تعمل السلطات السعودية على تشديد الرقابة على المال العام، ومكافحة الفساد المالي والإداري بصوره وأشكاله كافة، معتبرة أن ذلك يمثل حجر الأساس فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، وتحقيق أفضل العائدات من موارد المملكة.
ولتحقيق هذه الهدف، تتجه وزارة المالية السعودية لإنهاء العمل بنظام “الممثلين الماليين” المعمول به منذ عقود وتأسيس إطار حديث يقوم على الحوكمة، وتعدد أدوات الرقابة، والتكامل مع الأنظمة الرقمية، وفق نظام الرقابة المالية الجديد الصادر عن وزارة المالية.
واعتبر وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أن نظام الرقابة المالية الجديد خطوة تعكس تحولًا جوهريًا في منهجية الرقابة، والارتقاء بالإطار التشريعي للعمل المالي في الجهات الحكومية، وذلك من خلال نموذج أكثر مرونة وشمولًا ويركز على التمكين وحماية المال العام.
وأضاف في كلمته أما “ملتقى الرقابة المالية”، المنعقد في العاصمة الرياض أمس، أن النظام الجديد يسهم في تعزيز الرقابة التقنية والاستفادة من الأنظمة المالية الحكومية والبيانات بما يدعم الرقابة المستمرة، ويسهم في الكشف المبكر عن المخاطر ومعالجتها بكفاءة.
وينتقل نظام الرقابة المالية الجديد من نموذج رقابي إجرائي يركز على إجازة الصرف المسبق، إلى منظومة شاملة لإدارة المخاطر وتعزيز النزاهة والانضباط المالي، مع تحميل الجهات الحكومية مسؤولية مباشرة عن سلامة عملياتها المالية.
ويقول الجدعان، إن إدارة المال العام والرقابة عليه تُعدّ ركيزة أساسية لتعزيز كفاءة الأداء الحكومي واستدامتها، مشيدًا في هذا الصدد بالدور المحوري الذي يقوم به الديوان العام للمحاسبة وبجهوده المهنية في تطوير الممارسات الرقابية ورفع مستوى الانضباط المالي.
بموجب النظام الجديد، تعتمد وزارة المالية 4 أساليب رقابية، تشمل: الرقابة المباشرة، والرقابة الذاتية، والرقابة الرقمية، إضافة إلى رقابة التقارير، مع منح الوزارة صلاحية تحديد الأسلوب الأنسب لكل جهة، أو الجمع بين أكثر من أسلوب وفق مستوى المخاطر وكفاءة أنظمة الرقابة الداخلية.
يهدف نظام الرقابة المالية الجديد في السعودية إلى تعزيز الشفافية والمساءلة وحماية المال العام عبر أساليب رقابية حديثة، ويحدد دور وزارة المالية والمراقبين الماليين، ويحل محل نظام الممثلين الماليين القديم، ويضع ضوابط للمخالفات والجزاءات المتعلقة بالرقابة المالية الحكومية.
كان النظام السابق يعتمد على وجود ممثل مالي داخل الجهة الحكومية يتولى إجازة الصرف، ضمن إطار رقابي يدوي ومركزي محدود المرونة، أما النظام الجديد، فيُلغي هذا النموذج بالكامل، ويعيد توزيع المسؤوليات بين الوزارة والجهات الحكومية، مع التأكيد على استقلالية المراقبين الماليين، وتنظيم دورهم وفق معايير مهنية واضحة.
كما ينتقل التركيز من “ضبط الصرف” إلى تعزيز الحوكمة المالية الشاملة، وتكامل الأدوار مع الجهات الرقابية الأخرى مثل الديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
لفت الجدعان إلى أن نجاح هذا التحول يعتمد على تكامل الجهود بين الجهات ذات العلاقة، لا سيما بين وزارة المالية والديوان العام للمحاسبة، وعلى الاستثمار في الكفاءات الوطنية وتعزيز قدرتها عبر برامج تدريب وتطوير مستمرة، إضافةً إلى ترسيخ ثقافة الحفاظ على المال العام بوصفها مسؤولية مهنية وقيمة وطنية.
ولا يقتصر نطاق تطبيق النظام الجديد على الجهات الحكومية، بل يمتد ليشمل الجهات التي تتلقى دعمًا أو إعانات من الخزينة العامة، أو تنفذ أعمالًا أو مشتريات نيابة عن الدولة، أو تقوم بتحصيل إيرادات عامة، على أن تخضع هذه الجهات لرقابة التقارير في حدود الأموال أو الأعمال المرتبطة بالمال العام.
ويهدف هذا التوسّع إلى سد الفجوة الرقابية بين القطاعين العام وشبه الحكومي، دون فرض أعباء تنظيمية مفرطة قد تعيق مرونة هذه الكيانات.
ويحمّل النظام الجهات الخاضعة له مسؤولية صريحة عن صحة العمليات المالية، وكفاية أنظمة الرقابة الداخلية، والتجاوب مع ملاحظات وزارة المالية، مع وضع إطار واضح للمخالفات والإجراءات التصحيحية، وربط التحقيق والعقوبات بالأنظمة التأديبية المعمول بها.
كما ينص النظام الجديد على رفع وزير المالية تقريرًا سنويًا إلى رئيس مجلس الوزراء عن أعمال الرقابة المالية، بما يعزز مستوى الإشراف والحوكمة على أعلى مستوى تنفيذي في الدولة.
ومن المقرر أن يحل النظام الجديد محل نظام “الممثلين الماليين” بعد فترة انتقالية مدتها 120 يومًا من تاريخ نشره، يتم خلالها إصدار اللائحة التنفيذية والتعليمات التنظيمية اللازمة.