عاجل:

من التحالف إلى الصدام: هكذا انقلب المشهد في اليمن بين السعودية والامارات.. الحوثيون يتفرجون (خاص)

  • ٦٠

خاص ـ "إيست نيوز"

عصام شلهوب

لم تعد التطورات المتسارعة في اليمن مجرّد اشتباكات سياسية عابرة أو خلافات تكتيكية بين حلفاء، بل باتت تعكس تحولًا استراتيجيًا عميقًا في موازين القوى الإقليمية، بلغ ذروته مع الغارات السعودية على شحنات قادمة من الإمارات، وقرارات يمنية غير مسبوقة بطرد القوات الإماراتية خلال 24 ساعة.

هذه الأحداث لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياقها الأوسع، إذ تكشف عمليًا عن تفكك التحالف العربي بصيغته التقليدية، وانتقال الصراع من مواجهة الحوثيين إلى صدام غير مباشر – وربما مفتوح – بين الرياض وأبوظبي، على النفوذ والقرار في اليمن.

البداية كانت مع ضربة جوية سعودية استهدفت شحنات أسلحة ومركبات قتالية أثناء تفريغها في ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، قادمة من ميناء الفجيرة الإماراتي. ووفق الرواية السعودية الرسمية، فإن السفينتين اللتين حملتا الشحنة دخلتا المياه اليمنية بعد تعطيل أجهزة التتبع، ومن دون أي تنسيق مسبق مع قيادة التحالف أو الحكومة اليمنية الشرعية. هذا التفصيل، الذي قد يبدو تقنيًا للوهلة الأولى، اعتبرته الرياض خرقًا خطيرًا لقواعد الاشتباك وتهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

لم تكن الغارة مجرد عمل عسكري محدود، بل رسالة سياسية وأمنية واضحة: السيطرة على الأجواء والموانئ اليمنية خط أحمر، وأي محاولة لإدخال سلاح خارج إطار الدولة الشرعية، أو لدعم أطراف محلية على حساب التوازنات التي ترسمها السعودية، ستُواجَه بالقوة، مهما كانت الجهة الداعمة.

التحول الأخطر تزامن مع رد الفعل اليمني الرسمي. فقد أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قرارات قلبت المشهد رأسًا على عقب، أبرزها إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، ومنح القوات الإماراتية مهلة 24 ساعة لمغادرة الأراضي اليمنية، إلى جانب إعلان حالة طوارئ مؤقتة لمنع أي تحركات عسكرية غير منضبطة.

بهذه القرارات، انتقل الوجود الإماراتي من خانة «الشراكة العسكرية» إلى خانة الوجود غير الشرعي وفق توصيف السلطة اليمنية المعترف بها دوليًا، في خطوة لم تكن لتتم لولا الغطاء السياسي الواضح من الرياض.

لكن جوهر الأزمة لا يكمن في ميناء المكلا وحده، بل في حضرموت والمهرة. فهاتان المحافظتان تمثلان بالنسبة للمملكة العربية السعودية عمقًا استراتيجيًا لا يمكن التفريط به. فإلى جانب الحدود الجغرافية المباشرة مع المملكة، تُعد المهرة بوابة محتملة لمشاريع تصدير النفط السعودي إلى بحر العرب، بما يقلل الاعتماد على مضيق هرمز شديد الحساسية.

من هذا المنطلق، رأت الرياض في محاولات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، توسيع نفوذه في هذه المناطق تهديدًا مزدوجًا: أمنيًا واقتصاديًا. وجاء الرد السعودي حاسمًا لوضع حد لأي تغيير في موازين السيطرة جنوبًا من دون موافقتها.

أما الخاسر الأكبر من هذا التصعيد، فهو بلا شك المجلس الانتقالي الجنوبي. فالمشروع الانفصالي الذي راهن على الدعم الإماراتي وجد نفسه فجأة مكشوفًا سياسيًا وعسكريًا، بعد استهداف خطوط إمداده، وسحب الغطاء الرسمي عن داعمه الإقليمي، وإعلان السعودية دعمها الكامل للحكومة الشرعية في أي مواجهة محتملة.

في المقابل، حاولت الإمارات احتواء الصدمة ببيان نفى توجيه الشحنات للمجلس الانتقالي، مؤكدًا أنها تخص قوات إماراتية، غير أن لهجة البيان، ولا سيما الإشارة إلى صدور الموقف السعودي من دون تشاور، كشفت حجم التصدع داخل ما كان يُعرف بـ«غرفة عمليات التحالف».

اليوم، تجد أبو ظبي نفسها أمام معادلة معقدة: إما الانسحاب وخسارة نفوذ راكمته على مدى سنوات، أو الدخول في مواجهة سياسية مفتوحة مع الرياض والسلطة اليمنية، وهو خيار مرتفع الكلفة إقليميًا ودوليًا.

في المحصلة، ما شهدته اليمن خلال أيام قليلة لا يمثل مجرد أزمة عابرة، بل إعادة رسم لقواعد اللعبة. تحالف عربي يتفكك، وسعودية ترسّخ اليمن كملف أمن قومي غير قابل للتعدد، ومشاريع محلية وإقليمية تجد نفسها أمام واقع جديد أكثر صرامة. وبين هذا وذاك، يقف الحوثيون مترقبين، مستفيدين من تصدع خصومهم، بانتظار ما ستؤول إليه هذه المرحلة المفصلية.

المنشورات ذات الصلة