عاجل:

"رصاصة" ديوان المحاسبة... ضاهر لـ "إيست نيوز": تغريم الوزراء فكك الثغرات الهيكلية... وأسقط "نظرية الحصانة السياسية" (خاص)

  • ١٧٦

خاص ـ "إيست نيوز"

مالك دغمان

شهد لبنان خطوة قضائية غير مسبوقة مع إصدار ديوان المحاسبة قرارًا يقضي بتغريم وزراء الاتصالات السابقين: نيقولا الصحناوي، جمال الجراح، محمد شقير وجوني القرم، بملايين الدولارات لمصلحة الخزينة، بينما أُعفي الوزير بطرس حرب من العقوبة لجهوده في تفادي الضرر على المال العام. القرار جاء بعد تحقيق في صفقات ومبانٍ مستأجرة ومشتراة بشكل مشوب بالمخالفات، أبرزها مبنى "قصابيان" ومبنى "الباشورة"، حيث تم رصد خسائر كبيرة نتيجة تضخم الأسعار، الدفع مرتين لاستكمال المباني، ومخالفات في العقود والرهونات، ما ألحق ضررًا فعليًا بالخزينة.

ووتعليقا على ما جرى تحدث الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية والمتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر الى موقع "ايست نيوز" فقال: "أن التحقيق في الصفقات والعقود المالية القديمة لا يقتصر على تحديد المسؤوليات الفردية فحسب، بل يُعدّ من أهم الوسائل لكشف الثغرات الهيكلية في منظومة إدارة المال العام". وأوضح "أن في لبنان، أظهرت العديد من الملفات التي نظر فيها ديوان المحاسبة أن الخلل غالبًا لا يكون ناتجًا فقط عن تجاوز فردي، بل عن ضعف في آليات الرقابة المسبقة، وسوء تطبيق لقانون المحاسبة العمومية، وغياب التخطيط المالي السليم".

وأشار ضاهر في حديثه لموقعنا إلى "أن هذه التحقيقات تكشف تكرار أنماط معينة من المخالفات، كالتلزيم بالتراضي دون مبرر قانوني، وتجزئة الصفقات للتحايل على أصول المناقصات، وتضخيم الكلفة التعاقدية. وأكد أن هذه الممارسات، عند تراكمها، تؤدي إلى استنزاف الخزينة وتهديد الاستقرار المالي".

الضوابط القانونية لضمان الشرعية

وتابع الدكتور ضاهر لافتا الى "أن التحقيق والمساءلة، على الرغم من أهميتهما، يخضعان لضوابط قانونية صارمة يحرص ديوان المحاسبة على اتباعها. أولها هذه الضوابط هو مبدأ الشرعية، وثانيها، مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية أو العقابية". مؤكدا على "أهمية الضابط الثالث وهو ضمانات الوجاهية والدفاع، أي حق الشخص بالمحاكمة العادلة والاستماع إليه وتقديم دفوعه". وحذر من "أن أي تجاوز لهذه الضوابط يعرّض القرار الصادر للنقض، ويحوّل الرقابة من أداة حماية للشرعية إلى أداة تعسّف".

كما لفت إلى "أن النظام القانوني اللبناني يوفّر آليات واضحة للطعن بقرارات ديوان المحاسبة، سواء بطلب إعادة النظر أو بالطعن أمام مجلس شورى الدولة إذا شاب القرار عيب جوهري في المشروعية أو تجاوز للصلاحيات، مما يحقق التوازن بين الدور الرقابي وضمان الحقوق الدستورية".

تحجيم الحصانة السياسية

وفي جزء آخر من حديثه الى اموقعنا رأى الدكتور ضاهر "أن هذا النوع من القرارات يترك أثرًا مباشرًا وعميقًا على السلوك الإداري والسياسي للوزراء، حيث يحد من نظرية الحصانة السياسية السائدة في لبنان وهي خاطئة. وأوضح أن الاستقلالية الخاصة بالوزير هي مسؤولية، والمسؤولية ترتب حكماً المساءلة".

واستطرد شارحاً "أنه عندما يدرك المسؤول أن توقيعه على عقد، حتى بعد سنوات، قد يكون موضع مساءلة شخصية أمام القضاء المالي، فإنه سيراجع آلية اتخاذ قراراته بدقة أكبر. وختم ضاهر بالقول إن هذا هو ما يُعرف في الفقه المالي بـ"تعزيز ثقافة المسؤولية المالية"، أي الانتقال من منطق الحصانة السياسية إلى منطق المحاسبة القانونية. هذا التحول يساهم في تحسين جودة الإنفاق العام ويحدّ من التسرّع في توقيع العقود".

وأصر ضاهر في ختام حديثه على "أن الهدر حصل في مال عام ويقتضي إعادته من المرتكب. وقال إن ديوان المحاسبة هو هيئة قضائية مستقلة، وأحكامه تشكل تعبيراً عن سلطة قضائية لا عن موقف سياسي، وأي رفض لتنفيذها يفتح الباب أمام تداعيات قانونية خطيرة تمسّ بمبدأ سيادة القانون".

وفي الخلاصة يبدو ان في هذا القرار، فتح ديوان المحاسبة بابًا جديدًا في تاريخ المحاسبة العامة في لبنان، حيث أصبحت مساءلة الوزراء مباشرة عن أي خسائر تلحق بالمال العام ممكنة وواقعية. المستقبل سيعتمد على مدى التزام الديوان بتطبيق صلاحياته، وقدرة السلطات التنفيذية والتشريعية على دعم هذه المساءلة أو مقاومتها. إذا استمرت الصرامة القانونية وتطبيقها على الجميع بلا استثناء، فقد تتحول هذه الخطوة إلى بداية محاسبة دائمة للمسؤولين الماليين، وليس مجرد حالة استثنائية، والرسالة واضحة: لا أحد فوق الرقابة بعد اليوم، ولكن استمرارها مرتبط بالالتزام القانوني والسياسي معًا.

المنشورات ذات الصلة