عاجل:

جنبلاط المطمئن في موسكو عينه على الشام

  • ٢٦١

خاص ـ "اخبار الشرق"

كلما ضاقت به جهات الارض الاربعة، يجد الزعيم الاشتراكي وليد جبلاط متنفسه في بلاد "السلاف" الشرقيين، الذين ما بخلوا يوما على حركات واحزاب ومنظمات التحرر الوطني بالدعم والرعاية على مختلف الصعد.

حط ابو تيمور في موسكو مجددا، حيث يشعر في راحة تامّة لا ينتابها حسابات ولا ضغوطات، واستذكر في اطلالة متلفزة معرفته بالاتحاد السوفياتي "الذي هو الاتحاد الروسي اليوم، منذ 57 عاما، عندما أتيت مع والدي كمال جنبلاط في الذكرى الخمسين للحرب البولشفية، ونشأت العلاقة وتطورت في كل المجالات" هذه العلاقة التي تتطورت بعد اغتيال المعلم الشهيد. 

ولان المرحلة الراهنة هي مرحلة الخيارات الصعبة الشديدة الخطورة، يمم جنبلاط وجهه شطر موسكو حيث " يبدو فيه العالم بحرب باردة، أو ساخنة جديدة، والتي ضحت بكل قواعد الأمم المتحدة، تضامنا مع روسيا الاتحادية في مواجهة هذا التوسع للحلف الأطلسي باتجاه روسيا"، حيث كانت تحذيراته واضهية لجهة أهمية احترام اتفاقات مينسك، ووقف الحرب، وعدم دخول بعض الدول في الحلف الأطلسي الذي يطوق روسيا، و"يذكرني بحرب القرم في القرن التاسع عشر، وكان الهدف فيها آنذاك من قبل بريطانيا وفرنسا إضعاف روسيا وتقسيمها".

في موسكو جنبلاط هو جنبلاط بلا صفة اخرى، فلم يحضر  ليمثل  الحكومة، "إنما موقف الحزب التقدمي الإشتراكي الذي كنت رئيسا له، وأتمنى أن يبقى هذا موقف رفاقي في الحزب في المستقبل"، لان للاتحاد السوفياتي والشعب الروسي أفضال كثيرة على لبنان وأهل الجبل وعروبة لبنان، وإسقاط اتفاق 17 أيار، كما المنح الدراسية والتدريب. ولا يستطيع نسيان هذا الماضي العريق الذي بفضله المختارة موجودة وأهل الجبل بألف خير، وهو تعمّد ان يضع خطا بين زياراته وبين مواقف الدولة اللبنانية التي نحت باتجاه الغرب الاميركي في خلال العملية الخاصة في اوكرانيا، يوم صوت لبنان دائما في الامم المتحدة ضد روسيا، انطلاقا من حسابات شخصية تحكّمت بادارة الملف الخاري في حينه.

اللقاء الابرز لجنبلاط كان مع عتيق الدبلوماسية الروسية صديقه وزير الخارجية سيرغي لافروف، وتركّز البحث على أن كذبة كبيرة خرجت من أوساط غربية مفادها حل الدولتين، فتطابق موقفه  مع موقف لافروف. أين ستقوم هذه الدولة، على ركام غزة؟ علما أن هناك إمكانية لتهجير سكانها بعد تدميرها بشكل كامل، بحيث لم يبق من غزة سوى رفح، ويبدو أن الإسرائيليين سيبدأون في التدمير المنهجي لرفح، وبالتالي يفرض على الفلسطينيين التهجير إلى كل العالم والضفة الغربية وهناك 800 ألف مستوطن. فأين ممكن أن تقوم هذه الدولة. هناك استحالة لكنها مجرد دعاية لبعض من العالم العربي والرأي العام الغربي بإعطاء ربما الفلسطينيين حقهم ولكنهم لن يعطوهم، ومستحيل ذلك. هذه المواقف لجنبلاط لا تحتاج الى تفسير، انما تنطلق من تجربة مريرة عاشها لبنان ولا يزال مع العدو الاسرائيلي الذي لا يقيم وزنا لأي قرار دولي ولا يفهم الا لغة القوة. لذلك تجنب جنبلاط التطرق الى الموقف العربي مما يحصل في فلسطين، حتى لا تضيع بعض الايجابيات التي يُبنى عليها.

