كتب ريموند فيكري في "ناشيونال إنترست"
تتجه العلاقات بين الهند وروسيا نحو مزيد من الثقة، فهل تستطيع الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات التي من شأنها إعادة العلاقات مع الهند إلى سابق عهدها؟
يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي في 4 ديسمبر، حيث سيشارك في محادثات تستمر يومين ضمن القمة الهندية الروسية السنوية الثالثة والعشرين. وسيستقبله رئيس الوزراء ناريندرا مودي بحفاوة بالغة، وستُوصف روسيا بأنها "أفضل صديق" للهند، أو ما شابه ذلك من عبارات.
لكن هذا ليس بجديد، فعندما تولى مودي رئاسة الوزراء لأول مرة عام 2014، صرّح في اجتماع البريكس مع بوتين قائلاً: "كل طفل في الهند يعلم أن روسيا هي أفضل صديق لنا". وقد واصل مودي استخدام صيغ لفظية مختلفة لوصف هذه العلاقة الروسية المتميزة مع الهند كلما التقى بوتين، ولن يختلف هذا الاجتماع عنه.
تحظى رؤية مودي لروسيا بأنها "أفضل صديق" بشعبية كبيرة، وبالتالي بدعم سياسي قوي في الهند. ووفقاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2023، "يتميز الهنود بتأييدهم العام لروسيا، حيث أنهم الدولة الوحيدة من بين 24 دولة شملها الاستطلاع هذا العام، حيث تقول الأغلبية إن لديهم رأياً إيجابياً تجاه روسيا ويثقون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين". ويشير تقرير صدر مؤخرا عن مركز التحليل البحري إلى أن العلاقات بين روسيا والهند تحسنت بالفعل في بعض الجوانب منذ العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا في عام 2022.
على الرغم من تقلب علاقة الرئيس دونالد ترامب مع بوتين، تبقى روسيا، في أحسن الأحوال، منافسًا استراتيجيًا للولايات المتحدة. ويُرجَّح أن يكون تعامل ترامب الأخير مع الهند قد عزز العلاقات الهندية الروسية بدلاً من أن يضعفها. وفي الواقع يبدو احترام الهند لروسيا ورئيسها وتظهير علاقة الصداقة بهذا الشكل "تحدياً كبيراً لتويثق التعاون بين أكبر ديمقراطيتين في العالم؛ الولايات المتحدة والهند.
وإذا أردنا التغلب على هذا التحدي فمن المهم إدراك أن العلاقة الوثيقة بين الهند وروسيا تنبع من قيم أساسية في السياسة الخارجية الهندية، وهي الاستقلال وعدم التدخل وعظمة الهند، لا من العوامل التي يُستشهد بها كثيرًا في تاريخ الحرب الباردة ومبيعات الأسلحة والنفط. وتحتل هذه القيم حاليًا الأولوية ليس فقط على العوامل التي يُستشهد بها كثيرًا، بل أيضًا على قيم هندية أخرى مماثلة، مثل الديمقراطية وسيادة القانون والسلام. وإذا أرادت الولايات المتحدة والهند العودة إلى مسار التعاون الوثيق، فمن واجبهما إعادة النظر في هذه القيم والعوامل وتأثيرها على علاقتهما.
بعد قرنين من الحكم الإمبراطوري البريطاني، كان الشغل الشاغل للسياسة الخارجية للهند المستقلة هو تأمين الاستقلال والحفاظ عليه. ولم يقتصر هذا التركيز على التحرر من القوة الاستعمارية السابقة فحسب، بل امتد إلى التحرر من أي قوة خارجية قد تهيمن على الهند. وبما أن الولايات المتحدة كانت الدولة الرائدة المتبقية وقت استقلال الهند، وحليفة رئيسية لبريطانيا، كان من الطبيعي أن يكون الهاجس الرئيسي للهند هو هيمنة الولايات المتحدة.
وكانت غريزة الاستقلال قوية لدرجة أن الهند، في بعض الأحيان، كانت تميل إلى اتخاذ مواقف سياسية لا تخدم مصالحها الخاصة، بل لإظهار استقلالها. ورغم أن الهند أصبحت الآن دولة قوية بمنأى عن خطر الهيمنة الأجنبية، إلا أن غريزة الاستقلال عن الولايات المتحدة والنظام العالمي الديمقراطي، الذي يُشار إليه غالبًا باسم "الغرب"، لا تزال قائمة.
ومن القيم المصاحبة لموقف الهند المطلق من الاستقلال إصرارها على عدم التدخل. ولا يقتصر هذا على المسائل الاستراتيجية أو الاقتصادية، بل يمتد إلى انتقادات الدول الأخرى. ومما أثار استياء صانعي السياسات الهنود بشكل خاص الانتقادات الخارجية لجودة أو أداء حكومتهم، وكذلك التعليقات بخصوص نقاط الضعف الاقتصادية.
