عاجل:

هل صوب سؤال حسن خليل عن الاتفاق مع قبرص المسار الدستوري، ام انه أحيا "ازدواجية المواقف" ( خاص )

  • ٧٤

خاص _ "إيست نيوز" 

عاد ملف ترسيم الحدود البحرية ليتقدم، في الوقت الذي تتشابك فيه أزمات لبنان الدستورية والسياسية مع الاقتصادية، باعتباره أحد أكثر الاختبارات حساسية في علاقة الدولة بمفهوم السيادة واحترام الأصول الدستورية.

وقد شكّل السؤال الذي وجّهه النائب علي حسن خليل إلى الحكومة حول مخالفة الدستور في إبرام الاتفاقية البحرية مع جمهورية قبرص مناسبة لإعادة فتح الجدل من جديد، خصوصًا حين يرفق بسؤال آخر لا يقل أهمية: هل حصلت اتفاقية الترسيم مع إسرائيل على موافقة مجلس النواب وفق المادة ٥٢ من الدستور؟ سؤالان متوازيان يحملان في طياتهما أكثر من مجرد استفسار قانوني، إذ يضعان الحكومة أمام مساءلة مباشرة حول طريقة إدارتها لملفات تمس جوهر السيادة الوطنية.

المادة ٥٢ من الدستور واضحة بما يخص المعاهدات الدولية: رئيس الجمهورية يتولى المفاوضات ويعقدها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ويجب أن تُعرض على مجلس النواب للموافقة إذا كانت تمس مصالح الدولة الأساسية أو حدودها أو مواردها. ومع ذلك، تشير الوقائع إلى أن الاتفاقية البحرية بين لبنان وقبرص تم توقيعها من دون المرور بالسلطة التشريعية، وهو ما أثار اعتراضات قانونية تؤكد أن ما جرى يشكّل خرقًا صريحًا للدستور. أما اتفاق الترسيم مع إسرائيل، الذي وُصف بأنه اتفاق إطار وأنجز بوساطة أميركية، فقد بقي هو الآخر خارج المسار الدستوري، إذ أنه لم يعرض على مجلس النواب ولم يصدر بشأنه أي تصديق رسمي يمنحه الشرعية المطلوبة.

السؤال الذي طرحه النائب علي حسن خليل بدا في ظاهره خطوة نحو إعادة تصويب المسار الدستوري، غير أن توقيته أطلق علامات استفهام متعددة. فالرجل ينتمي إلى كتلة سياسية كانت شريكًا أساسيًا في السلطة خلال المراحل التي شهدت هذا النوع من التجاوزات، ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان كلامه محاولة لتحميل الحكومة الحالية وحدها مسؤولية خلل متراكم، أو محاولة لفتح معركة سياسية مغطاة بغلاف دستوري. وفي المقابل، يرى آخرون أن إثارة الموضوع ليست ذر رماد في العيون، بل هي فتح متأخر لملف بالغ الخطورة تم تجميده تحت ضغط الضرورات الاقتصادية والسياسية.

المفارقة أن التطورات الإقليمية زادت المشهد تعقيدًا، خصوصًا بعد الاعتراض التركي على الاتفاقية الموقّعة بين لبنان وقبرص. أنقرة، التي ترفض الاعتراف بحقوق الإدارة القبرصية "الرومية " في إبرام اتفاقيات بحرية منفردة، تعتبر أي ترسيم مع نيقوسيا مسًّا بالتوازنات المحيطة بملف الغاز في شرق المتوسط، ما وضع لبنان فجأة داخل دائرة اشتباك إقليمي لم يكن طرفًا مباشرًا فيه. ورغم أن الاعتراض التركي لا علاقة له بالآليات الدستورية اللبنانية، إلا أنه منح خصوم الحكومة ورقة إضافية للقول إن المسار كان متسرعًا وخاليًا من الحسابات السياسية الكاملة.

وتبقى المسؤولية موزعة بين سلطة تنفيذية وقّعت اتفاقيات من دون احترام الأصول، وسلطة تشريعية لم تطالب بفرض دورها الرقابي في الوقت المناسب، وطبقة سياسية تعاملت مع الدستور بمنطق الانتقائية. أما المواطن اللبناني، فهو الخاسر الدائم أمام دولة تتصرّف غالبًا بمنطق الحدث الطارئ لا بمنطق المؤسسات.

وختاما يمكن القول، انه وفي ظل هذا التخبط، يظهر أن نقاش ترسيم الحدود ليس مجرد ملف تقني أو تفاوضي، بل هو مرآة عاكسة لأزمة بنيوية أعمق: دولة توقع اتفاقات تمس ثرواتها الاستراتيجية من دون أن تقدّم للرأي العام ضمانة واحدة بأن ما يجري يراعي القانون ويحمي السيادة ويتجاوز الحسابات الضيقة.


المنشورات ذات الصلة