خاص ـ "إيست نيوز"
هازار يتيم
لبنان يغرق في أزمته المالية منذ 2019، ومع كل يوم يمر تزداد الفجوة بين المواطن ومصالحه المودعة في المصارف. أموال محتجزة، وودائع مجمدة، ومواطنون عاجزون عن الوصول إلى حقوقهم، بينما المصارف تستثمر هذه الأموال على حسابهم.
أزمة تبدو كمعركة مفتوحة بين المودعين والمصارف والدولة، حيث يتصارع الجميع على مصالح شخصية، وتبقى حقوق اللبناني البسيط ضحية كل هذا التعثر. اليوم، بعد ست سنوات من الانهيار، يطرح القانون الجديد محاولة لإصلاح ما أفسدته سنوات من التراخي، لكنه يواجه تحديات ضخمة بين المصالح المتضاربة والمسؤوليات المتراكمة، ليصبح السؤال الأبرز: كيف يمكن استعادة الأموال، وتحقيق العدالة، وحماية الاقتصاد في آن واحد؟
مشروع القانون الجديد: محاولة لتوزيع العدالة
في ظل عهد جديد وبعد ست سنوات من الأزمة، أعدّت الحكومة مشروع قانون يهدف إلى معالجة الفجوة المالية الناتجة عن انهيار الوضع المالي وحجز المصارف للودائع بصورة غير قانونية. فالتسويف والتأجيل خلال السنوات الماضية عمّقا الأزمة وزادوا من الخسائر، بينما يسعى القانون الجديد إلى تحقيق أكبر قدر من العدالة في توزيع الخسائر وتحمل المسؤوليات، وفق المبادئ والمعايير الدولية، بما يتوافق مع توصيات صندوق النقد الدولي.
المسؤولية والمصالح في القطاع المصرفي
وفي هذا السياق، أكد المحامي كريم ضاهر، أستاذ قانون الضرائب والمالية العامة، أن السبب الرئيسي لرفض القانون من قبل جمعية المصارف وبعض المودعين هو وجود مصالح متضاربة لكل طرف، ما يجعل الوقت الحالي وقتًا للمساومات.
وأضاف:" أن كل طرف يسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، ويترتب على من يتحمل المسؤولية الأكبر ان يضحي اكثر". مع العلم والتأكيد ان المودع ليس مسؤولاً عن حجز وتبديد أمواله لانه في اغلب الحالات أودعها لدى المصرف على سبيل الثقة والأمانة. ".
وأشار ضاهر إلى أن عقد الوديعة هو بين المودع والمصرف، وليس بين المودع والدولة أو مصرف لبنان، وبالتالي يتحمل المصرف المسؤولية المباشرة عن أي انهيار مالي، إضافة إلى مسؤولية المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة بحسب حصصهم وإدارتهم المالية.
المودعون وسط أزمة مضاعفة
واشار ضاهر في حديثه إلى ان "حقوق المودعين محفوظة قانونيًا، لكن الواقع على الأرض معقد. فقد انتظر البعض ست سنوات لاسترداد ودائعهم، وسط تضخم وفقدان قيمة الأموال. وعندما يتم تحديد التعويض، سيتم توزيعه على مدى سنوات طويلة، ما يزيد من العبء على المودع ويضاعف الضغوط المالية عليه".
القانون وتحمل المسؤولية
كما أكد ضاهر أن القانون الجديد يركز على محاولة إعادة الأموال إلى المودعين وفق ما هو متوفر من إمكانيات حاضرة ومرتقبة وبطريقة عادلة قدر الإمكان، مع إشراك من استفاد من الأزمة قبلها وخلالها وبعدها في المسؤولية وموجب المساهمة كما وتحميل الدولة نحو 75% من المبالغ المترتب تسديدها، بينما يتحمل المصرف 20-25% فقط. وأوضح أن القانون لا يشمل مساءلة ومحاسبة الأشخاص الذين كانوا في مواقع مسؤولية وتلاعبوا بالمال العام، ما يخلق فجوة تحتاج إلى معالجة لاحقة لضمان العدالة الكاملة من خلال استرجاع الاموال غير المشروعة لرفد وتعزيز قدرات حساب اعادة تسديد الودائع..
القطاع المصرفي واستقرار النظام
المصارف تتحمل جزءًا من المسؤولية بسبب تهورها وطمعها في الأرباح مما يشكل إدارة غير رشيدة وحوكمة داخلية غير مسؤولة ومهملة وغير متبصرة الأخطار. إلا أن السبب الأساسي للانهيار يبقى موضوع عدم تحمل المسؤليات والإفلات من العقاب مع استمرار المرتكبين والمسؤولين في تبوء مراكزهم ومواقعهم على مدى سنوات طويلة، والتحكم بالقرار والمصير، ما يصعّب محاسبتهم بحسب ضاهر.
ويؤكد ضاهر أن القانون قد يؤثر على الوضع القائم ويؤمن إلى حد ما استقرار القطاع المصرفي، لكنه لا يضمن إعادة الحقوق فوراً بل على مدى زمني طويل بعض الشيء مما يفقد الودائع قيمتهم مع الوقت ويضر بمصالح العديد من الأطراف اصحاب الودائع المتوسطة والكبيرة المستثمرين في الاقتصاد والنمو. والدولة تملك وسائل لتسريع وتكبير حجم التسديدات من خلال حسن استثمار اصولها وتحفيز الاستثمار والنمو والتنمية المستدامة كما ومن خلال التشريع والضرائب لتأمين التعاضد ولضمان مشاركة جميع الأطراف في تحمل المسؤولية..
الضرائب والمالية العامة
ويختتم ضاهر بأن أي عملية لاسترداد الأموال وتوزيعها يجب أن تراعي معايير العدالة والفعالية في ان معا وبشكل لا يؤثر سلباً على المالية العامة ويؤدي إلى زيادة التكليف والضرائب وتحميل الأجيال القادمة وزر اخطاء وارتكابات واهمال الأجيال التي سبقتهم مما يحتم عدم الإضرار بالاستقرار المالي العام، وأن تتم وفق القوانين المعمول بها.
بين العدالة واستعادة الحقوق
ستظل الفجوة المالية في لبنان مرآة للفساد والتراكمات التي عصفت بالاقتصاد والمواطنين على حد سواء. القانون الجديد يمثل فرصة لإعادة التوازن، لكنه ليس حلاً سحريًا؛ فالنجاح يعتمد على التزام جميع الأطراف – الدولة، المصارف، المودعون، والمسؤولون بتحمل مسؤولياتهم بالكامل. فالعدالة الحقيقية لا تتحقق بإرجاع الأموال فقط، بل بضمان عدم تكرار الانهيار وحماية النظام المالي والمجتمع من تداعياته. فالقرار اليوم ليس مجرد مسألة مالية، بل اختبار حقيقي لنضج الدولة وقدرتها على مواجهة أزماتها، وإعادة الحقوق إلى أصحابها قبل فوات الأوان.