عاجل:

هذه هي بدائل قانوني "الانتظام المالي" و"إصلاح المصارف" (آراء حرة)

  • ١١

"إيست نيوز"

كتب الدكتور منير راشد رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية

لم يعُد خافياً على كثر، أنّ مشروع قانون الإنتظام المالي واسترداد الودائع الصادر عن مجلس الوزراء، وقانون إصلاح المصارف رقم 23، يهدفان إلى إفلاس المصارف وشطب معظم الودائع. وهذه هي الأسباب والبدائل.

أولاً: القانون غير قابل للتطبيق من الناحية المالية ومن الناحية القانونية. العبء الكامل لتوفير السيولة خلال الـ 4 سنوات الأولى يقع على عاتق المصارف (الحساب الحرّ حسب المادة 8) لتموّل أول 100 ألف لكل مودع، وتُقدَّر قيمتها بـ28 مليار دولار، علماً أنّ أموال المصارف والمودعين محتجزة لدى مصرف لبنان. على المصارف أيضاً تمويل 20% من الشهادات المالية الصادرة عن مصرف لبنان، لتموّل ما تبقّى من الودائع (المادة 12) وتُقدَّر بـ10 مليار. وعلى المصارف أيضاً إعادة الرسملة خلال 5 سنوات للإلتزام بمعايير بازل 3 (المادة 4)، وتحتاج المصارف للرسملة ما لا يقلّ عن 8 مليار إضافية. يتوجّب على المصارف إذاً توفير نحو 36 مليار دولار خلال الـ5 سنوات الأولى من المشروع. لا يتوفّر للمصارف الآن سوى 2 إلى 3 مليار دولار فقط من الأصول السائلة. القانون يُبرّئ مصرف لبنان (ولديه السيولة اللازمة) والدولة من مسؤوليّتهما تجاه الأزمة والمودع. السيولة متوفرة فقط في مصرف لبنان.

يجب النظر إلى الأزمة كتخَلّف مصرف لبنان عن سداد التزاماته نحو المصارف، وهي لا تُعتبَر خسارة، كونها أُنفِقت من قِبل الدولة ومصرف لبنان من دون اعتبار القدرة على ردّ التزاماتهما. لذا مبدأ التراتبية يستند كلياً إلى أسلوب استنسابي.

ثانياً: يتميّز هذا القانون بوجود ثغرات ومخالفات للمادة 15 للدستور (التي تُجيز تقييد الملكية الفردية للمصلحة العامة فقط بحالة التعويض عنها فوراً بأصول ذات قيمة فعلية موازية) ولقانون النقد والتسليف في معظم المواد المطروحة من 1 إلى 16. فالقانون لا يحقق أهدافه كما ذُكِر في الباب الأول، وكذلك في الباب الثالث المتعلّق بتنقية الأصول. يعتمد مشروع الدولة هذا على أسس عشوائية غير شرعية، لشطب نحو 30 مليار دولار أولاً (الباب الثالث- حسب تقدير الحاكم). ولن يُسدِّد مصرف لبنان سوى الجزء اليسير من الودائع المتبقية على أساس 2% سنوياً من القيمة الإسمية لجميع الشهادات (أ، ب وسين). ويعتمد إعادة الـ2% سنوياً للشهادات (أ، ب وسين) إلى 10، 15 و20 سنة بدءاً من السنة الخامسة. يبلغ مجموع السداد لجميع الشهادات المالية للودائع خلال العشر سنوات الأولى من الاستحقاق (14 سنة من الآن) 20% فقط من قيمتها الإسمية 10 مليار دولار من أصل التزامات مصرف لبنان للمصارف التي تناهز الـ80 ملياراً. 2% هي نسبة سداد وليس فائدة. وسيتناقص السداد لكل فئة مع مرور الزمن. لذا، الشهادة المالية لمصرف لبنان تحمل عائداً سالباً، وتهدف إلى تراكم الخسائر على المودع. ناهيك عن أنّ أعداداً كبيرة من المودعين ليس لها القدرة ومع التقدُّم في السن الانتظار لـ14، 19 أو 24 سنة من الآن للحصول على بقية أموالهم. الشهادات المالية للودائع ذات قيمة مجهولة في الأسواق الموازية. الفئة المتوسطة والميسورة من المواطنين أصبحت من الفئات الفقيرة. الأجدى للقانون سداد ما تبقّى من الودائع أولاً لحل أزمة السيولة، وبذلك يضع «الحصان أمام العربة».

التركيز على سداد ودائع الأفراد في مشروع القانون، يُهمل المبالغ الكبيرة للشركات الخاصة وصناديق النقابات والضمان. معالجة هذه الفئات يجب أن تكون مختلفة عن معالجة الودائع الفردية للأشخاص الطبيعيِّين والمعنويِّين. ودائع المؤسسات تلعب دوراً رئيسياً في توفير السيولة لتحريك عجلة الاقتصاد. ولم يتطرَّق القانون لخسارة الودائع بالليرة.

إنّ افتراض سداد 28 مليار دولار خلال الـ4 سنوات الأولى من قِبل المصارف بموجب وسائل غير نقدية كالشيكات، حوالات مصرفية، أو بطاقات الإئتمان، لتؤمّن تمويل الـ100 ألف دولار في السنوات الـ4 الأولى هو افتراض غير واقعي من دون أن تكون للمصارف سيولة كافية (7 مليار سنوياً) أو جزء مهمّ منها. إذا كان استعمال وسائل الدفع غير النقدية يحقق حقوق المودع، فلماذا لا يُسدِّد مصرف لبنان والمصارف كامل الودائع (80 مليار دولار) فوراً بهذا الأسلوب غير النقدي. إنّ استعمال هذه الوسائل ممكن إذا توفّرت السيولة والثقة، لكنّ كليهما مفقودَين.

