عاجل:

الحصص الغذائية اليومية المتوازنة في لبنان: التغذية الصحية دون حرمان في ضوء الواقع الغذائي والإحصاءات الوطنية في ظل الأزمات (خاص)

  • ٧٧

خاص –"ايست نيوز"

عبير درويش

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الحصص الغذائية اليومية المناسبة للفرد البالغ في لبنان، استنادًا إلى الإرشادات الدولية للتغذية الصحية World Food Program (WFP) ، مع دمج تحليل إحصائي معمّق لواقع الأمن الغذائي وأنماط الاستهلاك الغذائي في لبنان. وتُظهر النتائج وجود فجوة واضحة بين التوصيات الغذائية العالمية والممارسات الفعلية، نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية، ما يستدعي اعتماد سياسات غذائية وتوعوية قائمة على الأدلة العلمية.

تُعدّ التغذية السليمة عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على الصحة العامة والوقاية من الأمراض غير السارية، مثل أمراض القلب والسكري والسمنة. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن الأنماط الغذائية غير المتوازنة تُعد من أهم مسببات الوفاة المبكرة عالميًا.

في لبنان، تفاقمت التحديات الغذائية نتيجة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع القدرة الشرائية، مما انعكس مباشرةً على نوعية وكميّة الغذاء المستهلك. من هنا، تبرز أهمية تحديد حصص غذائية يومية متوازنة، واقعية، وغير حرمانية، تراعي الاحتياجات الصحية للفرد والواقع المحلي في آنٍ واحد.

2. الإطار النظري للتغذية الصحية

تعتمد الإرشادات الغذائية الدولية على ثلاثة مبادئ أساسية: التنوّع الغذائي لضمان الحصول على جميع المغذيات. التوازن بين المجموعات الغذائية. والاعتدال في استهلاك الدهون، السكريات، والملح. وتُعد حمية البحر الأبيض المتوسط من أكثر الأنماط الغذائية المدروسة علميًا، إذ ترتبط بانخفاض معدلات الأمراض القلبية والوفيات، وتعتمد بشكل رئيسي على الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، البقوليات، زيت الزيتون، وكميات معتدلة من البروتين الحيواني.

3. التحليل الإحصائي للواقع الغذائي في لبنان

3.1 تنوّع النظام الغذائي

أظهرت دراسة وطنية حديثة شملت عيّنة من البالغين اللبنانيين أن: 56.3% من الأسر تعاني من انخفاض في تنوّع النظام الغذائي. وهذا الانخفاض يرتبط بشكل مباشر بتراجع استهلاك الفواكه، الخضروات، والمصادر النباتية الغنية بالمغذيات. ويُعد انخفاض التنوع الغذائي مؤشرًا أساسيًا على سوء التغذية حتى في حال توفر السعرات الحرارية.

3.2 الالتزام بحمية البحر الأبيض المتوسط

تشير البيانات Food and Agriculture Organization (FAO)إلى أن: 54.1% من اللبنانيين يحققون التزامًا متوسطًا فقط بحمية البحر الأبيض المتوسط. والفجوة الأساسية تظهر في انخفاض استهلاك الحبوب الكاملة، الأسماك، والمكسرات، مقابل ارتفاع استهلاك السكريات والنشويات المكرّرة.

3.3 المؤشر الفيتوغذائي (Phytochemical Index)

بلغ متوسط مؤشر الفيتو غذاء في لبنان: حوالي 22% فقط من إجمالي الطاقة اليومية،وهو رقم منخفض نسبيًا، يدل على ضعف الاعتماد على الأغذية النباتية الغنية بالمركبات الوقائية مثل مضادات الأكسدة.

3.4 انعدام الأمن الغذائي

تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن: ما بين 21% و30% من سكان لبنان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. أي ما يعادل 1.2 إلى 1.6 مليون شخص. وتُعدّ هذه النسبة من الأعلى في المنطقة، مع تركّز التأثير بشكل خاص على الأسر ذات الدخل المحدود.

4. الحصص الغذائية اليومية

4.1 الفواكه والخضروات: يوصى بتناول خمس إلى سبع حصص يوميًا، بما لا يقل عن 400 غرام. وتلعب هذه المجموعة دورًا أساسيًا في: الوقاية من الأمراض المزمنة، تعزيز المناعة وتحسين صحة الجهاز الهضمي. وكمثال تطبيقي: كوب سلطة خضراء + نصف كوب خضار مطبوخة + ثمرة فاكهة.

4.2 الحبوب الكاملة: يُنصح بتناول خمس إلى ست حصص يوميًا من الحبوب الكاملة، كونها مصدرًا رئيسيًا للطاقة والألياف. رغيف خبز أسمر، نصف كوب برغل أو أرز بني، شوفان.

4.3 البروتين الحيواني والنباتي وتُقدَّر الحاجة اليومية بـ حصتين إلى ثلاث حصص، مع التنويع بين المصادر الحيوانية والنباتية: 100 غرام دجاج أو سمك، كوب عدس مطبوخ، بيضتان، منتجات الألبان قليلة الدسم. ويوصى بـ حصتين إلى ثلاث حصص يوميًا لدعم صحة العظام والعضلات: كوب لبن أو حليب، 30 غرام جبنة بيضاء.

4.5 الدهون الصحية. تُستهلك الدهون الصحية باعتدال، مع التركيز على زيت الزيتون. ملعقة كبيرة زيت زيتون يوميًا.

4.6 السكريات والملح: توصي منظمة الصحة العالمية بأن: لا تتجاوز السكريات الحرة 10% من إجمالي الطاقة اليومية، وألا يزيد الملح عن 5 غرامات يوميًا. كذلك يُظهر التحليل الإحصائي World Health Organization (WHO) وجود فجوة واضحة بين التوصيات الغذائية العالمية والنمط الغذائي السائد في لبنان. وتُعزى هذه الفجوة إلى: ارتفاع كلفة الغذاء الصحي، الاعتماد على أطعمة منخفضة القيمة الغذائية وضعف الوعي الغذائي لدى بعض الفئات. ويرى خبراء التغذية أن المطبخ اللبناني التقليدي، في حال إعادة تنظيم حصصه، قادر على تلبية معظم الاحتياجات الصحية دون كلفة مرتفعة.

تؤكد هذه الدراسة أن تحسين الحصص الغذائية اليومية في لبنان ليس مسألة فردية فقط، بل قضية صحة عامة تتطلب تدخلات توعوية وسياسات غذائية قائمة على الأدلة. ذلك إن اعتماد نظام غذائي متوازن، متنوّع، وغير حرماني، يمكن أن يسهم في تحسين الصحة العامة وتقليل العبء الصحي والاقتصادي على المجتمع.


المنشورات ذات الصلة