عاجل:

"لاعتماد الانفتاح عوض الحرب".. عودة: على أبناء وطننا وحكامه تغيير سلوكهم والتزام قضايا الإنسان

  • ١٤

اشار متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة في خدمة ال​قداس​ في كاتدرائية القديس جاورجيوس الى ان "نصي ال​إنجيل​ والرسالة اللذين سمعناهما يفتحان أمامنا بابا واسعا لفهم عمل الله العجيب في النفس البشرية. الله يدعونا من خلال نعمته إلى ​قيامة​ داخلية حقيقية، تعتق فيها ​قلوب​نا من انحناء الخطيئة، وتستنير ب​نور​ ​المسيح​ الذي يبدد كل ظلام. فالرب الذي كان يعلم في المجمع، عندما رأى المرأة المنحنية منذ ثماني عشرة سنة شفاها، وهو نفسه يطلب من كل مؤمن أن يقف في حضرته ليشفى من انحناءات النفس والجسد، ويتذوق حرية أبناء الله".

ولفت الى ان "المرأة كانت كما يصفها الإنجيل، منحنية لا تستطيع أن تنتصب البتة. هذا الوصف هو رمز لحالة الإنسان الساقط الذي أثقلته الخطيئة، كما يشرح القديس كيرلس الإسكندري، إذ يقول إن الشيطان حين يقيد الإنسان "يحنيه نحو التراب لكي لا يرفع نظره إلى الله». المشكلة ليست في الجسد وحده، بل في القلب الذي يفقد وجهته نحو العلى. حين يدخل الرب يسوع إلى المجمع، يقترب من المرأة، يلمس ضعفها، ويرفعها بكلمة واحدة، مطلقا إياها من مرضها. هكذا يعمل المسيح دائما: يقترب، ينظر، يشفق، ويقيم. لا يشفينا عن بعد، بل يدخل إلى جراحنا ويغير واقعنا من الداخل. في رسالته إلى أهل أفسس يحدثنا الرسول بولس عن هذه القيامة الداخلية نفسها، إنما من زاوية الحياة العملية. يقول: "أسلكوا كأولاد للنور". دعوة الرسول هذه ليست نظرية بل خلاصية. النور الذي يقيم المرأة المنحنية يصير نهج حياة، ومسارا يوميا يجاهد فيه المؤمن لكي يترك أعمال الظلام، ويثمر «ثمر ال​روح​" الذي يذكره بولس في مواضع أخرى، أي الصلاح والبر والحق. فالتحرر من روح ال​إنحناء​ الذي قيد المرأة يوازيه السير الواعي في نور المسيح، نور يترجم سلوكا مقدسا".

واوضح عودة ان "آباء ​الكنيسة​ رأوا في هذه المعجزة إعلانا واضحا عن عمل النعمة في الكنيسة اليوم. يشير القديس يوحنا الذهبي الفم إلى أن "المرأة المنحنية تمثل النفس التي انحنت تحت أثقال الشهوات والعادات الشريرة"، وأن الرب يقيمها بكلمته كما أقام المرأة، ليس لأنها تستحق، بل لأن رحمته سابقة لاستحقاقنا. وقد شدد الذهبي الفم على أن الوقوف في حضرة المسيح، بالصلاة وال​توبة​ والأسرار، هو الطريق الوحيد لنيل هذه العطية. المسيح لا يرفع من يرفض أن يأتي إليه، بل يرفع كل من يتقدم إليه بتوبة وتواضع. مشهد رئيس المجمع في الإنجيل يذكرنا بأن هناك دائما قلوبا تستطيع أن تقف جسديا ولكنها منحنية روحيا. هذا الرجل الذي اعترض على ​شفاء​ المرأة يوم السبت يمثل العمى الروحي الذي يفضل حفظ القشور على خلاص النفوس. هو يرى الشريعة ولا يرى الرب، يعرف الحرف وينسى الرحمة. كثيرون اليوم قد يقعون في التجربة ذاتها، فيحافظون على صورة التقوى ويدعون حفظ الكلمة والحفاظ على الكنيسة أو الوطن، فيما أعمالهم شريرة، مظلمة، تسيء إلى الإنسان وإلى الكنيسة والوطن. أما المسيح، فهو يكشف أمام الحاضرين بأن تحرير الإنسان أهم بما لا يقاس من حرفية التفسير. يقول الآباء إن المسيح لم يأت ليبطل الناموس، بل ليظهر روحه وعمقه، أي الرحمة والشفاء والتجديد".

أضاف "الحياة المسيحية اليوم تحتاج هذه الرؤية المتكاملة، إبتغاء الرب، طلب الشفاء، والسير في النور. نحن لا نأتي إلى الكنيسة لنحصل فقط على عزاء أو راحة، بل لنشفى من الإنحناءات العميقة التي تشوه صورتنا، ونستعيد إستقامة السلوك ونقاوة القلب. من ينال الشفاء الحقيقي، كما يعلم القديس إسحق السرياني، "لا يعود ينظر إلى الأرض كمسكنه، بل ينظر إلى فوق، حيث المسيح جالس". لذا، لا يكفي أن نطلب إلى المسيح إقامتنا من خطايانا، بل علينا أن نحيا بعد ذلك كقوم أقامهم الله. لعل أهم ما يواجه المسيحي اليوم هو الإنحناء الخفي الذي قد لا يظهر للعيان، إنحناء أمام هموم الحياة وضغوط العمل والإنشغالات المادية وقيود العادات التي تحول الإنسان إلى كائن متعب غير قادر على رفع نظره إلى الله. نعيش اليوم زمن سرعة وتشتت، يجعل القلب متعبا، كما لو أن روح الإنحناء الذي قيد المرأة قديما يحاول تقييد الإنسان المعاصر بطريقة أخرى، بالحقد والحسد والأنانية والثرثرة واللهاث وراء المكاسب والمراكز والمجد الأرضي، ولو على حساب الأخ أو الوطن أو الأخلاق. لذلك، يحتاج كل منا كلمة المسيح التي لا تزال تقال لنا كما قيلت للمرأة: "إنك مطلقة من مرضك". هذه الكلمة تقال في سر التوبة، وفي الإفخارستيا والصلاة وقراءة الكتاب المقدس، وفي كل موضع يقترب فيه الإنسان من الرب بإيمان. يذكرنا بولس الرسول بأن من نال نور المسيح عليه أن يحيا يقظا، لأن الأيام شريرة. هذا النداء يضع أمامنا مسؤولية روحية كبيرة، أن نحافظ على النور في داخلنا، ونرفض كل ما يطفئه. فالنور المسيحي ليس معرفة لاهوتية أو أخلاقية، بل حياة تعاش في طاعة الروح القدس. يشدد الآباء على أن النور الحقيقي يعرف بثماره التي تظهر حين يلمس المسيح قلب الإنسان كما لمس ظهر المرأة المنحنية"

المنشورات ذات الصلة