عاجل:

لبنان يودّع الـ ٢٠٢٥: وها هي الدروس والعبر الثقيلة قبل اختبار الـ ٢٠٢٦ (خاص)

  • ٧١

خاصّ - “ايست نيوز”

جوي ب. حدّاد

مع اقتراب العام ٢٠٢٥ من نهايته، يقف لبنان أمام لحظة مُحاسبة حقيقية، ليس فقط للطبقة السياسية بل للمنظومة كلّها، وللمواطن أيضاً. عامٌ حمل أزمات مألوفة في ظاهرها، لكن تراكمها أكسبها طابعاً أشدّ وطأة، في دولة باتت تعمل بمنطق ردّ الفعل، لا بمنطق المُبادرة أو التخطيط.

عام آخر: وأزمات تتجدّد

لم يكن العام ٢٠٢٥ مُختلفاً عن السنوات التي سبقته. فقد سجّل لبنان واحداً من أعلى معدلات الفقر في المنطقة، فيما ظلّت البطالة مُرتفعة رغم نشاط الاقتصاد غير الرسمي. الكهرباء بقيت على حالها: ساعات تقنين طويلة ووعود إصلاح لا تُترجم.

ومع أنّ الكهرباء بقيت على حالها طوال العام، إلّا أنّها تحسّنت فجأة خلال زيارة البابا لاوون الرابع عشر، وكأنّ الدولة أرادت أن تُثبت أنّ العتمة ليست قدراً بل خياراً. ساعات إضافية أُنيرت احتراماً للضيف، لا للمواطن، فيما بدت الطرقات نظيفة لأيام قليلة، وكأنّنا نحتاج إلى "بابا جديد" كل أسبوع كي لا تغرق شوارعنا مع أول مطر. أمّا "التزفيت"، فموسمٌ لا يتوقّف، وكأنّ البلد كلّه يعيش على إيقاع حفّارة لا تهدأ، تمامًا مثل الليرة التي تواصل انهيارها بصمت، وكأنها تسير وحدها في طريق لا عودة منه.

وتحت هذا السقف المُنخفض من الخدمات، تراجع الأمن اليومي للمواطن. حوادث السرقة والسطو والجريمة ارتفعت بشكل ملحوظ، في ظلّ توتّر سياسي وميداني متقطّع على خلفية التطوّرات في الجنوب وفي سوريا وقطاع غزّة. ورغم مُحاولات السلطة تطمين الرأي العام، إلا أنّ الشعور العام كان أنّ الاستقرار "مؤقّت"، وأن الشرارة قد تشتعل في أي لحظة.

الدروس التي لم نتعلّمها بعد

ومع نهاية هذا العام، تفرض التجربة اللبنانية مجموعة دروس قاسية، يبدو أنّ الدولة لم تستخلصها بعد: ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: غياب التخطيط المُسبق، ذلك ان مؤسّسات الدولة تتحرك فقط عندما تقع الأزمة، سواء في الطرقات التي تتصدّع مع كل مطر، أو في الأمن الذي يُعالج بعد وقوع الحوادث، أو في الاقتصاد الذي يُدار بمنطق " كل يوم بيومو".

ثانيًا: الخطاب السياسي موسم، فمع اقتراب أي استحقاق، تتكثّف الوعود وتتغيّر النبرة، لكن الفارق بين الكلام والعمل بقي هائلًا. لم يرَ المواطن أي إصلاح فعلي في الإدارة أو القضاء أو الخدمات، رغم الحملات الإعلامية التي سبقت الاستحقاقات.

ثالثاً: هشاشة البنية المؤسسية، فأي تطوّر اقتصادي أو أمني، مهما كان بسيطًا، يتحوّل إلى أزمة مضاعفة لأن المؤسّسات غير قادرة على استيعاب الضغط. وهذا يجعل البلد في حالة "تأرجح دائم"، لا يقع لكنّه لا يقف أيضاً.

٢٠٢٦ :استحقاق أكبر من صناديق الاقتراع

في هذه الأجواء، يدخل لبنان العام ٢٠٢٦ على وقع التحضير لانتخابات نيابية ينتظرها الداخل والخارج، وسط متغيرات إقليمية مُتسارعة. الحرب في غزّة، التوتّر في الجنوب، ملفّ النزوح السوري، والضغوط الاقتصادية العالمية، كلّها عوامل ستجعل المزاج الشعبي جزءاً أساسياً من اللعبة السياسية المقبلة.

ولذلك ستكون، هذه الانتخابات امتحاناً لقدرة القوى السياسية على تجديد خطابها، وقدرة المواطن على التمييز بين الشعارات الجاهزة والمشاريع الفعلية. فقد بات الناخب اللبناني أكثر وعياً بالدورة المُتكرّرة للوعود التي تتكثّف قبل كل انتخابات ثم تتلاشى بعدها.

وفي هذا الإطار، يقول أحد الخُبراء في الإدارة العامة إنّ "لبنان لا يُعاني من نقص في الحلول، بل من غياب القرار". جملة تختصر المأزق الحقيقي: الأفكار موجودة، لكن الإرادة التنفيذية غائبة.

يوميات سنة مُستحيلة

لم يعش اللبناني العام ٢٠٢٥ على شكل أرقام وتقارير، بل على شكل هموم يومية مُرهقة، وهي تجلت بفاتورة مولّد تضغط، أسعار غذاء ترتفع، أقساط مدارس ومُستشفيات تتضاعف، طرق تتآكل، ومؤسّسات رسمية تعمل ببطء شديد. ومع ذلك، ينهض اللبناني كل صباح ليُعيد ترتيب يومه فوق أرض رخوة، في واحدة من أشدّ صور الصمود قسوة وصدقاً.

لكنّ هذا الصمود نفسه قد يتحوّل إلى نقمة، لأنّ السلطة تعتقد أحياناً أنّ الناس "تتعايش" مع الأزمة. والحقيقة أنّ الاعتياد ليس قبولاً بل إنهاكاً، والإنهاك يتحوّل في نهاية المطاف إلى غضب.

بين الخوف والفرصة

يدخل لبنان العام الجديد محمّلًا بقلق مشروع، لكنّه يدخل أيضًا بفرصة نادرة. فالانتخابات المُقبلة ليست مُجرّد تبديل وجوه، بل فرصة لإعادة صياغة الدور الذي يلعبه المواطن داخل الدولة، ولإعادة ربط الوعود بالفعل لا بالشعارات. ولذلك فان المطلوب ليس تصويتاً فقط، بل حضوراً، مُتابعة، مُساءلة، ومطالبة مُستمرّة بأن يكون العام ٢٠٢٦ نقطة انطلاق لا تكراراً لنقطة سقوط.

السطر الأخير من العام

وفي ختام ٢٠٢٥، يبقى السؤال الأشدّ وقعاً: هل نملك، نحن والسلطة معاً، الجرأة لنفتح باباً جديداً لمُستقبل مُختلف أم سنستسلم مرّة أخرى، ونعيد تدوير الخراب نفسه، بوجوه جديدة وعناوين قديمة، وكأنّ شيئاً لم يكن؟


المنشورات ذات الصلة