بعد مرور 4 سنوات (وبافتراض سداد أول 28 مليار بقدرة عجائبية) يبقى من الودائع التي سيتحمّلها مصرف لبنان والمصارف 52 مليار دولار (بافتراض صرف النظر عن غوغائية تنقية الودائع التي تحتاج لوقت طويل للتطبيق- الباب الثالث) ويعوّض جزء منها بشهادات المالية للفئات الثلاث. سينخفض سداد الشهادات تدريجاً بالقيمة الإسمية والحقيقية حتى نهاية فترة الإسترداد خلال 24 سنة من الآن، ليصل التعويض إلى نسبة 20% من المبلغ الحقيقي الحالي. أي أنّ نسبة الشطب ستوازي 80%. كما لم يُحدَّد مَن يتحمّل تسديد ما تبقّى من الودائع بعد سداد كل فئات الشهادات بعد 24 سنة. الفترة الزمنية لإعادة الودائع غير مقبولة على الإطلاق ولا تساهم في توفير السيولة.

يجب طرح هذه الشهادات المالية أولاً على بورصة بيروت، لمعرفة قيمتها الإسمية الفعلية للتداول في الأسواق الثانوية. وهل مصرف لبنان ملتزم أو قادر على سداد الـ2% من الشهادات، وما تبقّى عند الاستحقاق التي سيصدرها من خلال عائدات إشغال أو تصفية أصوله؟ هذا غير مؤكّد كما يبدو في المادة 11 من مشروع القانون، إذ يُعوَّل على إعادة شرائها في الأسواق الثانوية.

السؤال المهمّ: ما هو مصير المودع في تطبيق هذا القانون؟ فَرَضاً في حالة الودائع المتوسطة (100 ألف لغاية مليون دولار). إذا كان للمودع 200 ألف دولار: سيحصل خلال الـ4 سنوات الأولى على 2000 دولار شهرياً، وسيعاني هذا المبلغ انتقاصاً من قيمته الشرائية تدريجاً، وسيُسدَّد من قيمته الحقيقية ما لا يتعدّى 77 ألف دولار (بخسارة 23% خلال 4 سنوات). في السنة الخامسة (حسب الشهادة فئة أ مدة استحقاق 10 سنوات) سيحصل على 2% (تسديد وليس فائدة) من الـ100 ألف دولار المتبقية وتوازي في السنة الخامسة (السنة الأولى من الشهادة فئة أ) شهرياً 166 دولاراً بقيمتها الإسمية. من الواضح أنّ هذا المبلغ لا يكفي لتغطية تكاليف الحياة اليومية للمواطن. وبعد 14 سنة (على سبيل المثال) سيحصل المودع على 14% من الـ100 ألف الثانية. «أمّا الرصيد المتبقي فيُعاد تسديده عند استحقاقه». ولم يُحدِّد القانون مصدر التمويل.

ومَن لديه وديعة بمقدار 500 ألف دولار سيحصل في السنة الخامسة على 2% من المتبقي البالغ 400 ألف دولار، ما يوازي 666 دولاراً إسمي شهرياً. ومَن له مليون دولار سيحصل على 1666 دولاراً شهرياً، وتتناقص هذه التسديدات مع مرور الزمن سنة بعد سنة. المتضرِّر الأكبر سيكون صاحب الودائع المتوسطة والمرتفعة، وهو المُموِّل الأول للحركة الاقتصادية والوساطة المالية.

هذا القانون لا يخدم المواطن وعلاقاتنا مع الدول حيث تتواجد الجاليات اللبنانية والمستثمرون الأجانب (خصوصاً الخليجيِّين)، ولا يُشجِّع تدفّق الأموال من الخارج كما تزعم السلطة.

اقتراح بديل لاستعادة السيولة والثقة (وهذا ما تمارسه الدول في الأزمات)

أولاً: على الحكومة ومصرف لبنان التخلّي عن هذا القانون، للحفاظ على علاقة إيجابية مع المواطن.

ثانياً: الحل ليس بشطب أو إعادة الودائع بل بإعادة الثقة وتوفير السيولة.

الحل البسيط المختزل هو: على الحكومة ومصرف لبنان تحرير وتوحيد سعر الصرف حالاً، وإلغاء سعر الـ15 ألف ليرة للدولار، وتوفير سيولة نسبية حسب حصة كل وديعة من ودائعها باللولار، وأن لا تقلّ عن 20% (المجموع 16 مليار دولار) إلى 25% لكل وديعة، وتُصبح ودائع بالدولار الفرش. هذا المبلغ متوفّر لدى مصرف لبنان. ومعظم ما تبقّى من الودائع في مصرف لبنان تصبح ودائع ادّخارية بالدولار في المصارف لكل مودع حسب حصّته في الودائع باللولار المتبقية.

يستمر العمل بالتعميم 158 لمَن يرغب حتى انتهاء مدّته، ليوفر سيولة كافية للودائع الصغيرة. وتُشجّع المصارف استعمال الشيكات والبطاقات والتحويلات بعد توفّر السيولة. مصرف لبنان لا يحتاج سوى لبضعة مليارات لتغطية إصداره من الليرة ونفقاته، وأهمّها حقوق السحب الخاصة التي استُهلِكت. هذا الإجراء يُعيد فوراً السيولة والثقة، ويكون عادلاً ومنصفاً للمودع والمصرف.


المنشورات ذات الصلة