسى الصدر الشعب اللبناني إلى الابتعاد عن جو الحرب والاصغاء إلى القانون والتمسك بالوحدة اللبنانية وصيانة كيان البلاد واستقلالها، والعودة إلى بناء الوطن.

اقوال الصدر

برزت اقوال الامام  خاصة تلك المتعلقة بمحاربة "اسرائيل" وانتشرت انذاك بين جيل الشباب المقاوم كالنار في الهشيم.

٭ إنّ المقاومة ليست مجموعة عصابات مخرّبة يستعملهم لبنان لإزعاج إسرائيل، بل إنّهم أصحاب حقّ ومظلومون.

٭ نحن أمام أمرين: إمّا الخنوع والتشكيك والاستسلام، والقيل والقال. وإما سلوك الخطّ القويم، الطريق الواضح المتمثّل بالدفاع والمقاومة والإستشهاد..

٭ صحيح أنّنا نتعرّض للصعوبات والإعتداءات، ولكنّنا أيضاً لا نزال نملك دماً يدافع، وهمّة ترفض، وقول: لا. كيف كان تاريخنا؟ كيف كان قادتنا؟ كيف كان رجالنا؟ كانوا وحدهم في التاريخ يقولون للإمبراطوريّات: لا لا!!

٭ إنّني لا أعترف بالحسينيّة إلا إذا خرَّجت أبطالاً يقاتلون العدوّ الإسرائيليّ في الجنوب.

٭ لا نريد ولن نرضى أن ننتظر حتّى تُحتلّ أرضنا وبعد ذلك نؤسّس المقاومة لاستعادة الأرض المحتلّة

كما كان لافتاً باقواله عن رجال الدين :

٭ إنّ المأساة التي يعيشها رجل الدين في عصرنا هي المأساة الكبرى وبانتظار غضبته الحقّة وقولته الصادقة، يتحمّل مأساتها ويتجرّع غصصها.

٭ رجل الدين كمواطن واعٍ مسموع الكلمة هو مسؤول عن القضايا العامّة أيضاً، لكن بالطريق الذي يتناسب مع وضعه الإجتماعيّ، وطاقاته الفكريّة والشعبيّة.

ـ إنّ مسؤوليّة علماء الدين في هذا الميدان كبيرة ودقيقة وعاجلة لأنّهم أمناء على خدمة الأمّة وأبنائها، لا سيّما المحرومين منهم، ولأنّهم وحدهم يتمكّنون من إعطاء صورة صحيحة عن نضال المحرومين والمظلومين داخل المجتمعات

٭ إنّ علماء الدين يقدرون على منع التشويه عن المساعي التي تبذل لوصول الحقوق إلى أصحابها، فقد اعتاد الظالمون والمغتصبون على اتّهام هذه الحركات بالإلحاد أو بالطائفيّة، وخير علاج لهذه الأسلحة الفتّاكة، هو وقوف علماء الدين معها وتبنّيهم لها.


اختصر مسافات الصراع الطائفي

وفي تاريخ 18/2/1975 صعد إمام مسلم على مذبح كنيسة يلقي عظة الصوم، ليختصر مسافات من الصراع الطائفي، ويعيد بعضًا من الأمل في وطن الإنسان. وما زال خطاب الإمام الصدر في كنيسة الكبوشيين يطغى على صوت الاقتتال ناسجًا من تلاقي الأديان في لبنان ميزة حضارية أمّن الله عليها بنيه.

و كانت تلك لحظة إنسانية إستثنائية أغنتْ التجربة اللبنانية في التعايش، وأثبتت أن لبنان متميز بتجربته الذي يجب ان تكون نموذجا للعالم يقتدى بها كقيمة إنسانية حضارية. كان موقفًا من سلسلة مواقف تسم سيرة الرجل ومسيرته.


المنشورات ذات الصلة