عاجل:

إسرائيل وهيمنة دموية تتجاوز حدود غزة

  • ١٧

 كتبت نسرين مالك في "The Guardian"

ليس الأمر مقتصرًا على غزة فحسب، فمن الضفة الغربية إلى سوريا ولبنان، يستمر الهجوم الإسرائيلي.

من الواضح الآن أن وقف إطلاق النار في غزة ليس سوى "تهدئة"، ويستمر الهجوم الشرس اليومي على القطاع. ففي يوم واحد بنهاية أكتوبر، قُتل ما يقرب من 100 فلسطيني. وفي 19 نوفمبر قُتل 32 شخصاً، كما قتل 21 آخرون في 23 نوفمبر. ومنذ وقف إطلاق النار، قُتل أكثر من 300 شخص وجُرح ما يقرب من 1000. وهذه الأرقام في ازدياد.


إن التحول الحقيقي يكمن في أن وقف إطلاق النار قد قلل من الاهتمام والتدقيق العالميين. وفي غضون ذلك، يتضح مخطط إسرائيل الناشئ الذي يتمثل في هيمنة دموية ليس فقط في غزة، بل في جميع أنحاء فلسطين والمنطقة ككل.

لقد وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أغنيس كالامارد، فترة ما بعد وقف إطلاق النار بأنها "وهم خطير بأن الحياة في غزة تعود إلى طبيعتها". وقالت إن السلطات الإسرائيلية قللت من هجماتها وسمحت بدخول بعض المساعدات إلى غزة، لكن "يجب ألا ينخدع العالم؛ فالإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد". ولم يعد أي مستشفى في غزة إلى العمل بكامل طاقته. وقد أدى هطول الأمطار وبرودة الطقس إلى تعريض الآلاف للخطر في خيام متداعية.

ومنذ وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، منعت السلطات الإسرائيلية دخول ما يقرب من 6500 طن من مواد الإغاثة التي نسقتها الأمم المتحدة إلى غزة. ووفقًا لمنظمة أوكسفام، مُنعت شحنات المياه والغذاء والخيام والإمدادات الطبية من 17 منظمة غير حكومية دولية خلال الأسبوعين التاليين لوقف إطلاق النار فقط.

والنتيجة هي أن السكان الذين دُمّرت منازلهم وسبل عيشهم ومساكنهم المستقرة لا يزالون محرومين من الحصول على خيام أكثر أمانًا أو طعام كافٍ. وتُبقي السلطات الإسرائيلية سكان غزة في عذاب أليم، مُواصلة العقاب الجماعي ومنع عودة الحياة الطبيعية وترسيخ إسرائيل كحاكم وحيد غير مُحاسب، يتمتع بسلطة غير محدودة على سكان المنطقة.

إن غزة في خضم توسع الامبريالية الإسرائيلية، وهو توسع يمتد إلى الضفة الغربية وما وراءها. وفي الأراضي المحتلة من الضفة الغربية، تستمر حملة القمع التي اشتدت منذ 7 أكتوبر 2023 في التصاعد حتى وصلت إلى حصار عسكري كامل. وتم إجبار عشرات الآلاف من الفلسطينيين على ترك منازلهم هذا العام في نمط وصفته هيومن رايتس ووتش بأنه يرقى إلى "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي، ويجب التحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها".

وفي الأسبوع الماضي، ظهر مقطع فيديو يُظهر إعدام جنود إسرائيليين لرجلين فلسطينيين في جنين بعد أن بدا أنهما استسلما. وقال إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إن القوات المتورطة في عمليات القتل تحظى "بدعمه الكامل". وأضاف أنهم "تصرفوا تمامًا كما هو متوقع منهم - يجب القضاء على الإرهابيين".

وهذه ليست سوى نافذة صغيرة، في لحظة تصويرية نادرة، على سفك الدماء. فقد قُتل أكثر من 1000 شخص على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة الغربية خلال العامين الماضيين. 1 من كل 5 منهم أطفال. ويُشتبه في أن أكثر من 300 حالة كانت "إعدامات خارج نطاق القضاء".