تكمن قيم الاستقلال المطلق وعدم التدخل في إيمان راسخ بعظمة الهند، وسعي مصاحب نحو نظام عالمي قائم على "التعددية القطبية"، تكون الهند أحد أقطابه. وتبدي السياسة الخارجية الهندية، مدفوعة بتجربة الامبريالية، استياء شديدًا، وترفض ما تعتبره عدم احترام لمكانتها كقوة عظمى. ورغم تنامي الثقة بالنفس على مر السنين مع ازدياد وضوح إنجازات الهند، لا يزال هناك قلق من عدم منح الهند مكانة مرموقة على الساحة الدولية. ويبدو أن الدافع وراء بعض أفعال الهند، مثل برنامجها النووي، هو إظهار "العظمة" بقدر ما هو اعتبارات استراتيجية صارمة.
تشير كل من هذه القيم إلى أن الهند تعتبر روسيا "أفضل صديق". وتمثل هذه العلاقة دليلاً قوياً على استقلالها عن القوى الاستعمارية السابقة والغرب. ويعزز عدم تدخل روسيا وامتناعها عن انتقاد نظام الحكم في الهند ورفضها فرض شروط على مشترياتها من الأسلحة وضعها كأفضل صديق للهند، كما يعزز من مكانتها "كقطب" في النظام العالمي. ويبدو أن اعتبار روسيا "أفضل صديق" يعني ضمناً المساواة بين الهند وروسيا، ويُرسخ مكانة الهند كـ"قطب" آخر في الشؤون العالمية إلى جانب الدول العظمى الأخرى.
قد يتخيل المرء أن التاريخ يطبع علاقات الدول بشكل دائم لكن الأمر ليس كذلك. فرغم أن روسيا انحازت للصين عندما غزت الأخيرة الهند في عام 1962، لكن هذه الذكرى الوطنية تلاشت عندما انحازت روسيا إلى الهند في حرب عام 1971 مع باكستان، وانتقدت الولايات المتحدة بشكل خاص لإرسالها حاملة طائرات إلى خليج البنغال خلال الصراع. كما أشادت روسيا بالهند لرفضها الانحياز إلى الديمقراطيات الغربية من خلال سياستها القائمة على "عدم الانحياز". ومما يقلل من أهمية هذا التاريخ أن الحرب الباردة قد انتهت منذ أكثر من 30 عامًا. وخلال تلك الفترة، تغيرت المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للهند بشكل جذري.
والأهم من ذلك أن الاتحاد السوفيتي كان على استعداد لبيع الأسلحة للهند في حين أن الغرب لم يكن كذلك. وقد أدى ذلك إلى اعتماد الجيش الهندي الموروث على الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع الروسية، والتي غالبًا ما تُباع دون شروط. ومع ذلك، ازداد قلق المؤسسة الدفاعية الهندية إزاء الاعتماد المفرط على روسيا. فقد انخفضت مبيعات الأسلحة الروسية إلى الهند، وتزايد توجه الهند نحو الغرب للحصول على تكنولوجيا دفاعية متقدمة.
غالبًا ما يُستشهد بالنفط الرخيص كعامل ثالث في دعم تقييم الهند لروسيا باعتبارها "الصديق المُقرّب". وفي حين أن النفط بأسعار أقل من السوق قد يعزز العلاقة حاليًا، إلا أن تقييم "الصديق المُقرّب" قد تأسس قبل وقت طويل من توافر النفط الروسي الرخيص بعد اندلاع حرب أوكرانيا وبدء العقوبات الغربية في أوائل عام 2022. ورغم أهمية النفط الرخيص في أحوال بعض مصافي التكرير الهندية، إلا أن تأثيره الإجمالي على الاقتصاد الهندي كان ضئيلًا. وهناك وفرة من النفط في الأسواق العالمية، وفوائد النفط الروسي ضئيلة مقارنةً بحجم الاقتصاد الهندي.
يبدو أن سياسات إدارة ترامب تبعد الهند عن الولايات المتحدة وتقربها من روسيا. والطريق المتشدد في التعريفات الجمركية والعقوبات والتأشيرات وباكستان لا يظهر الاحترام الكافي الذي ترومه الهند.
ويمكن للولايات المتحدة تفعيل عوامل التاريخ والسلاح والنفط لمصلحتها. ولن يتم بناء علاقات متميزة بين الهند والولايات المتحدة مالم تتعامل الأخيرة مع الهند انطلاقاً من قيم الديمقراطية وسيادة القانون والسلام. ومع ذلك لن تكون هذه الطرق إذا لم يتم بناء العلاقات بناء على السياسات التي ميزت التفاعل بين البلدين على مدى العقود الثلاثة الماضية.