ولان لبنان هو من اكثر الدول تمسكا بالقرارات الدولية، عبّر جنبلاط عن رؤيته للوضع القائم في الجنوب اللبناني بقوله "نريد ونوافق على تطبيق القرار 1701، لكن لا يكون هذا التطبيق إلا بالاتفاق بين حزب الله والقوى اللبنانية، ومن خلال الدولة، وتعزيز الجيش اللبناني كي يملأ الفراغ في هذه المنطقة، شرط أن نطبق الأمور نفسها على إسرائيل". مذكرا باتفاق الهدنة الذي يملي على لبنان وإسرائيل مسافة معينة محايدة في شمال لبنان كما فلسطين. إنما تطبيق اتفاق الهدنة من جهة واحدة، فهذا ليس بمنطق.

وفي خضم الحروب دخلت الرئاسة اللبنانية في متاهة، اذ يصعب لحد الان التقاط فرصة تؤدي الى تأطيرها في جلسة انتخاب في مجلس النواب تنتج رئيسا جديدا للجمهورية، فلا يعتقد جنبلاط أن الملف الرئاسي مطروح اليوم، إلا إذا أتت "الخماسية" بعرض. والخماسية قالت إن الرئاسة ملف لبناني داخلي، لذا يفضل جنبلاط أن يساهموا أيضا مع الفرقاء اللبنانيين، علما أن لبعض الدول في الخماسية تأثير على بعض القوى اللبنانية، اما اللقاء الديمقراطي بزعامة تيمور جنبلاط "يقرر كما يريد". 

لا كلام يعلو فوق اصوات الصواريخ والقذئف والطائرات الحربية، ففي الوقت الحاضر الحرب مشتعلة في الجنوب، وكما سبق وتمنى جنبلاط من اللحظة الأولى أن لا نستدرج إلى الحرب، لكن هناك فريقان، الأول لبناني مع حزب الله، والثاني الإسرائيلي. ومن يعلم ما هي نوايا العدوان الإسرائيلي على لبنان، وإمكانية تطور هذا العدوان بدعم أميركي؟.

يخحسمها ابو تيمور بأن حزب الله والجمهورية الإسلامية ليسا بوارد توسيع الحرب، "لكن علينا أن نسأل الفريق الآخر، أي إسرائيل وكل من يدعمها، الغرب والولايات المتحدة بالتحديد. سمعت بأن هناك ضغوطات على إسرائيل بأن لا توسع الحرب، لكن نرى ماذا يجري في غزة تحت حجة عملية 7 تشرين الأول/ اوكتوبر 2023، من تدمير وقتل منهجيين لعشرات الآلاف من المواطنين في غزة".

اما الحديث عن اثمان لعدم توسع "حزب الله" في الحرب من أجل تسهيل وصول رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية إلى بعبدا، فوليد جنبلاط لم يسمع بهذا الموضوع، والامر لا يعنيه، فهو تحول الى مراقب من بعيد، وما يقرره اللقاء الديمقراطي والقوى السياسية بالتوافق. "هذا شأنهم وليس شأني".

علاقة جنبلاط مع  حزب الله ايجابية وهي مصدر راحة للطرفين، وهي ايجابية مع كل فصيل لبناني أو غير لبناني يقاوم إسرائيل. البوصلة فلسطين وهي الأساس والصراع العربي الإسرائيلي هو الأساس. و"اليوم حزب الله يقوم بهذا الواجب، كما كانت الحركة الوطنية في وقت سابق، وكما كانت حركة أمل ولا تزال. كما كانت الأحزاب في مواجهة العدوان الإسرائيلي وكل القوى التي تستطيع مواجهة هذا العدوان مرحب بها ونلتقي معها".

يذكّر جنبلاط من باب التحذير بأن مشروع الدولتين انتهى منذ أن ظن البعض في أوسلو بأن هناك حلا للدولتين في العام 1994. وبأن قضية تهجير أهل غزة مستمرة، وستقوى أكثر، وأن ما يجري في الضفة من استيطان، وخنق للقرى والمدن الفلسطينية، سيؤدي في يوم ما إلى تهجير فلسطينيي الضفة ويتحقق ما يسمى الحلم الصهيوني. ونحن في بداية الحرب وصراع طويل قد يستمر أكثر من 100 عام. ولكن في يوم ما سيستعيد العرب فلسطين، فما جرى في غزة جولة دامية ومدمرة من جولات الحروب. و"إذا كان البعض يفكر بأن القضية الفلسطينية ستزول فإنها لن تزول، ولكن لا بد من الصبر والتخطيط والمثابرة".

جنبلاط الذي يستريح مطمئنا في روسيا الاتحادية ويورّث نجله تيمور هذه العلاقة التاريخية التي لا انفكاك فيها، لا بد وان تُعيد موسكو فتح الطريق واسعا لهما الى سوريا العروبة، حيث أثبتت السنون بتجاربها ان الشام تبقى الضمانة في زمن التغيير الجيوسياسي ومعه الديموغرافي.


المنشورات ذات الصلة