وفي أكتوبر من هذا العام، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 260 هجومًا للمستوطنين، وهو أعلى مستوى منذ بدء تسجيلاتها قبل 20 عامًا. وينتهي أكثر من 93% من التحقيقات في هذه الهجمات دون توجيه أي اتهامات. ويُقال إن عشرات السجناء الفلسطينيين يموتون في السجون الإسرائيلية بسبب العنف الجسدي أو الإهمال الطبي، بينما يروي أولئك الناجون مشهدًا مأساويًا من التعذيب والإساءة.

ومع ذلك، لا تزال حدود تفويض إسرائيل بالاعتداء والقتل والاستيلاء على الأراضي تتسع. ففي الأسبوع الماضي شنّت القوات الإسرائيلية توغلًا بريًا في جنوب سوريا، مما أسفر عن مقتل 13 سوريًا، من بينهم أطفال. ورفض الجيش الإسرائيلي تقديم معلومات عن المجموعة التي زعم أنه استهدفها في الغارة. واحتفظت إسرائيل ببساطة بحقها في الوصول إلى الأراضي السورية، كما فعلت عدة مرات منذ غزوها واحتلالها المنطقة العازلة بين البلدين، وأجزاء أخرى من جنوب سوريا.

ومنذ ذلك الحين، اتهمت هيومن رايتس ووتش القوات الإسرائيلية بتطبيق نفس الممارسات الاستعمارية المتبعة في الأراضي الفلسطينية: التهجير القسري ومصادرة المنازل وهدم المنازل وقطع سبل العيش والنقل غير القانوني للمعتقلين السوريين إلى إسرائيل. وتعتزم إسرائيل الحفاظ على وجودها إلى أجل غير مسمى.

أما في لبنان فلا يزال 64 ألف شخص نازحين من ديارهم بعد حرب العام الماضي حيث تكثفت الهجمات الإسرائيلية. ورغم مفاوضات اتفاق السلام في نوفمبر الماضي، شنّت إسرائيل قصفًا شبه يومي على الأراضي اللبنانية، وكان آخرها الأسبوع الماضي. ولا تزال تحتل 5 نقاط مراقبة تشن منها هجمات على أهداف تزعم أنها مرتبطة بحزب الله.

ووفقًا لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان فإن إسرائيل مذنبة بأكثر من 10 آلاف انتهاك جوي وبري لوقف إطلاق النار تسبب في قتل مئات الأشخاص. وفي خضم هذه المعارك، يُطرد المدنيون، مرة أخرى، من أراضيهم، ويصبحون عرضة للهجمات العسكرية الإسرائيلية، ويخضعون لنوع من السيادة الإسرائيلية المطلقة. ووفقًا لتقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز، فإن "الوضع في لبنان يُقدم مثالًا واضحًا على شرق أوسط جديد يكون فيه نفوذ إسرائيل شبه منتشر".

أي نوع من وقف إطلاق النار هذا؟ أي نوع من الوضع الراهن هذا؟ الحل هو وضع متقلب وغير مستدام. ولا يمكن لأي عاقل أن يتوقع خلال هذا الوضع تحقيق أي نوع من السلام، سواء في فلسطين أو في الشرق الأوسط الأوسع.

وقد يردد الوسطاء وأصحاب المصلحة والدبلوماسيون لغة وقف إطلاق النار التدريجي وخطط إعادة الإعمار، لكن الحقيقة هي أن هذه خطط لمستقبل لن يتجلى إلا إذا وضعت إسرائيل حدًا لأعمالها غير القانونية في أراض لا تملك أي حقوق قانونية عليها.

إن الوهم الخطير بأن الحياة تعود إلى طبيعتها لا ينطبق فقط على غزة، بل على فلسطين والمنطقة بأسرها. وسيتبدد هذا الوهم قريبًا.

المنشورات ذات الصلة